بازگشت

ارادة مسلوبة


لو كان الأمر الي لفعلت. اشهدوا اني أول من رمي

لقد عوتب ابن سعد ابن سعد عدة مرات علي موقفه من الحسين عليه السلام، و ركوبه ذلك الركب الصعب، و لقد كان يجيب في كل مرة:

(أما و الله لو كان الامر الي لفعلت، و لكن أميرك قد أبي ذلك) [1] .

كانت أجوبته كلها تدل علي أنه كان ضعيفا مسلوب الارادة مستسلما لأوامر لا يري مجالا في الخروج عليها أو حتي التصرف فيها.

و حتي أسلوبه و طريقته في بدء القتال دلا علي ذلك.. علي أنه انما كان ينفذ أمدا صادرا اليه من جهات عليا مفروضة الطاعة، و قد اراد اثبات ولائه لها بطريقة تثير السخرية، اذ كيف يريد أمير الجيش شهادة أعوانه و هو قائدهم و رئيسهم الكبير؟

(و زحف عمر بن سعد ثم نادي: يا دريد، أدن رايتك.. فادناها، ثم وضع سهمه في كبد قوسه ثم رمي، فقال: أشهدوا أني أول من رمي) [2] .

و لعله أول قائد يطلب شهادة جنده علي حسن طاعته و انقياده لأميره، فلم تعرف سابقة لهذا العمل من قبل، و هو أمر يستدعي المزيد من التأمل و الدراسة في شخصية هذا القائد العجيب.

و عندما حاول عمرو بن الحجاج تحريض الناس علي عدم الخروج فرادي لمبارزة الحسين عليه السلام و أصحابه قائلا: (يا حمقي، أتدرون من تقاتلون؟ فرسان


المصر، قوما مستميتين، لا يبرزن لهم منكم أحد، فانهم قليل، و قلما يبقون، و الله لو لم ترموهم الا بالحجارة لقتلتموهم..

فقال عمر بن سعد: صدقت، الرأي ما رأيت، و أرسل الي الناس يعزم عليهم الا يبارز رجل منكم رجلا منهم..) [3] .

لقد رأي عمرو فتك الحسين عليه السلام و أصحابه بأعوان ابن سعد، و رأي أن المعركة قد تخرج عليهم بمفاجآت عديدة، و قد ينحاز للحسين عليه السلام بعض أفراد الجيش، و من شأن المبارزات الفردية أن تثير بعض الناس و تجعلهم يقفون موقف الحر بن يزيد الرياحي، و لهذا عواقبه فيما بعد، فأشار علي ابن سعد بما أشار به عليه، فرأي منه استحسانا و ربما كان ابن سعد يراقب الموقف و يأمل أن تنتهي المعركة بلحظات معدودة، و لعله أصيب باحباط قوي عندما رأي شدة الحسين عليه السلام و أصحابه و استبسالهم، فكان اقتراح عمرو بن الحجاج مخرجا له من ورطته.

و يبدو من موقف عمرو بن الحجاج و اقتراحه و موقف ابن سعد و قبوله ذلك الاقتراح، ثم قول ابن الحجاج:

(يا أهل الكوفة، الزموا طاعتكم و جماعتكم، و لا ترتابوا في قتل من مرق من الدين و خالف الامام) [4] انهما كانا يريان احتمال تغير موقف الجيش برمته، و ان هناك بوادر ثورة محتملة توشك ان تهب بين صفوفه، و الا فما الذي دعاه الي استصراخ الناس و الاستنجاد بهم بهذه الطريقة المستجدية؟

و حتي في المعركة لم يثبت ابن سعد أنه قائد كفوء، فرغم كثرة افراد جيشه بمواجهة جيش الامام عليه السلام، القليل العدد، فان هزيمة منكره ألحقها جيش الامام بحوالي اثنين و ثلاثين فارسا من فرسانه (و أخذت لا تحمل علي جانب من خيل أهل الكوفة الا كشفته) [5] و لم يستطع تدارك الموقف. الا بعد أن استنجد به قائد الفرسان، عزرة بن قيس قائلا: (أما تري ما تلقي خيلي مذ اليوم من هذه العده اليسيرة؟ ابعث اليهم الرجال و الرماة) [6] ، و عندما فقط استطاع تدارك موقفه حيث (دعا الحصين بن


تميم [بعد أن لم يستجب له شبث بن ربعي] فبعث معه المجففة و خمسمائه من المرامية، فأقبلوا حتي اذا دنوا من الحسين و أصحابه رشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم، و صاروا رجالة كلهم) [7] .


پاورقي

[1] الطبري 324 - 321 - 320 / 3 و راجع المصادر الاخري....

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] الطبري: 328 - 325 - 324 / 3 و بقية المصادر.

[5] الطبري 328 - 325 - 324 / 3 و بقية المصادر.

[6] المصدر السابق.

[7] المصدر السابق.