بازگشت

خديعة أم تخادع...


لسان يلحس و يكذب: يا خيل الله اركبي و ابشري

كان جديرا بمن يدعي الغضب لصنيع ابن زياد و شمر، أن يكون فعله بمستوي الغضب الذي عبر عنه بتلك الكلمات الحادة التي واجه بها شمرا، و أن لا يجعل من المواجهة الكلامية مجرد خصومة كلامية و حسب بينهما، يقول فيه كلمة غاضبة ثم ينتهي كل شي ء ليستسلم بعد ذلك و ينهض لتنفيذ أوامر سيده أو أميره علي حد تعبير شمر، و كأنها أوامر عليا منزلة، لا حق له بماقشتها أو التردد بتنفيذها.

و هكذا لم يجد في نفسه الجرأة علي التصرف و البقاء حتي اليوم التالي لمناجزة الامام و أصحابه عليه السلام فقد نادي بعد حواره (الغاضب) من شمر مباشرة: (يا خيل الله اركبي و ابشري، فركب في الناس، ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر) [1] .

و لعل كلماته الخادعة هذه و هو ينوجه و يحث الناس علي قتال الحسين عليه السلام حامل الرسالة و ممثلها الصحيح، تعيد الي اذهاننا رأي ابيه فيه و غضبه منه، اذ كيف اتفق ان دعا جنده بخيل الله، و كيف و بم بشرهم؟ هل كانوا ذاهبين لمناجزة اعداء الله حتي يدعوهم كذلك؟ و هل البشري الا بالجنة أو النصر، عندما يذهبون لمناجزة أولئك الاعداء؟

ألم يكن ابن سعد يعلم حقا من هو الحسين عليه السلام و ما هي المهمة التي انتدب لها نفسه؟ و هل كان جاهلا بطبيعة الدولة الظالمة التي كان يخدمها؟

أم أنه - يا تري - كان يريد اقناع نسه بصحة موقفه، تحت تأثير خوفه و طمعه؟ أو اقناع جنده بصحة موقفهم.

و قديما غضب منه أبوه حين نطق مع القوم فبزهم، و قد كانوا كلموه في الرضا عنه. قال: هذا الذي أغضبني عليه، أني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: «يكون قوم يأكلون الدنيا بألسنتهم، كما تلحس الارض البقرة بلسانها» [2] .

كان يزيد أكل الدنيا بلسانه، و بلسانه وحده، الا أنه جرد سيفه مع لسانه حينما


وجد أن لسانه لم يكن يكفي وحده.. و قد وجد أنه بمواجهة ألسن أخري أكثر منه حدهة و أمهر في ميدان الشر و الجريمة و التزوير و التلاعب بالألفاظ و الكلمات و منها لسان سيده ابن زياد و خادمه شمر.

فلم يكن الأمر أمر منطق و تلاعب بالألفاظ و الكلمات و حسب... و انما أمر مصالح كبيرة ضخمة لم يرد أحد من اقطاب الحكم و أعوانه و مرتزقته التنازل عنها، و جعلوا السيف بينهم و بين من يدعوهم للعودة الي الاسلام و عدالته و قيمه الصحيحة.


پاورقي

[1] الطبري 314 /3 و تراجع المصادر السابقة الأخري.

[2] الجاحظ / البيان و التبيين 172 / 1.