بازگشت

لقاء و حديث ملفق...


راويته ابن سعد وحده و قد رويت قصة لقاء بين الحسين عليه السلام و ابن سعد، قيل انه تم أكثر من مرة، و لم يحضره أحد غيرهما، و مع ذلك لفقت علي أثره اشاعة مفادها أن الحسين عليه السلام طلب من ابن سعد ان يتركا العسكرين و يخرجا سوية الي يزيد، و ان ابن سعد رفض ذلك [1] ، كما لفقت اشاعة أخري مفادها أن الحسين عليه السلام قدم ثلاثة


مطالب: الرجوع من حيث أتي أو وضع يده بيد يزيد أو الذهاب الي أحد ثغور المسلمين. [2] .

و يبدو أن هذه الاكذوبة التي لفقها ابن سعد، لأنه كان مصدرها و راويتها الوحيد و ربما لفقها بعد انتهاء المعركة و تبادل الاتهامات و محاولات التنصل من الجريمة من قبل كل أطرافها، بما فيهم يزيد قد راقت ليزيد نفسه، فان الحسين عليه السلام عندما يعرض الذهاب اليه و وضع في يده، فانه بذلك يؤكد شرعية قيام الدولة الأموية اليزيدية و خطأ موقفه الذي حاول تداركه عند ما تعرض للخطر الاكيد.

و هذا ما نفته وقائع الاحداث و طبيعة الامام عليه السلام الذي رفض المساومة في كل موقف و في كل مراحل الثورة، و قد تحدثنا في الفصل السابق عن كذب هذه المزاعم التي لم تستند الا علي ادعاءات ابن سعد منفذ الجريمة.

ان محاولة التملص من الجريمة بدا أمرا ملحا بعيد ارتكابها بوقت قصير كما ألمحنا الي ذلك و كنا سنوضحه بعون الله عند الحديث عن نتائج الثورة، و قد سارع يزيد بالقاء تبعتها علي ابن زياد الذي حاول أن يلقيها علي ابن سعد الذي سارع - و ربما عرف هو يزيد - بتحميل مسؤوليتها ابن زياد الذي حاول أيضا أن يلقيها


علي يزيد و ابن سعد كليهما، و هكذا تسارع مسلسل الاتهامات المتبادلة لينتهي بهذه الاشاعة التي تبنتها الدولة و روجت لها ليتناقلها بعض المؤرخين فيما بعد و كأنهم حضروا مع الحسين عليه السلام و ابن سعد اجتماعاتهما التي تمت كما رووا هم دون أن يحضرها أحد سواهما.

و يبدو تلهف ابن سعد لنشر هذه الاشاعة منسجما مع شعوره بالاحباط عندما لم يوله ابن زياد ولاية الري كما وعدة فأراد ان يحمله و زر الجريمة التي قام هو بتنفيذها و ادعي انه أرسل رسالة اليه تتضمن الخيارات الثلاثة التي عرضها الحسين عليه السلام - بزعمه - و التي كانت تمثل الحلول المناسبة لحل المسألة بأسرها، لكي يتساءل الناس بعد ذلك قائلين: ما دام الحسين عليه السلام قد قبل مبايعته يزيد و وضع يده في يده، فماذا يريد ابن زياد أكثر من ذلك؟.

و لكي يعتقدوا أيضا: ان الحسين عليه السلام ما دام قد قبل بمبايعة يزيد، فلابد و أن وجود يزيد خليفة علي المسلمين كان شرعيا، و ان ابن زياد قد فوت عليه فرصة مبايعة و بقائه حيا، و أنه وحده يتحمل وزر ذلك، و هذا ما سعي اليه يزيد الذي أراد التنصل من الجريمة بكل طريقه و القاء تبعتها علي شخصية ما، حتي و لو كان ذلك الشخص هو خادمه المخلص ابن زياد.


پاورقي

[1] فقد روي الطبري 312 / 3 ان الحسين عليه‏ السلام بعث الي ابن ‏سعد (أن القني بين عسکري و عسکرک... فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارسا، و اقبل الحسين في مثل ذلک، فلما التقوا أمر الحسين أصحابه أن يتنحوا عنه، و أمر عمر بن سعد أصحابه أصحابه بمثل ذلک (قال الراوية و هو هاني‏ء بن ثبيت الحضرمي) فانکشفنا عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما و لا کلامهما؛ فتکلما فأطالا، حتي ذه من الليل هزيع، ثم انصرف کل واحد منها الي عسکره بأصحابه، و تحدث الناس فيما بينهما، ظنا يظنونه أن حسينا قال لعمرو بن سعد: أخرج الي يزيد بن معاوية و ندع العسکرين؛ قال عمر: اذن تهدم داري؛ قال: أنا أبنيها لک، قال: اذن تؤخذ ضياعي، قال: اذن اعطيک خيرا منها من مالي بالحجاز.. فتکره ذلک عمر... فتحدث الناس بذلک و شاع فيهم من غير أن يکونوا سمعوا من ذلک شيئا و لا علموه) الطبري 312 / 3 و ابن الاثير 283 - 3 و ابن کثير 175 / 8 و قد ورد في بعض کتب التاريخ أن الحسين عليه‏ السلام قال لابن سعد: (اتقاتلني و أنا ابن من علمت، الا تکون معي و تدع فانه أقرب لک من الله.. و قال له عندما أيس من اقناعه: مالک، ذبحک الله علي فراشک سريعا عاجلا؛ و لا غفر لک يوم حشرک و نشرک، فوالله اني لأرجوا ان لا تأکل من بر العراق الا يسيرا.. فقال ابن ‏سعد مستهزئا: و في الشعير کفاية...) مقتل الخوارزمي 1 - ف 11 و البحار 389 - 44 و النويري 429 - 20 مع اختلافات بسيطة في النصوص.

[2] روي بعض المحدثين ان الحسين عليه‏ السلام قال: اختاروا مني خصالا ثلاثا: اما ان ارجع الي المکان الذي اقبلت منه، و أما أن اضع يدي بيد يزيد بن معاوية فيري فيما بيني و بينه رأيه، و أما أن تسيروني الي أي ثغر من ثغور المسلمين شئتم، فاکون رجلا من المسلمين لي ما لهم و علي ما عليهم) الطبري 312 / 3.. و قد أوضحنا بطلان هذا الافتراء في الفصل السابق....