بازگشت

ااترك ملك الري؟


تردد لأن الجريمة هائلة

كان ابن سعد يعلم أنه ينتدب لمهمة قذرة... و أن ما أحد سيوافقه علي رأيه اذا ما قبل القيام بها، و بما أنه كان يحتمل وجود من يواقفه علي رأيه، فانه استشار بعض الناس، فان ظنه قد خاب عندما لم يوافقه أحد علي رأيه، و هذا ما أثار قلقه الي أبعد حد، و ظلت الابيات التي رددها، تعبر عن حالة القلق و التردد التي تنتاب الطامعين بولاية أو منصب أو جاه... اذا ما كان ثمن ذلك الاقدام علي جريمة أو فعل من شأنه أن يعرض صاحبه لسخط الله.

و لم يجد ابن سعد في نفسه القدرة علي رفض الاوامر الصادرة اليه من ابن زياد، كما لم يجد فيها القدرة علي التخلي عن ولاية الري الغنية التي بدت انها أصبحت في يده فعلا.

و قد أتي ابن زياد في نهاية المطاف معلنا قبول المهمة التي كلفه بها مع أنه حاول محاولة ذليلة التنصل منها و القاءها علي غيره، غير أن الجيش الجاهز المستعد للذهاب معه الي الري كان يبدو و كأنه ضربة الحظ السعيدة التي اتيحت لابن زياد، و ماعليه الا ان يرسل هذا الجيش و يدعمه بالامدادات بعد ذلك ليصل الي عدة عشرات من ألوف الجنود يقفون بمواجهة الحسين و أصحابه عليهم السلام للقضاء عليهم.

قال ابن سعد لابن زياد: (.. أيها الأمير، انك قد وليتني هذا العمل، و سمع به الناس، فان رأيت أن تنفذه لي فافعل، و تبعث الي قتال الحسين من أشراف الكوفة من لست أغني في الحرب منه، و سمي له أناسا.

فقال له ابن زياد: لست أستأمرك في من أريد أن أبعث، فان سرت بجندنا، و الا فابعث الينا بعهدنا.


قال ابن سعد: فاني سائر اليه غدا، فأقبل [1] حتي نزل بالحسين من الغد، أي في اليوم الثالث من المحرم) [2] .

كان ابن سعد يعلم أن ابن زياد لن يتخلي عن المهمة التي انتدبه اليها يزيد و هي قتل الحسين عليه السلام، و كان يعلم أنه - و قد أصبح علي رأس قوة جاهزة و مسلحة - لن يستطيع عصيان أوامر ابن زياد، و لعل طمعه بولاية الري اقترن بخوفه منه... و لم يجد في نفسه القدرة علي التخلص من الطمع و الخوف كليهما.

تتكرر حالة ابن سعد علي مر التاريخ، و يكاد يكون نموذجا واضحا للظلمة المستضعفين، الذين يضعون في أذهانهم القاء مسؤولية أعمالهم علي عاتق زعمائهم و رؤسائهم اذا ما اعتقدوا بوجود حساب في اليوم الآخر،و هي حالة أشار اليها القرآن الكريم بوضوح، و وضعها امام أنظار من قد ينزلقون اما ارادة سادتهم و رؤسائهم و كبرائهم.

(انآ أطعنا سادتنا و كبرآءنا فأضلونا السبيلا) [3] .

انهم يبررون فعلهم بتلك الطاعة التي منحوها لسادتهم و رؤسائهم و كبرائهم، متناسين خالقهم الا في ساحة الحساب يحث يمثلون امامه.

ان القرآن الكريم يعرضها لكي يمنع تكرارها، و لكي يتدارك من لا يزال يعيش أمره قبل الانتقال من هذه الحياة حيث لا ينفع ندم أو عذر مثل هذا.

استجاب ابن سعد للأمر الذي أصدره اليه سيده، الذي استجاب بدوره الي سيده الآخر (الكبير)، و احني رأسه بخنوع و أخذ جيشه الذي كان عازما علي أن يسير به للري، الي كربلاء حيث واجه به الحسين و أصحابه عليهم السلام و دعاهم الي مبايعة يزيد أوالتعرض للابادة و القتل علي يديه.


و بما أنه شعر بالذلة امام اسياده، فان هذا الشعر الحقيقي لابد أن يواجه بشعور معلن يبدو فيه كأن انحيازه الي جانب دولة الظلم نابع عن ارادة شخصية و قناعة بالدور الذي يقوم به. و لابد ان يسعي للظهور بمظهر القوة و البطولة و البسالة أمام عدو الدولة.

و لعله لا يفهم السبب الذي يدعو الامام عليه السلام للثورة ضد دولة يزيد مع أن بامكانه الحصول علي مكاسب كبيرة لو هادنه و بايعه و قد يصل الأمر الي حد قبول يزيد بمقاسمته السلطة أو منحنه ولاية كبيرة تفوق ولاية الري مرات عديدة، و هذا ما قد يزيد حنق ابن سعد الي أبعد الحدود. كيف يرفض انسان هذه الدنيا التي تقدم اليه علي طبق من ذهب و يختار الموت، مع أن الجميع قد اختاروا الحياة في ظل دولة الظلم رغم أنهم لم ينالوا ما يحتمل أن يناله الحسين عليه السلام لو قبل المهادنة و الصلح مع يزيد؟.

ان من شأن موقف الحسين عليه السلام كشف كل المواقف الأخري، و منها موقف ابن سعد نفسه، بل ان ابن سعد سيكون أول من يوضع أمام الانظار بعد الاقدام علي فعلته الشمينة، حتي و لو نال ولاية الري، أو حتي منصب يزيد نفسه.


پاورقي

[1] في أربعة آلاف.

[2] و قد انضم اليه الحر الرياحي الذي أرسل لمحاصرة الامام الحسين عليه‏ السلام و ارساله لابن زياد، فأصبحت قوة جيش ابن ‏سعد خمسة الاف، انضمت اليهم الکتائب التي جمعها ابن ‏زياد و سرحها للحرب.. مستنفرا کل قادر علي حمل السلاح في الکوفة لهذا الغرض، حتي أصبح الجيش الجرار يبدو و کأنه علي استعداد لمواجهة امبراطورية الفرس أو الروم. راجع المصادر السابقة.

[3] الاحزاب 67.