بازگشت

ذهبت اللقمة الكبيرة، فليقنع بالفتات


لقد أدرك ابن سعد منذ البداية ان اللقمة الكبيرة لن تكون من حصته، و اكتفي من الغنيمة بالبقاء حيا و أكل الفتات الذي يتساقط من موائد (الكبار)، و لم يكن له دور في الاحداث التي مرت بعد ذلك، حتي (برز) قبيل واقعة كربلاء حيث انيطت به مهمة قتل الامام الحسين و أصحابه عليهم السلام و التمثيل بجثثهم، و كانت مهمة قذرة جديرة بانسان باهت الشخصية يتطلع الي أمر يحقق طموحه، و هو ولاية الري. التي يبدو أنها كانت حلما كبيرا يفوق كل ما كان يفكر به... الا أنه قد وعد به بالتالي، و يبدو أن ذلك مكافأة بعد أن أثبت ولاءه ليزيد و حرصه علي بقاء ملكه، و بعد ارساله رسالة الانذار من (مخاطر) وجود مسلم في الكوفة، و بعد أن أفشي سره بعد أن أوصاه في مجلس ابن زياد الوصية التي أشرنا اليها في مقدمة هذا البحث.

(و كان ابن زياد قد بعث عمر بن سعد - قبيل شهر المحرم - قائدا علي أربعة آلاف الي (ثغر دستبي) لأن الديلم قد غلبوا عليها، و كتب له عهدا بولاية الري و ثغر دستبي و الديلم فعسكر ابن زياد في حمام أعين) [1] .

و بما أن هذا الجيش كان جاهزا و معدا، و ان قائده كانت لديه استعدادات لخدمة


الدولة دون حدود، و ربما كان تلهفه علي استلام المنصب مؤشرا علي تلك الاستعدادات فان ارساله لاستقبال الحسين عليه السلام و الحاق الاعداد الأخري التي التحققت به حتي وصلت ثلاثين الفا، كان يبدو هو الاجراء المناسب في ذلك الظرف الدقيق الذي كان يبدو فيه العرش الأموي معرضا للخطر الشديد.

كانت ولاية الري مشروطة بمسيره لقتال الحسين عليه السلام و بما أنها كانت مهمة بنظره الي درجة بدت معها أن حياته مرهونة باستلامه مفتاح تلك الولاية، فان أمر مقاتلة الحسين عليه السلام و قتله بدا في نظره أهون من ترك الولاية؟ التي لم يتقلدها في النهاية علي أية حال، دعاه ابن زياد، و أمره قائلا: (سر الي الحسين، فاذا عرفنا مما بيننا و بينه سرت الي عملك، فقال له عمر بن سعد، ان رأيت رحمك الله أن تعفيني فافعل، فقال له عبيدالله: نعم، علي أن ترد لنا عهدنا.

فلما قال له ذلك، قال عمر بن سعد: أمهلني اليوم حتي أنظر، فانصر عمر يستشير نصحاءه، فلم يكن يستشير أحدا الا نهاه.

و جاء حمزة بن المغيرة بن شعبة - و هو ابن أخته - فقال: انشدك الله يا خال أن لا تسير الي الحسين فتأثم بربك، و تقطع رحمك؛ فوالله لأن تخرج من دنياك و مالك و سلطان الارض كلها لو كان لك، خير لك من أن تلقي الله بدم الحسين. فقال له عمر بن سعد: فاني أفعل ان شاء الله.

و بات ليلته بتلك قلقا مفكرا في أمره..) [2] ، [3] .



پاورقي

[1] الطبري 310 / 3 و ابن الاثير 283 / 3 و الخوارزمي 1 - ف 11 و نهاية الارب 425 - 20 و الاخبار الطوال 251 و مرآة الجنان لليافعي 132 - 1 و الري مدنية في فارس جميلة عامرة.

[2] و حول هذا الموقف المتردد قيل أن أميرالمؤمنين عليه‏ السلام لقي عمر بن سعد فقال له: (کيف بک يا ابن ‏سعد اذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة و النار فتختار النار؟) منتخب کنز العمال بهامش مسند أحمد ج 5 ص 113 و تذکرة الخواص ص 141 و ابن الأثير 94 - 4 و مثير الاحزان لابن نما، ص 25 و قد ورد في الکامل لابن الاثير ان عبدالله بن شريک کان يقول: أدرکت أصحاب الاردية المعلمة و أصحاب البرانس السود اذ مر بهم عمر بن سعد قالوا: هذا قاتل الحسين و ذلک قبل أن يقتله، و کان عمر يقول للحسين: يزعم السفهاء اني اقتلک، فقال: ليسوا بسفهاء تهذيب التهذيب 451 - 7 و راجع البحار ج 263 - 44.

[3] الطبري 310 / 3 و الخوارزمي 1 - ف 11 و النويري 425 - 20 وابن الاثير 283 / 3 و التنويري - 251 و مرآة الجنان لليافعي 132 - 1. و ورد في بعض هذه المصادر أنه سمع في أخريات الليل و هو يقول:



أأترک ملک الري، و الري منيتي

أم ارجع مأثوما بقتل حسين‏



و في قتله النار التي ليس دونها

حجاب و ملک الري قرة عيني‏



فو الله ما أدري و اني لواقف

أفکر في أمري علي خطرين‏



ورد البيت الأخير في المناقب لابن شهر آشوب 98 - 4.