بازگشت

طموح قديم عالجه سم معاوية


ان لله جنودا من عسل و لم يشر أحد من المؤرخين الي وجود طموح لدي ابن سعد قبل هذا التاريخ سوي تلك القصة التي اشار اليها ابن ابي الحديد و فيها يدعو ابن سعد اباه لحضور دومة الجندل و المشاركة بمهزلة التحكيم لكي يصير الأمر اليه فيما بعد، و ربما لكي يزول اليه فيصبح هو بدوره خليفة علي المسلمين.

(.. كان سعد بن أبي وقاص قد اعتزل عليا و معاوية،و نزل علي ماء لبني سليم بأرض البادية يتشوف الاخبار، و كان رجلا له بأس و رأي و مكان في قريش، و لم يكن له هوي في علي و لا في معاوية، فأقبل راكب يوضح من بعيد، فاذا هو ابنه عمر.

فقال له أبوه: مهيم.

فقال: التقي الناس بصفين، فكان بينهم ما قد بلغك، حتي تفانوا، ثم حكموا عبدالله بن قيس و عمرو بن العاص، و قد حضر ناس من قريش عندهما، و أنت من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، و من أهل الشوري، و من قال له النبي صلي الله عليه وآله وسلم، اتقوا دعوته، و لم تدخل في شي ء مما تكره الامة، فاحضر دومة الجندل، فانك صاحبها غدا.


فقال: مهلا يا عمر، اني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقول: يكون بعدي فتنة، خير الناس فيها التقي الخفي، و هذا أمر لم أشهد أوله، فلا أشهد آخره، و لو كنت غامسا في هذا الأمر لغمستها مع علي بن أبي طالب. و قد رأيت كيف وهب حقه من الشوري، و كره الدخول في الامر، فرحل عمر، و قد استبان له أمر أبيه..) [1] .

كان موقف سعد قد شجع ابنه لكي (يدعوه) لحضور التحكيم لكي يصيب بعض الأمر، بل ليكون الأمر كله اليه فيما بعد.

هل كان من يعرف عليا و معاوية حق المعرفة يقف منهما موقف الحياد؟.

و هل من روي تلك الاحاديث عن الرسول صلي الله عليه وآله وسلم مباشرة و يعرف فضل أميرالمؤمنين عليه السلام، يري في تصديه لمعاوية فتنة؟ و هل هذه هي حقا الفتنة التي أشار اليها رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم؟.

و هل هناك شك في طبيعة توجهات أميرالمؤمنين عليه السلام و معاوية؟.

لقد تنازل سعد عن (حقه) في الشوري، لأن هناك من كان يمكن أن ينافسه، أما اذا وصل الأمر الي حد ادعاء معاوية ذلك (الحق)، فان سعد أولي - في تلك الحالة - منه، و أقرب وصولا الي الهدف.

أما مع علي عليه السلام، و هو من أعرف الناس بفضله، فماذا يمكن أن يفعل؟

و كان معاوية قد حاول استمالته الي جانبه قبيل حرب الجمل، محاولا دغدغة مشاعره، الا أنه - فيما يبدو - لم يخدع مدركا موقعه و مكانته في وجود أميرالمؤمنين عليه السلام، و قد أجابه اجابة حاذقة تدل علي فهم صحيح لموقعه عليه السلام و مكانته و قدراته الفائقة التي لم تجتمع في احد غيره، سوي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم الذي سبقه بها بلا شك كتب اليه معاوية: (أما بعد فان أحق الناس بنصر عثمان أهل الشوري من قريش الذين أثبتوا حقه، و اختاروه علي غيره، و قد نصره طلحة و الزبير، و هما شريكان في الأمر، و نظيرك في الاسلام، و خفت لذلك أم المؤمنين؟ فلا تكرهن ما رضوا، و لا تردن ما قبلوا، فانا نردها شوري بين المسلمين.


فأجابه سعد:

أما بعد فان عمر لم يدخل في الشوري الا من تحل له الخلافة من قريش، فلم يكن أحد أحق بها من صاحبه الا باجماعنا عليه، الا أن عليا كان فيه ما فينا و لم يكن فينا ما فيه، و هذا أمر قد كرهت أوله و كرهت آخره، فأما طلحة و الزبير فلو لزما بيوتهما لكان خيرا لهما، و الله يغفر لأم المؤمنين ما أتت) [2] .

و رسالة معاوية حاذقة ذات لمسات شيطانية جديرة به، فهو يؤكد علي أهل الشوري - و سعد منهم - الذين اثبتوا (حق) عثمان و جدير بهم أن يأخذوا بثأره، و قد أشار الي طلحة و الزبير باعتبارهما شريكان في الأمر و أتاح لسعد بذلك أن يدلي بدلوه فيكون ثالثهما لأنهما نظيراه، علما أنه أرسل اي كل واحد منهما موصيا بأنه هو الجدير بالأمر، و ما داما قد رضيا الأخذ بثأر عثمان و ردها شوري.. و تابعتهما علي ذلك عائشة فينبغي عليه أن يقر ذلك و لا يرده خصوصا و أنهم (و منهم معاوية طبعا) قرروا أن يردوها شوري بين المسلمين... أما كيف ألحق نفسه بالركب و أصبح من أصحاب القرار و الناطق باسمهم فذلك أمر لا يحق لأحد أن يتساءل عنه.

و يبدو ان رسالة معاوية هذه و أسلوبه الماكر لم تنطل علي سعد الذي أنكر تصدي معاوية لهذه المسألة و زجه نفسه بينهم.

و رغم شهادته بحق أميرالمؤمنين عليه السلام و قوله عنه، أنه كان فيه ما لم يكن فيهم و أنه كان يملك امكانات و صفات نادرة، فهو لم يتحرك الي صالحه كما أنكر علي طلحة و الزبير و عائشة تحركهم ضده.. بل أنه بدا في بعض المواقف مناوئا لأميرالمؤمنين بصورة علنية [3] .


و هنا لابد أن يبدو سكوته و عدم تحركه الي جانب الامام عليه السلام أمرا محيرا خصوصا و انه أعرف الناس بفضائله و أحد رواة الأحاديث الصحيحية بشأنه، و لا يمكن ان يبرر سكوته عن ظلم من سعوا لمناوأته الا بالتربص و انتهاز الفرصة للوصول الي الأمر و الخلافة، و هو ما أدركه معاوية بالتالي، فسعي الي تصفيته و قتله بالسم.


پاورقي

[1] ابن أبي الحديد - شرح نهج‏ البلاغة 197 - 2 و الطبري 111 / 3.

[2] المصدر السابق ص 260.

[3] يدل علي ذلک موقفه منه عندما قال أميرالمؤمنين عليه‏ السلام: (سلوني قبل أن تفقدوني فوالله ما تسألوني عن شي‏ء مضي و لا عن شي‏ء يکون الا أنبأتکم به، فقام اليه سعد و قال: يا أميرالمؤمنين أخبرني کم في رأس و لحيتي من شعرة، فقال عليه‏ السلام: لقد سألتني عن مسألة حدثني عنها خليلي رسول‏ الله صلي الله عليه وآله وسلم انک ستسألني عنها، و ما في رأسک و لحيتک من شعرة الا و في اصلها شيطان جالس و ان في بيتک لسخلا يقتل ولدي الحسين و عمر يدرج بين يدي أبيه) کامل الزيارات - ابن قولويه - ص 74. و بحارالانوار / المجلسي / مؤسسة الوفاء / لبنان ج 256 - 44 و الامالي للصدوق م 28 ص 81 م 28. و يبدو أن أميرالمؤمنين عليه‏ السلام کان کثيرا ما يقول سلوني قبل أن تفقدوني کما ورد في حديث عباية الاسدي (أمالي الشيخ الطوسي ص 37) سواء في خلافته أو قبلها.. و من الاکيد ان خطابه هذا لم يکن في الکوفة اذ کان عمر في ذلک الحين قد تجازو الثلاثين عاما و لم يکن طفلا يدرج بين يديه، و يؤکد تکرار قول أميرالمؤمنين هذا تصدي رجلين آخرين له هما تميم بن أسامة بن زهير التميمي والد الحصين بن تميم الذي صار علي شرطة عبيدالله بن زياد و شارک بمذبحة الطف بعد ذلک (نهج‏ البلاغة 508 - 2) و أنس النخعي الذي قال له عليه‏ السلام نفس ما قاله لصاحبيه، و هو أبو سنان و کان يومئذ طفلا يحبو (شرح النهج 208 - 2.