بازگشت

انه لا يخونك الامين


لقد أوصي مسلم ابن سعد أن يبعث الي الحسين عليه السلام من يخبره بحال الكوفة و انقلابها عليه، و يوصيه بالعودة اذا ما كان قد أقبل اليها، كما أوصاه بأمور اخري تتعلق بدين عليه و دفن جثته.

و هنا بادر ابن سعد - حتي دون أن يسائله ابن زياد عما أوصاه به مسلم - علي البوح بسر مسلم و وصيته و قال لابن زياد: (أتدري ما قال لي؟ انه ذكر كذا و كذا) [1] .

و قد اندهش ابن زياد من السهولة التي باح بها ابن سعد بالسر، فرغم معرفته بضعفه، الا انه لم يكن يتصور انه علي تلك الدرجة من الضعف و الخور، فأية قوة ارغمته علي البوح بالسر؟ هل هو لاستجلاب عطفه عليه؟ أم لخوفه منه و تجنب شره؟ ام أنه نفسه كانت مطبوعة علي الخيانة؟ أم انه كان يكن كرها خاصا لأهل هذا البيت رأي ان الفرصة كانت سانحة للافصاح عنه؟.

غير أنه لم يلح لابن زياد الا شي ء واحد محقق؛ و هو خيانة ابن سعد لأمانة مسلم و وصيته، فالامين لا يمكن أن يخون و هو أمر بديهي، و ابن سعد لم يكن أمينا و قد خان عندما ائتمن، وردد ابن زياد مقولة مشهورة: (... انه لا يخونك الامين، و لكن قد يؤتمن الخائن) [2] .

لقد وصفه ابن زياد علانية بأنه خائن. و كانت صفعة قوية علي وجهه امام مسلم الذي لم يكد يأتمنه علي سره و يوصيه بعد، و أمام الحاشية كلها، و لم يتحرج منها ابن سعد و لم يحتج علي ابن زياد رغم و صمه اياه بصفة الخيانة، و لعل و شايته بمسلم.


و هضمه الاهانة التي ألقحها ابن زياد به كانا مؤشرا جيدا لهذا الأخير أدرك منه أنه أمام ذليل خانع لا يأنف من الاهانة، بل انه يرمي اليها بنفسه طوعا ان لم تأته كرها برغم كل ما قد يتشدق به من النسب القرشي!!

لقد بلغ ذله حدا لم يأنف معه من خدمة الدولة التي قتلت أبيه نفسه، عندما سقي السم بأمر من معاوية لأنه كان منافسا محتملا له في خضم الاحداث الكبيرة التي مرت بها الأمة، و مهد بذلك الأمر ليزيد، و أصبح هو خادما له مع أن أحدا لم يدعه الي ذلك... و مع أن والده كان أحد الضحايا.

و لقد صدق حدس ابن زياد فيه، و رأي فيه ذلة و استجابة كفيلتين لأن تجعلاه يطيع أي أمر صادر اليه، حتي و ان كان الاقدام علي جريمة قتل الحسين و أصحابه عليهم السلام و التمثيل بجثثهم بعد ذلك، و سيكون اخراج الجريمة بعد ذلك متقنا، فان قريش قد اختلفت فيما بينها، و (تنافس) ابناؤها و تقاتلوا، و هو أمر (داخلي) لا شأن (للغرباء) فيه، و هو بالضبط نفس توجه معاوية و ما أراد الايحاء به قبل ذلك.


پاورقي

[1] الطبري 291 / 3.

[2] المصدر السابق.