بازگشت

القتلة يتبادلون الاتهامات


ما لي و لابن مرجانة لعنه الله و غضب عليه

و اذ يدرك الجميع جسامة الجريمة و بشاعتها بعد أن رأوا ردود الفعل الغاضبة من الأمة و التي امتدت حتي الي داخل بيوت منفذي الجريمة انفسهم، بدأ فصل جديد


تبادلوا فيه الاتهامات و حاول كل منهم القاء تبعة الجريمة علي صاحبه، و هذا ما سوف نتحدث عنه في الفصل القادم.

غير أننا نشير هنا الي أن ابن زياد حاول تحميل ابن سعد مسؤولية ما قام به في كربلاء، و ربما أراد أن يقول: صحيح أنني أمرته بقتل الحسين و أصحابه، و لكن ليس بتلك الطريقة التي قام بها.

و كأن ابن سعد أحسن منذ البداية ما كان يدبر له هو أيضا، و قد أراد أن يعرض نفسه علي أنه مجرد منفذ لا غير، و أنه لم يقم بما قام به من عند نفسه و انما بايعاز من سلطان قاهر، هو ابن زياد وكيل الخليفة علي المصر، و هل يملك أحد الا أن يطيع (الخليفة)، حتي و ان كان ذلك بسخط الخالق!

و كمحاولة منه لتبرئة ذمته قام بالاحتفاظ بالكتاب الذي أرسله اليه و الذي يأمره فيه بقتل الحسين و التمثيل بجثته، و لم يعده الي ابن زياد لكي يقوم باتلافه أو الاحتفاظ به.

(قال عبيدالله بن زياد لعمر بن سعد بعد قتله الحسين: يا عمر اين الكتاب الذي كتبت به اليك في قتل الحسين؟

قال: مضيت لأمرك و ضاع الكتاب.

قال: لتجيئن به.

قال: ضاع.

قال: و الله لتجيئني به.

قال: ترك و الله يقرأ علي عجائز قريش اعتذارا اليهن بالمدينة. أما و الله لقد نصحتك في حسين نصيحة لو نصحتها أبي سعد بن أبي وقاص كنت قد أديت حقه.

قال عثمان بن زياد أخو عبيدالله: صدق و الله، لو ددت أنه ليس من بني زياد رجل الا و في أنفه خزامة الي يوم القيامة و ان حسينا لم يقتل.

فو الله ما أنكر ذلك عليه عبيدالله) [1] .

و قد استمر مسلسل تبادل الاتهامات حتي اخريات أيام يزيد كما سنري بعون الله، غير أننا نورد هذا الخبر لنستدل به علي أن يزيد لم يكن نادما علي قتل


الحسين عليه السلام الا لأن ذلك بغضه الي الناس و زرع له في قلوبهم العداوة كا اعترف هو.

(لما قتل عبيدالله بن زياد الحسين بن علي عليه السلام و بني أبيه، بعث برؤوسهم الي يزيد بن معاوية، فسر بقتلهم أولا، و حسنت بذلك منزلة عبيدالله عنده، ثم لم يلبث الا قليلا حتي ندم علي قتل الحسين، فكان يقول: و ما كان علي لو احتملت الاذي و أنزلته في داري، و حكمته فيما يريد؛ و ان كان علي في ذلك و كف و وهن في سلطاني، حفظا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و رعاية لحقه و قرابته!

لعن الله ابن مرجانة، فانه أخرجه و اضطره و قد كان سأله ان يخلي سبيله و يرجع فلم يفعل، أو يضيع يده في يدي! أو يلحق بثغر من ثغور المسلمين حتي يتوفاه الله عزوجل فلم يفعل، فأبي ذلك ورد عليه و قتله،

فبغضني بقتله الي المسلمين، و زرع لي في قلوبهم العداوة فبغضني البر و الفاجر، بما استعظم الناس من قتلي حسينا! مالي و لابن مرجانه لعنه الله و غضب عليه) [2] .

فلنلاحظ الرواية هنا بدقه:

1- سر يزيد بقتل الحسين عليه السلام أولا و حسنت حال ابن زياد عنده.

2- ندم يزيد مدعيا حزنه علي ذلك و تمني لو عادت الايام فابقي علي الحسين عليه السلام و أنزله دار و حكمه فميا يريد حفظا لرسول الله صلي الله عليه وآله وسلم مع أن السبب الحقيقي لذلك الندم كما صرح هو، ان الناس استعظموا قتل الحسين عليه السلام فبغضوا يزيد لأجل ذلك (البر و الفاجم منهم) أي أن النقمة الشعبية العامة قد تصاعدت ضده.

3 - لجأ يزيد الي شرح مطول ما كان ليلجأ اليه لو لم يرد ابراز أمر معين، و هو ترديد أكذوبة ابن سعد التي ادعي فيها أن الحسين سأله ان يسيره الي يزيد فيضع يده في يده أو يدعه يرجع أو يلتحق بثغر من ثغور المسلمين، كما أن ابن سعد كان قد أصبح من أعداء ابن زياد لأنه لم يوله ولاية الري كما وعده.

و لما كان يزيد يريد تبرئة ساحته من الجريمة فانه استغل كذبة ابن سعد - التي أوضحنا بطلانها - لتحسين صورته و القاء تبعة الجريمة علي ابن زياد.

4- ربما أراد الاعلام الاموي الماكر ايهام الامة أن الحكم الأموي يتمتع


بشرعية مستمدة من قوانين الاسلام و ما دام الحسين عليه السلام نفسه قد طلب أخذه الي يزيد ليضع يده في يده، لولا ابن زياد فوت عليه الفرصة و قتله، ألا لعنة الله علي ابن زياد، و هنا يراد توجيه اللعنات و الاتهامات الي ابن زياد بدلا من يزيد و ابرازه علي أنه المتهم الوحيد، بل القاتل الوحيد للحسين و أصحابه عليهم السلام.


پاورقي

[1] الطبري 342 / 3.

[2] الطبري 365 / 3 و ابن الاثير 440 - 439 / 3.