بازگشت

انتصار المهزومين


و قد حسب ابن زياد بعد فشله مع زينب و هزيمته أنه سيحقق نصرا مع زين العابدين عليه السلام الذي كان مريضا خلال المعركة مرضا منعه من المشاركة فيها.

و كان زين العابدين - باتفاق معظم المؤرخين - شابا في الثالثة و العشرين من العمر، و قد كاد يتعرض للقتل عدة مرات علي يد شمر و غيره، غير أنه نجا و أخذ مع النساء و الأطفال ليعرض علي ابن زياد ريثما يسرح بهم الي يزيد.

كان ظن ابن زياد ان زين العابدين سيتهاوي أو ينحني امامه أو أنه سيعتذر نيابة عن والده، و اذا ما استطاع استخراج كلمات منه يهذا المعني، فلابد أنه يكون قد حقق نصرا كبيرا و نال شهادة تبرر فعله بحق الاسلام و المسلمين.

روي حميد بن مسلم قال: (اني لقائم عند ابن زياد، حين عرض عليه علي بن الحسين، فقال له: ما اسمك؟

قال: أنا علي بن الحسين.

قال:أو لم يقتل الله علي بن الحسين؟ فسكت.

فقال ابن زياد: مالك لا تتكلم.

قال: قد كان لي أخ يقال له أيضا علي، فقتله الناس.

قال: ان الله قد قتله...! فسكت علي.

فقال له: مالك لا تتكلم.

قال: (الله يتوفي الأنفس حين موتها) [1] .

(و ما كان لنفس أن تموت الا باذن الله) [2] .
قال: انت و الله منهم ويحك، انظروا هل أدرك؟ و الله اني لأحسبه رجلا؛ فكشف عنه مري بن معادذ الاحمري، فقال: نعم قد ادرك.

فقال: اقتله

فقال علي بن الحسين: من توكل بهؤلاء النسوة؟

و تعلقت به زينب عمته فقالت: يا ابن زياد حسبك منا، أما رويت من دمائنا [3] .

و هل أبقيت منا أحدا؟ فاعتنقته فقالت: أسألك بالله ان كنت مؤمنا أن قتلته لما قتلتني معه.

و ناداه علي فقال: يا ابن زياد، ان كانت بينك و بينهن قرابة فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن بصحبة الاسلام.

فنظر اليها ساعة، ثم نظر الي القوم فقال: عجبا للرحم، و الله اني لأظنها و دت لو أني قتله أني قتلتها معه، دعوا الغلام، انطلق مع نسائك) [4] .

و يبدو من سياق هذه الرواية التي وردت علي لسان أحد اتباع الدولة، حميد بن مسلم، مبعوث ابن سعد لأهله ليبشرهم (بفتح الله عليه و بعافيته)، ان هناك خللا واضحا فيها، فزين العابدين عليه السلام كان في الثالثة و العشرين من العمر، و هي سن ما كانت تخفي بحيث تجعل ابن زياد يشك في بلوغه مبلغ الرجال و يأمر بالكشف عليه.

و ربما أضيفتت بعض العبارات في الرواية بشكل مقصود مثل قول زين العابدين لابن زياد (ان كانت بينك و بينهن قرابة فابعث معهن رجلا تقيا يصحبهن بصحبة الاسلام...) فهل كان الامام عليه السلام يشك بمثل هذه القرابة و يتوهمها؟ أم أنه علي يقين من أصل ابن زياد المفضوح و المعروف؟.


انه يعلم أنه ابعد ما يكون عن آل البيت عليهم السلام، غير أنه يعلم أنه متلهف علي ادعاء مثل هذه القراب، و لو عن طريق أبي سفيان و بعملية سفاح غير مقرة من قبل أي قانون اسلامي، و اذا صحت قرابته بأبي سفيان الذي يتصل بقرابة عن طريق عبد مناف بآل البيت، فان ابن زياد في ذلك الحين يستطيع أن يتشبث بذلك الخيط الواهي، و يرفع رأسه مفتخرا بهذه القرابة، التي لن يثير الادعاء بها الا الهزء و السخرية من قبل الناس.

هل كان ابن زياد يرتاح لقول الامام زين العابدين عليه السلام، و لا يتصور انه يرميه به من باب السخرية أيضا؟

ام ان الامام كان يتحدي ابن زياد فيما اذا كان هو نفسه مقتنعا بهذه القرابة التي تجعله يعطف علي أقاربه في النهاية فيرسل معهم رجلا تقيا يصحبهن الي الشام.

و حتي هذه السفرة الي الشام كانت غير مقررة بعد، و ابن زياد لا يعلم بالأوامر النهائية ليزيد، فربما أمر تقبل الاطفال و النساء في الكوفة، و ربما أمر بتسييرهم اليه، و هذا ما روي لنا مع هذه القصة بعد ذلك فعلا.

روي عوانة بن الحكم الكلبي قال: (لما قتل الحسين و جي ء بالاثقال و الاساري حتي و ردوا بهم الكوفة الي عبيدالله، فبينا القوم محتبسون اذ وقع حجر في السجن، معه كتاب مربوط، و في الكتاب: خرج البريد بأمركم في يوم كذا و كذا الي يزيد بن معاوية، و هو سائر كذا و كذا يوما، و راجع في كذا و كذا، فان سمعتم التكبير، فأيقنوا بالقتل، و ان لم تسمعوا تكبيرا فهو الامان ان شاء الله.

فلما كان قبل قدوم البريد بيومين أو ثلاثة اذا حجر قد ألقي في السجن، و معه كتاب مربوط موسي، و في الكتاب: أوصوا و اعهدوا فانما ينتظر البريد يوم كذا، و كذا، فجاء البريد و لم يسمع التكبير، و جاء كتاب بأن سرح الاساري الي) [5] .

و هذه الرسالة لا تدع شكا في الاعتقاد بأن قرار البت بشأن الاسري من النساء و الاطفال كان بيد يزيد، و ان ابن زياد ينتظر أوامر منه، و انه لم يكن بصدد ارسالهم الي يزيد حتي يوصيه زين العابدين عليه السلام بان يرسل معهن رجلا تقيا.



پاورقي

[1] سورة الزمر، آية 42.

[2] سورة آل عمران 145.

[3] و من العجيب ما وقع بعد عدة سنوات من هذا الحادث الذي جي‏ء فيه برأس الحسين عليه‏ السلام و الاسري من آل بيته بينما ابن ‏زياد کان يتغدي، فقد أرسل المختار الثقفي رأسه الي الامام زين‏العابدين و وصل اليه بينما کان عليهم ‏السلام يتغدي کذلک.. و هذه من المفارقات الجديرة بالاعتبار و الفهم...!.

[4] الطبري 337 / 3 و ابن الاثير 435 - 434 / 3.

[5] المصدر السابق 340 / 3 و ابن الاثير 436 / 3.