بازگشت

و كذلك محاولة التقليل من شأن الآخرين


و بقدر ما كان ابن زياد يحاول الرفع من شأن نفسه أمان الناس بادعاء العظمة و التظاهر بها، فقد كان يحاول التقليل من شأن أعدائه، و كان ينتهز الفرص التي يحسب نفسه متفوقا يها أو منتصرا و يحسب اعداءه مهزومين أو خائفين لمحاورتهم أملا بتحقيق غلبة أخري عليهم، غير أنه غالبا ما يهزم بتلك المعارك رغم عنجهية و قسوته و أوامره بالقتل، و قد رأينا موقفه المتشنج من هاني ء و مسلم و حواره معهما، و فشله و هزيمته، و ربما أراد أن يعوض عن ذلك بحوار آخر مع آل الحسين عليه السلام عسي أن يحقق نصرا هذه المرة.

(.. فلما دخل برأس الحسين و صبيانه و اخوانه علي عبيدالله بن زياد، لبست زينب ابنة فاطمة ارذل ثيابها و تنكرت، و حفت بها اماؤها، فلما دخلت جلست. فقال عبيدالله بن زياد: من هذه الجارية؟ فلم تكلمه، فقال ذلك ثلاثا كل ذلك لا تكلمه، فقال بعض امائها: هذه زينب ابنة فاطمة.

فقال لها عبيدالله: الحمدلله الذي فضحكم، و قتلكم، و أكذب أحدوثتكم!.

فقالت: الحمدلله الذي أكرما بمحمد صلي الله عليه وآله وسلم و طهرنا تطهيرا، لا كما تقول أنت، انما يفتضح الفاسق، و يكذب الفاجر.

قال: فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتك؟.

قالت: كتب عليهم القتل، فبرزوا الي مضاجعهم، و سيجمع الله بينك و بينهم، فتحاجون اليه، و تخاصمون عنده. [1] .


فغضب ابن زياد و استشاط.

فقال له عمرو بن حريث: أصلح الله الأمير! انما هي امرأة، و هل تؤاخذ المرأة بشي ء من منطقها!

انها لا تؤاخذ بقول: و لا تلام علي خطل!

فقال لها ابن زياد: قد أشفي الله نفس من طاغيتك، و العصاة المردة من أهل بيتك، فبكت، ثم قالت: لعمري، لقد قتلت كهلي، و أبرت أهلي، و قطعت فرعي، و اجتثثت أصلي، فان يشفك هذا، فقد اشتفيت.

فقال لها عبيدالله: هذه الشجاعة، قد لعمري كان أبوك شاعرا شجاعا [2] .

قالت: ما للمرأة و الشجاعة! ان لي عن الشجاعة لشغلا، و لكن نفثي ما أقول) [3] .

و كما هزم أمام هاني ء و مسلم هزم أمام زينب هنا، و هزم أمام زين العابدين أيضا، لجأ معهما الي ما لجأ اليه من قبل باللجوء الي الشدة و التهديد بالقتل، و ربما لم يكن ير مانعا من قتل زينب كما فعل ببعض النساء الخارجيات و فعل أبوه من قبل أيضا.

و ربما أراد تدارك فشله أمام زينب حينما راح يصفها بأنها (شجاعة) أو (سجاعة) - كما ورد في بعض الروايات - و انها (شاعرة)، كأبيها أميرالمؤمنين عليه السلام، و كأن أميرالمؤمنين كان مشهورا بالشعر أو السجع أو الشجاعة و مقاتلة الاقران فقط و كأن مواهبه كانت محدودة بما وصفه به ابن زياد!!.

كان يحسب أنه سيجد امامه امرأة خائفة مرعوبة تستعطفه و ترجو الابقاء علي حياتها بعد أن شهدت بطشه و حمام الدم الذي لآلها و رجالها، لكنه وجد أمامه امرأة صاحبة قضية كبيرة، هي قضية أخيها الحسين عليه السلام نفسها.

فهي لم تترك بيتها و تدفع ولديها بين يدي الحسين عليه السلام دون هدف معين،


و لعلها كانت تري الجوانب التي كان يراها أخوها من القضية، و كانت بمسيرتها الملحمية معه طوال الاشهر الماضية تعد نفسها لأخذ دور كبير لاعلان الثورة و استمرارها و ديمومتها - كما سنري بعون الله - عند التعرض لشخصيتها و دورها في المعركة.


پاورقي

[1] و روي في اللهوف ص 90 أنها قالت له أيضا... فانظر لمن الفلج يومئذ ثکلتک أمک يابن مرجانة... و روي المبرد في الکامل 145 / 3 أنه قال لها: ان تکوني بلغت من الحجة حاجتک، فقد کان أبوک خطيبا شاعرا! فقالت: ما للنساء.

[2] و روي أنه قال لها: هذا سجاعة. و لعمري قد کان أبوها شاعرا سجاعا فقالت زينب: يا ابن ‏زياد و ما للمرأة و للسجاعة. و ان لي عن السجاعة لشغلا، و لکن صدري نفث بما قلت. البحار 116 - 45 و الارشاد 259 و اللهوف ص 67.

[3] الطبري 337 / 3 و ابن الأثير 435 / 3.