بازگشت

عندما يملك العبد: اقتلوا الشيخ المحتج


و لعل ابن زياد لو كان صاحب قضية حقيقية لا كتفي بما حققه في جريمته الطف و لما حاول المضي في جريمة الي الحد الذي يمضي فيه الي ضرب رأس الحسين عليه السلام بعصاه أمام الناس كأنه يأسف علي عدم قيامه شخصيا بقطعه.

فقد روي حميد ابن مسلم - و هو أحد جنود ابن سعد - سرحهم الي أهله (ليبشرهم بفتح الله عليه و بعافيته)، و قد دخل ضمن الوفد الذي أرسله ابن سعد لابن زياد، قال حميد: (.. فاذا رأس الحسين موضوع بين يديه، و اذا هو ينكت بقضيب بين ثنيتيه ساعة [1] ، فلما رآه زيد بن أرقم لاينجم عن نكته بالقضيب، قال له: أعل بهذا القضيب عن هاتين الثنيتين، فو الذي لا اله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم علي هاتين الشفتين يقبلهما، ثم انفضخ الشيخ يبكي؛

فقال له ابن زياد: أبكي الله عينيك، فو الله لو لا أنك شيخ قد خزفت و ذهب عقلك لضربت عنقك؛ قال: فنهض فخرج.

فلما خرج سمعت الناس يقولون: و الله لقد قال زيد بن أرقم قولا لو سمعه ابن زياد لقتله، قال: فقلت: ما قال؟

قالوا: مر بنا و هو يقول: ملك عبد عبدا فاتخذهم تلدا؛ أنتم يا معشر العرب


العبيد بعد اليوم، قتلتم ابن فاطمة و أمرتم ابن مرجانه، فهو يقتل خياركم و يستعبد شراركم، فرضيتم بالذل، فبعدا لمن رضي بالذل) [2] .

كان احتجاج الصحابي الشيخ علي ابن زياد و أهل الكوفة بالغا، و قد حدث ما توقعه و توقعه الحسين عليه السلام من قبله و من قبلهما رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم و أميرالمؤمنين عليه السلام فالاستكانة للظلم و الانحراف و السكوت عنهما، سيجعلان الظالم يتمادي الي أبعد حد، ولن تكون لأحد في نظره قيمة اذا ما أقدم علي قتل من يتفوق عليهم جميعا نسبا و مكانة و علما.

و كان احتجاج أحد أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام لا يقل قوة عن احتجاج الصحابي الأول، لفظه بوجه ابن زياد عندما صعد هذا الأخير المنبر و القي كلمة مدح فيها يزيد و سب الحسين و أميرالمؤمنين عليه السلام، فقد (وثب اليه عبدالله بن عفيف الأزدي - ثم الغامدي - ثم أحد بني والبة - و كان من شيعة علي عليه السلام و كانت عينه اليسري ذهبت يوم الجمل مع علي، فلما كان يوم صفين ضرب علي رأسه ضربة و أخري علي حاجبه، فذهبت عينه الأخري، فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلي فيه الي الليل ثم ينصرف.

فلما سمع مقالة ابن زياد، قال: يابن مرجانة، ان الكذاب بن الكذاب أنت، و أبوك، و الذي ولاك و أبوه؛ يابن مرجانة أتقتلون أبناء النبيين، و تتكلمون بكلام الصديقين! فقال ابن زياد: علي به، فوثبت عليه الجلاوزة فأخذوه، فنادي بشعار الازد: يا مبرور، و حاضر الكوفة يومئذ من الأزد سبعمائة مقاتل. فوثب اليه فيتة من الازد فانتزعوه فأتو به أهله، فأرسل اليه من أتاه به، فقتله و أمر بصلبه [3] رغم قومه الذين كانوا يحيطون به، و الذين قدموا خدمات كبيرة لابن زياد حينما شاركوا جيشه بقتل الامام و أهله عليهم السلام.

فلم يعد ابن زياد يري أمامه أحدا، فالكل قد خضعوا له و استسلموا، و لم يعد أحد يجد أن له قبيلة يمكن أن تمنعه البطش و الظلم. كانت قوة القبيلة تقاس بمدي و لنها للحاكم و قربها منه و استسلامها له.


أمام الحسين عليه السلام الذي بدا وحيدا الا من القلة من أصحابه، بدت القبائل قوية و ذات شوكة، و أمام ابن زياد الذي بدا و كأن الجميع يحيطون به، تصاغرت أكبر القبائل و تضاءلت حتي لم تعد تري نفسها شيئا أمامه، و كان ابن زياد يدرك ذلك منذ أن رأي انحياز أشرافها و رؤسائها الي جانب دولة الظلم الاموية دون تحفظ أو حدود، و منذ أن رأي الذلة و الصغار في جباه أولئك الاشراف و الرؤساء الذين لم يكن يهمهم سوي رضاه عنهم و ابتسامته في وجوههم. و لم يكن ابن زياد يجازف عندما عامل أكبر قبيلة من القبائل تلك المعاملة السيئة التي اشتهر بها.


پاورقي

[1] (و يقول: ان أبا عبدالله قد کان شمط) الطبري 300 / 3.

[2] الطبري 336 / 3 و ابن الأثير 434 / 3 و راجع الصواعق المحرقة 118 و ابن کثير 190 / 8 و مجمع الزوائد 195 / 9 و تاريخ ابن عساکر 340 - 4.

[3] المصدر السابق 338 / 3 و ابن الاثير 346 / 3 (و أول رأس رفع علي خشبة رأس الحسين رضي الله عنه و صلي الله علي روحه) الطبري 301 / 3 و ابن الأثير 436 / 3.