بازگشت

اعلان المنتصرين


و حسب ابن زياد أنه كان يري المشهد الختامي من معركته مع الحسين عليه السلام، عند ما نفذت أوامره و قطعت رؤوس الحسين و أصحابه عليهم السلام و طيف بها في شوارع الكوفة و أزقتها، و وضع رأس الحسين عليه السلام بعد ذلك بين يديه، فكانت فرحته غامرة (بانتصاره) التام!!

فهذه الرؤوس بين يديه، أما الاجساد فقد تركت في كربلاء بعد أن داستها الخيول و شوهت معالمها، و هل نصر ابلغ من هذا النصر، و قد حقق ما أمرهم به سيده بكفاءة عالية و بفترة قياسية قصيرة.

و لم يبق عليه لكي يكمل مراسيمه الاحتفالية الا أن يتوج ذلك باستعراض عائلة عدوه أمام حشد من أشراف الكوفة، يتشدق أمامها بانتصاراته و عدالة قضيته سيده يزيد، و قد حسب أنه متي ما تكلم و أشاد بنفسه و بدولة الظلم التي يتزعما يزيد دون أن يجرؤ أحد - حسب ظنه - بمقاطعته، فانه سيسجل نصرا آخر أمام أهل الكوفة، و سيخرس الألسنة الي الأبد بعد أن هزم (المغلوبين) في المعركة التي حشد لها كل قادر علي حمل السلاح من أهل الكوفة.

كان ابن زياد مهزوما في داخله و ان حاول أن يقنع نفسه بأنه كان منتصرا، و كان أي اعلان من الحسين عليه السلام في ساحة المعركة و قبلها عن نفسه و قضية يشكل طعنه مباشرة لابن زياد نفسه، فعند ما كان يذكرهم بأصله و من هو و بقضيته كان يضع أمامهم الطلقاء و أبناءهم، و أبناء البغي و الزنا (و قضيتهم) التي تبنوها عندما تبنوا حرب الاسلام.

و كان رفض الحسين عليه السلام القاطع الاستجابة لابن زياد و وضع يده في يده لكي يأخذ مغلوبا مقهورا ليزيد يثير فيه كوامن الحقد و الكراهية حتي ليحسب أنه كان المستهدف الأول في تلك الثورة، و قد صرح الحسين عليه السلام بذلك عدة مرات في مواقف ما كان ليصمد فيها غيره و غير أصحابه:

(لا و الله لا أعطيكم بيد اعطاء الذليل، و لا أقر اقرار العبيد) [1] .


(أفتشكون أني ابن بنت نبيكم، فو الله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري منكم و لا من غيركم، انا ابن بنت نبيكم خاصة) [2] .

(اللهم اني أحمدك علي أن أكرمتنا بالنبوة، و علمتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، و جعلت لنا أسماعا و أبصارا و أفئدة، و لم تجعلنا من المشركين) [3] .

كان النسب العالي و القضية العادة يقفان بمواجهة النسب المشبوه و القضية الخاسرة كما كانت صيحات أصحاب الحسين أمثال زهير بن القين تشكل ادانة شخصية و تشخيصا دقيقا للحالة الشاذة التي أفرزت تولية ابن زياد و جعلت الدولة ترصده دون غيره لمواجهة الامام الحسين عليه السلام.

و كان مما قاله زهير لجيش الكوفة (ان الله ابتلانا و اياكم بذرية نبيه محمد صلي الله عليه وآله وسلم لينظر ما نحن و أنتم عاملون، انا ندعوكم الي نصرهم و خذلان الطاغية يزيد و عبيدالله بن زياد، فانكم لا تدركون منهما الا سوء سلطانهما كله، ليسملان أعينكم، و يقطعان أيديكم و أرجلكم، و يمثلان بكم، و يرفعانكم علي جذوع النخل، و يقتلان أماثلكم و قراءكم، أمثال حجر بن عدي و أصحابه، و هاني ء بن عروة و أشباهه) [4] .

و لم يكن ابن زياد ممن يغفل عن متابعة تفصيلات ما يجري في الساحة عن طريق عيونه و جواسيسه، و لم يكن ممن يتسامح لامثال هذا التعرض لشخصه و شخص والده، و لابد ان حقده يزداد علي أولئك الذين يرفضونه رغم وقوعهم بيديه، و هو ما لم يستطع فهمه و هضمه.


پاورقي

[1] الطبري 315 -319 / 3.

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] الطبري 319 / 3.