بازگشت

النفير العام المواجهة الحسين...


فتح خزانة المال و السلاح قد أقيمت أكبر حملة استنفار أتيح للكوفة أن تشهدها في تاريخها منذ أن أصبحت حامية للجند بعد معركة القادسية، و لعل حجم الحملة و عدد المشاركين فيها يوحي أن الدولة (الاسلامية) كانت تستعد لمواجهة احدي الامبراطوريات الكبري، غير أنه متي ما علم أن الغرض منها كان مواجهة الأفراد المعدودين الذين كانوا بصحبة الحسين عليه السلام، أدركنا مدي فزع الدولة من خروجه العلني لمواجهتها، و مدي الكراهية التي يكنها و رموز و أقطاب هذه الدولة للرسول الكريم صلي الله عليه وآله وسلم، تجلت بعد ذلك في فلتات ألسنهم صريحة واضحة تعلن عداءها للاسلام و كفرها به.

جمع ابن زياد الناس في المسجد، و أشاد بالدولة الأموية، و منجزاتها و وعد الناس بمزيد من الاعطيات اذا ما لبوا نداءه، و كانت تبدو في الخطاب لهجة من يحاول اقناع الناس باتخاذ الموقف المناسب و ان الأمر موكول اليهم، و لم يبد فيه ما يدل علي عزمه أخذ الناس قسرا و تسييرهم لمحاربة الامام عليه السلام، و هو أسلوب ماكر يلجأ اليه الطغاة عادة ليقنعوا أنفسهم بأن الناس ينحازون اليهم طواعية و برغبة صادقة لأنهم أهل لذلك، متناسين أنهم قد استدرجوا الناس للخضوع لهم بمختلف الوسائل


و الأساليب التي لجأوا اليها في السابق، و كان عدم الاستجابة لهم يعني لجوء الدولة الي موجة جديدة من العنف و حمامات الدم ضدهم.

قال ابن زياد في خطابه: (أيها الناس، انكم قد بلوتم آل أبي سفيان، فوجدتموهم كما تحبون، و هذا أميرالمؤمنين يزيد، قد عرفتموه حسن السيرة، محمود الطريقة، ميمون النقيبة، محسنا الي الرعية، يعطي العطاء في حقه، و قد أمنت السبل علي عهده، و أطفئت الفتن بجهده، و كذلك كان أبوه معاوية في عصره، و هذا ابنه يزيد من بعده يكرم العباد، و يغنيهم بالأموال و يزيدهم بالكرامة، و قد زادكم في ارزاقكم مائة مائة، و أمرني أن أوفدها عليكم، و أمركم أن تخرجوا الي حرب عدوه الحسين بن علي، فاسمعوا له و أطيعوا) [1] .

و اتبع خطابه هذا بسلسلة من الاجراءات السريعة كان في مقدمتها توفير العطاء للناس، و اعلانه النفير العام للالتحاق بجيش ابن سعد الذي كان معدا في السابق للذهاب الي الري، كما أنه قد خرج بنفسه الي (النخيل) - موقع بين الكوفة و كربلاء - و عسكر فيها، و استخلف علي الكوفة أحد أعوانه عمرو بن حريث، و أصدر بيانا شديدا دعا فيه كل قادر علي حمل السلاح للالتحاق بمعسكره في النخيلة لتسريحه الي ابن سعد، و أمر أن يقرأ بيانه في كل أرجاء الكوفة و أحيائها و سككها، و قد ورد في بيانه: (لا يبقي رجل من العرفاء و المناكب و التجار و السكان الا خرج فعسكر معي. و ايما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن المعسكر، الا برئت الذمة منه).

ثم أن ابن زياد أمر القعقاع بن سويد بن عبدالرحمن المنقري بالتطواف في الكوفة في خيل، فوجد رجلا من همدان قد قدم يطلب ميراثا له بالكوفة، فأتي به ابن زياد فقتله، فلم يبق بالكوفة محتلم الاخرج الي المعسكر بالنخيلة) [2] .

و لنا أن نتصور الجو الذي صدر فيه هذا البيان و الحملة التي جرت لتطبيقه، فابن زياد كان يعيش حالة احتفالية سببها تغلبه علي مسلم و هاني ء و قتلهما، ثم قيامه بسجن اعداد كبيرة من المعارضين أو ممن كان يحتمل قيامهم ضده، و في جو الارهاب ذلك الذي كان الجميع يدركون فيه أنه ما كان ليتورع الي اللجوء الي أشد الاساليب دموية و عنفا، و بعد ان سلط منفذيه و عرفاءه و شرطته و أشرافه و شيوخ القبائل الذين كانوا


يدينون بالولاء له، و عيونه و شرطته السرية الذين بثهم بين الناس، و بعد أن لوح بدراهمه، و خرج بنفسه لاستعراض الجيش الذاهب (للمعركة).

لنا بعد كل هذا أن نتصور (النجاح) الذي حققه ابن زياد في استنفار كل قادر علي حمل السلاح في الكوفة للذهاب الي كربلاء، و لم يكتف بالاعداد التي كانت مع ابن سعد، لأنه ربما احتمل تغير مواقف بعض الناس و انحيازهم للحسين عليه السلام و ذلك ما يرجح المعركة ضده في النهاية، و قد أراد الكوفة أن تنتقل كلها الي كربلاء يقودها أعوانه و رجاله الذين لم يكن يشك في ولائهم و وقوفهم الي جانبه.

(خرج شمر بن الجوشن السلولي في أربعة آلاف و الحصين بن نمير السكوني في أربعة آلاف، و مضاير بن رهينة في ثلاثة آلاف و كعب بن طلحة في ثلاثة آلاف و يزيد بن الركاب في الفين و نصر بن حرشه في الفين و حجار بن أبجر العجلي في ألف و شبث بن ربعي في الف) [3] فأصبح عدهم مع جيش ابن سعد و الحر خمسة و عشرين ألفا. و استمر بارسال من يلتحق به في النخيلة الي ابن سعد في كربلاء. و قد وردت روايات عديدة عن العدد النهائي للجيش. و تراوح العدد المذكور فيها بين ثلاثين ألفا و مائة ألف. [4] .


و بعد أن وثق ابن زياد من اجراءاته و استحكاماته و انحياز قادته و ثبات الموقف الي جانبه، أرسل الي ابن سعد يحثه علي منازلة الامام و منعه الماء. و تنفيذا لامر ابن زياد (بعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج علي خمسمائة فارس، فنزلوا علي الشريعة، و حالوا بين الحسين و أصحابه و بين الماء أن يسقوا منه قطرة، و ذلك قبل قتل الحسين بثلاث) [5] و ذلك رغم محاولات بعض أصحاب الحسين عليه السلام لثنيه عن ذلك.

و كانت تلك خطة لئيمة أريد بها اجبار الحسين عليه السلام علي الاستسلام، اذ كيف يتسني لمن كان في ركبه من النساء و الاطفال الاستغناء عن الماء في ذلك الجو الحار... ناهيك عن الآخرين من أصحابه.

و قد روي أن الحسين عليه السلام حفر بئرا فشرب منه هو و أهل بيته و أصحابه بأجمعهم، و ملأو أسقيتهم، ثم غارت العين فلم ير لها أثر.

و كان يبدو من سياق الحوادث أن هناك من كان يتابع الأخبار و ما يجري في كربلاء و يتصل بابن زياد اتصالا مباشرا لينقلها اليه، و يبدو أن خبر ذلك وصل اليه، و قد استنفره الي حد بعيد فكتب الي ابن سعد رسالة شديدة اللهجة أيضا:

(بلغني أن الحسين يحفر الآبار و يصيب الماء، فيشرب هو و أصحابه، فانظر اذا و رد عليك كتابي هذا فامنعهم من حفر الآبار ما استطعت و ضيق عليهم و لا تدعهم أن يذوقوا من الماء قطرة، و افعل بهم كما فعلوا بالزكي عثمان) [6] .

و هذه ثاني اشارة الي عثمان، و هي اشارة خبثة موحية، لا علاقة لها بالمسألة كلها؛ غير أن الاعلام الأموي عرض قضية منذ البداية علي أساس المطالبة بدم عثمان و رفع قميصه أمام أهل الشام، و صور الأمر و كأن أميرالمؤمنين و أولاده هم


المحرضون الرئيسيون علي قتله متناسين ما أشاعوه و ما روي عن قيام الحسنين عليه السلام، بحراسة باب عثمان خوفا عليه من هجمات الثوار، و متناسين القاتل الحقيقي لعثمان و الذي كان هو معاوية نفسه.

و كانت لذلك سابقة أخري عندما حاول معاوية منع أميرالمؤمنين عليه السلام و جنده الماء في صفين بنفس الحجة [7] ، اذ لابد لهم من قضية بمواجهة القضية التي رفعها أميرالمؤمنين عليه السلام و من بعده الامام الحسين عليه السلام.

و لم يسع ابن سعد أيضا الا الاستجابة الذليلة لسيده، ففعل ما أمره به.


پاورقي

[1] الأخبار الطوال للدينوري 253 و مقتل الخوارزمي 1 - ف 11.

[2] انساب الاشراف - البلاذري 178 - 3.

[3] مناقب ابن شهر آشوب 98 - 4 و مقتل الخوارزمي 1 - ف 11 و أنساب الاشراف للبلاذري 178 - 3 و قيل أن شبث تمارض و حاول التنصل من مهمة الخروج الا أن زياد هدده و أمره أن يخرج بألف فارس من أصحابه. ففعل.

[4] فقد ورد في مناقب ابن شهر آشوب أنهم کانوا خمسة و ثلاثين الفا. و في شرح شافية أبي فراس خمسين ألفا، و في سفينة النجاة للعيناتي سبعين الفا و في تحفة الأزهار لابن شد قم ثمانين الفا و في هامش تذکرة الخواص مائة ألف أو أکثر... و من المرجح ان عدد الفرسان الذين ذهبوا بقيادة شمر و الحصين و مضاير و کعب و يزيد و نصر و حجار و شبث مضافا الي جيش ابن ‏زياد و من التحق به بعد ذلک بلغ ثلاثين ألفا استنفروا بسرعة لمحاصرة الامام... 5 و قد تکون اعداد الرجالة و أصحاب الامدادات و أصحاب الحرف و مساعدي الفرسان و الخدم و بائعي السلاح و السياس و غيرهم قد صعدت بالعدد النهائي الي أکثر من مائة الف... و قد ورد عن الامام زين‏العابدين 5 و هو أوثق شاهد علي هذه الحرب المجزرة قوله: (لا يوم کيوم الحسين، ازدلف اليه ثلاثون الف رجل يزعمون انهم من هذه الامة کل يتقرب الي الله بدمه و هو بالله يذکرهم فلا يتعظون حتي قتلوه و ظلما و عدوانا) و وردت رواية أخري عن الامام الصادق 5 أن الحسن خاطب أخاه الحسين 5 قائلا: (.. لا يوم کيومک يا أبا عبدالله، يزدلف اليک ثلاثون ألف رجل، يدعون أنهم من أمة جدک محمد صلي الله عليه وآله وسلم و ينتحلون دين الاسلام، فيجتمعون علي قتلک و سفک دمک و انتهاک حرمتک و سبي ذراريک و نسائک و انتهاب ثقلک) أمالي الصدوق م 70.

[5] الطبري 311 / 3 عبر الامتناع عن نصرته ومناقب شهر آشوب 79 - 4 و ارشاد المفيد - 211 و انساب الاشراف 180 - 3 و نهاية الارب 428 - 20.

[6] مقتل الخوارزمي 1 - ف 11 و مقتل العوالم للبحراني 78 و البحار 388 - 44 و الايقاد للعظيمي ص 58.

[7] فقد روي الطبري ان الوليد بن عقبة قال لمعاوية يحثه عليه الاستمرار بمنع أصحاب أميرالمؤمنين عليه‏ السلام الماء (امنعهم الماء کما منعوه عثمان بن عفان... حصروه أربعين صباحا يمنعونه برد الماء، و لين الطعام، اقتلهم عطشا. قتلهم اله عطشا) الطبري 86 / 3 و قد رأينا في هذه الدراسة من کان القاتل الحقيقي لعثمان.