بازگشت

مأدبة الدم


كان استشهاد مسلم و هاني ء ملحمة من ملاحم الاسلام، حملت قضيته العادلة الي الجميع، و بقي أن يدرك الجميع دورهم بمواجهة الظلم و الانحراف في كل زمان.

لقد تباشر الطغاة بقتلهما و تبادلوا رسائل التهنئة و أقاموا حفلات الفرح ابتهاجا بذلك ف (عبيدالله بن زياد لما قتل مسلما و هانئا بعث برؤوسهما الي يزيد و كتب اليه: أما بعد، فالحمدلله الذي أخذ لأميرالمؤمنين بحقه، و كفاه مؤنة عدوه. أخبر أميرالمؤمنين أكرمه الله أن مسلم بن عقيل لجأ الي دار هاني ء بن عروة المرادي، و اني جعلت عليهما العيون، و دسست اليهما الرجال، و كدتهما حتي استخرجتهما، و أمكن الله منهما، فقدمتهما فضربت أعناقهما، و قد بعثت اليك برؤوسهما مع هاني ء بن ابي حية الهمداني و الزبير بن الأروح التميمي، و هما من أهل السمع و الطاعة و النصيحة، فليسألهما أميرالمؤمنين عما أحب من أمر، فان عندهما علما و صدقا و فهما و ورعا). [1] .

و أخبر العالمان الصادقان الفاهمان الورعان يزيد عما قام به ابن زياد في سبيله و أطلعاه علي رسالته التي افتخر فيها بكيده و مكره و جواسيسه.

و كان يزيد مسرور غاية السرور من (ابن عمه) - الشجاع - كما وصفه بكتاب الرد الذي ارسله اليه، و أوصاه الاستمرار بمهمته لمواجهة الحسين عليه السلام و استعمال أشد الأساليب شراسة و دموية و أن يحترس علي الظن و يأخذ علي التهمة، فالحسين عليه السلام يمثل الخطر الوحيد الذي يواجه الدولة و قد يطيح بها.

كان رده علي ابن زياد: (أما بعد، فانك لم تعد ان كنت كما أحب، عملت عمل الحازم، وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش، فقد أغنيت و كفيت، و صدقت ظني بك و رأيي فيك، و أنه قد بلغني أن الحسين بن علي قد توجه نحو العراق، فضع المناظر و المسالح، و احترس علي الظن، و خذ علي التهمة، و اكتب الي في كل ما يحدث من الخبر). [2] .

و لم ينتظر ابن زياد من سيده توصياته بهذا الشأن، فهو خبير بعمله وفق


الأسلوب الأموي و لعل والده أول رواد هذا الأسلوب، و قد أقدم علي قتل عبد الأعلي الكلبي الذي كان أخذه كثير بن شهاب و عمارة بن صلخب الأزدي بين قومه الأزد و هم ينظرون اليه، و قد سكتوا عن قتله و طأطأوا رؤوسهم كما فعلت مذحج.

و طويت صفحة من هذه الملحمة... لتفتح صفحة أخري سجلها الحسين عليه السلام بدمه و دماء أصحابه لكي تظل المعركة قائمة، بين الاسلام و خصومه، ولكي يظل انصار الاسلام علي استعداد لبذل دمائهم كما فعل الحسين و أصحابه، و الا فأي فصل من الاستسلام المريع سيشهده المسلمون و أية هاوية عميقة سينحدرون اليها، لو لم ترق تلك الدماء الزكية التي علمت الجميع أن كل شي ء يرخص و يهون في سبيل الاسلام.

ان تساؤلات عديدة حول مهمة مسلم في الكوفة تبرز أمام الدارس المتأمل، و أولها حول تخلي الأعداد الغفيرة التي بايعته للامام الحسين عليه السلام بفترة وجيزة لم تتجاوز ساعات معدودة و كأن الأمر تم بطريقة سحرية غريبة غير مفهومة.

غير أن عودتنا لدراسة مجتمع الكوفة في عهد يزيد قد يساعدنا علي حل بعض الاشكالات التي قد تلوح لنا و نحن نستعرض مهمة مسلم، و قد نجد فيها أجوبة علي العديد من تلك الاشكالات.

و سنتناول ذلك في بحث قريب في هذا الفصل بعون الله.



پاورقي

[1] الطبري 293 / 3.

[2] نفس المصدر السابق.