بازگشت

قتل هاني ء


كان تسارع الأحداث بذلك الشكل لمصلحة ابن زياد، يمثل له قمة النجاح، و قد بدا له بعد قتل مسلم أن يعمد. لاكمال مشواره العنيف في الجريمة - الي قتل هاني ء الذي احتجزه قبل يوم واحد من مقتل مسلم، و قتل بعض المعارضين ممن كانت قبائلهم تواليه و تخضع له.

و رغم أنه قدم وعدا لابن الأشعث بالابقاء علي هاني ء، بعد أن تقدم اليه هذا بطلب ذليل يرجوه فيه ذلك قائلا له: (انك قد عرفت منزلة هاني ء بن عروة في المصر، و بيته في العشيرة، و قد علم قومه أني و صاحبي سقناه اليك، فأنشدك الله لما وهبته لي، فاني اكره عداوة قومه؛ هم أعز أهل المصر، و عدد أهل اليمن). [1] .

كان ابن الأشعث خائفا علي نفسه من أعز أهل المصر، و عدد أهل اليمن، و قد وعده ابن زياد بذلك الا أنه لم يفعل، و أمر به ليضرب عنقه صبرا (و هو يصيح يا آل مراد، و هو شيخها و زعيمها، و هو يومئذ يركب في أربعة آلاف دارع و ثمانية آلاف راجل، و اذا جانبها أحلافها من كندة و غيرها كانت في ثلاثين ألف دارع فلم يجد زعيمهم منهم أحدا فشلا و خذلانا). [2] .

لقد سكت قومه أعز أهل المصر و عدد أهل اليمن و أحلافهم و كتموا غيظهم و ناموا علي ذلهم و هم يرون شيخهم و زعيمهم يقتل في سوق يباع فيه الغنم و هو مكتوف يهيب بهم (و امذحجاه و لا مذحج لي اليوم، و امذحجاه، و أين مني مذحج، فلما رأي أن أحدا لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف، ثم قال: أما من عصا أو سكين أو حجر أو عظم يدافع به رجل عن نفسه؟!

و وثبوا اليه فشدوه وثاقا، ثم قيل له: امدد عنقك، فقال: ما أنا بهذه سخي، و ما أنا بمعينكم علي نفسي، فضربه مولي لعبيدالله بن زياد بالسيف، فلم يصنع سيفه شيئا، فقال: الي الله المعاد! اللهم الي رحمتك و رضوانك! ثم ضربه أخري فقتله). [3] .


كان هاني ء ممثلا للصفوة العراقية الرافضة للظلم و الانحراف، و قد رفض قتل ابن زياد في بيته غدرا، مع أنه كان يعلم أن ابن زياد قد يقتله اذا ما تمكن منه، ان قوة المبادي ء قد تمكنت منه و لم يكن خائفا، و لم يخضع أو يستسلم الا لله ربه و لم يدن الا بالاسلام و لم يطع الا نبيه صلي الله عليه و آله و سلم و أوصياءه علي أمته من بعده.

كان قويا بهم رغم شيخوخته [4] ، فلم يهن و لم ينكل و لم يتراجع رغم ما أحاطه به الطاغية من حفاوة و رغم محاولاته استمالته لجانبه، و كان قتله في سوق الأغنام شرفا له و أي شرف، و كان جره بالحبال في الطرق مع مسلم، و صلبت جثته مع جثته، منكوسين في الكناسة [5] ، حافزا لأن يقدم غيره علي ما أقدم عليه، رغم قسوة العقوبة التي يعد بهاالظالمون،

لهم يضر مسلما و هانئا ما فعله بهما ابن زياد، و لم يقلل ذلك من قيمتهما و شأنهما و عدالة قضيتهما، و لم ترفع من قيمة الجلاد شيئا، رغم أنه أراد بذلك الارتفاع بنظر سيده و أراد التقرب منه بقسوته.

و حسب الجميع حكم التاريخ العادل بعد أن زال بريق الدولة و قوتها و سلطانها، و حسبهم ملاقاة حكم عادل آخر يسأل كل منهم فيه عن قضيته، و يقلب فيه سجل أعماله.

طويت صفحة الحياة القصيرة و ذهب مسلم و هاني ء الي ربهما، و وفد بعدهما الحسين عليه السلام و يزيد و ابن زياد و كل من شارك بالمجازر الدموية التي أعدتها دولة الظلم لخصومها، و لا ندري كيف سيكون حوار المتخاصمين يوم الجزاء، غير أننا ندرك بلا شك جزاء المجاهدين و المضحين، و ندرك جزاء المنحرفين و الظالمين، ألم يحدثنا القرآن الكريم و الرسول العظيم صلي الله عليه و آله و سلم عن ذلك؟ أم أننا لا ندرك لحد الآن من هؤلاء و من هؤلاء؟

اننا ندرك كل شي ء، فالتاريخ قد سجل كل شي ء و بقي أن نعي دورنا نحن و علي طريق أي منهم نسير.



پاورقي

[1] الطبري 292 / 3.

[2] مروج الذهب 73 / 3 و ابن‏کثير 159 / 8.

[3] الطبري 292 / 3 و راجع أنساب الأشراف ق 1 ج 155 - 1.

[4] ورد في مرآة الزمان ص 85 أن عمره عند استشهاده بلغ تسعا و تسعين سنة...

[5] عن أنساب الأشراف ق 1 ج 155 - 1، و الدر النظيم ص 160، و مقتل الخوارزمي 215 / 1، و مناقب ابن شهر اشوب 94 - 2، و المناقب و المثالب ص 172 (حياة الامام الحسين، القرشي 412 - 411 - 2).