بازگشت

رمتني بدائها و انسلت


و كأن ابن زياد رأي أن قيام مسلم بذلك يشكل تعديا شخصيا عليه، و كأنه رأي أن هذه الأمة رهينة برغباته و رغبات سيده يزيد، و أن لا حق لأحد أن يتدخل بشؤونهما و يعارض نزعاتهما و هواهما، لقد أثاره جواب مسلم و لم يملك الا أن يواجهه بالشتيمة و الافتراء (و ما أنت و ذاك يا فاسق، أولم نكن نعمل بذاك فيهم اذ أنت بالمدينة تشرب الخمر). [1] .

بهذه الفرية واجه مسلما، و لعلها أدانته أكثر مما أراد لها أن تدين خصمه و لعله لم يستطع منع بسمات السخرية التي ربما كانت قد ارتسمت علي شفاه الحاضرين عندما أطلقها، كان هو و سيده اللذان يشربان الخمر علي رؤوس الأشهاد و لا يتحرجان من ذلك.

الأمة كلها تعلم أن يزيد يشرب الخمر منذ زمن بعيد، منذ مطلع شبابه، و أنه الف اللهو و البطالة، لقد عرف كشارب للخمر مخضرم في عهد أبيه و في عهده ايضا كخليفة و أميرللمؤمنين، يتعاطاها كل يوم كما يتعاطي المسلمون الصلاة في أوقاتها.

و قد كانت نكتة طريفة حقا أن يروح ابن زياد متهما مسلم بما يفعله هو و يعرفه الناس جميعا عنه، و اذا انتشرت بعد ذلك أبيات قالها يزيد في مجلس طرب له بعد مقتل الامام الحسين عليه السلام و ذكر فيها ابن زياد معه، فان حكمة الهية شاءت أن يفتضح القاتلان بين الأمة فلا يذكر اسم أحدهما الا و تذكر الخمرة معه و يذكر اللهو و العبث و الابتذال.


تعجب مسلم - و لعل الحاضرين تعجبوا مثله - و أجاب:

(أنا أشرب الخمر! والله ان الله ليعلم أنك غير صادق، و أنك قلت بغير علم، و أني لست كما ذكرت: و ان أحق بشرب الخمر مني و أولي بها من يلغ في دماء المسلمين و لغا، فيقتل النفس التي حرم الله قتلها، و يقتل النفس بغير النفس، و يسفك الدم الحرام، و يقتل علي الغضب و العداوة و سوء الظن، و هو يلهو و يلعب كأن لم يصنع شيئا.). [2] .

لم يجب ابن زياد مسلم و لم يفند أقواله، و قد شخص مسلم حال هؤلاء القتلة بدقة كما شخص الاتجاه السائد في هذه الدولة لجمع الأعوان و قمع المعارضين بكل طريقة - حتي ولو لم يكونوا معارضين فعلا - و كان يحتمل أن يقفوا بوجه الدولة يوما ما أو أن يكونوا عقبة في طريق مشاريعها و أغراضها، و اكتفي ابن زياد باعادة شتائمه و ربما أراد أن يعيره (بفشله) في المهمة التي جاء الي الكوفة من أجلها فخذل في النهاية حتي وقع بين يديه، (ان نفسك تمنيك ما حال الله دونه و لم يرك أهله). [3] .


پاورقي

[1] المصادر السابقة، و النص عن الطبري 291 / 3، قال يزيد لساقيه بعد مقتل الامام الحسين (ع) و وفود ابن‏زياد اليه:



اسقني شربة تروي حشاشي

ثم مل فاسق ثملها ابن‏زياد



صاحب السر و الامانة عندي

و لتسديد مغنمي و جهادي



ثم أمر المغنيين فغنوا به) مروج الذهب 82 / 3.

[2] المصادر السابقة، و الطبري 291 / 3.

[3] نفس المصدر السابق.