بازگشت

ابكي لحسين و آل الحسين


كانت رسالته الي الحسين عليه السلام واضحة: أقبل، فالأمور قد مهدت، و الناس كلها معك، أما الآن فماذا يفعل بعد أن تغير الموقف تماما، و سيقدم الحسين عليه السلام الي أناس ليسوا معه، و ربما كانوا معه، و ظلت قلوبهم معه الآن، ولكنهم قد استذلوا و استسلموا و أعطوا سيوفهم لعدوهم كرها بعد أن لم يجدوا في أنفسهم القدوة علي مقاومة سلطانه و اغرائه.

و لعل أصعب موقف واجه مسلم هو الموقف الذي يستحضر فيه و يتذكر دعوته للامام الحسين عليه السلام للقدوم الي الكوفة، مع أن الظروف التي دعاه فيها كانت ملائمة لذلك.

كان الموقف الذي سيتعرض له الامام عندما سيقع بيد الجلاد أشد ايلاما لمسلم من موقفه هو و قد وقع بين يديه فعلا، و لم يكن بمستطاعه التعبير بالقول عما يمكن أن يلحقه اذا ما قدم و لعل الدموع هي رد الفعل الطبيعي للحزن العميق الذي ألم به، و هو يري امام الأمة و خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الشرعي توشك أن تنتهك حرمته، لا ليبعد عن


مركزه الطبيعي في خلافة الأمة و حسب، و انما ليقتل قتلة شنيعة بأيدي من سار لانقاذهم و انتشالهم من الجور و الانحراف.

و كعادته بالاستهانة بالجميع، و خصوصا بالأشراف الذين عرف استعدادهم للخضوع و الاستسلام و الذل اكثر من غيرهم للحفاظ علي مصالحهم و مكانتهم و الحصول علي مكاسب أكثر في ظل دولة الظلم و الانحراف، اظهر ابن زياد استهانته بابن الأشعث عندما أخبره (بما كان منه و ما كان من امانه اياه، فقال عبيدالله: ما أنت و الأمان، كأنا أرسلناك تؤمنه، انما أرسلناك لتأتينا به؛ فسكت) [1] و لم يكن بوسعه سوي أن يسكت، فهو جندي للظالم، باع نفسه و أعلن ولاءه دون قيد أو شرط، و لم يعد بوسعه تسجيل أي موقف شريف، مادامت قدمه قد زلت تلك الزلة الكبيرة منذ البداية، و لم يعد بوسعه تجميل صورته و تحسين أفعاله و اظهار نفسه بمظهر البطل، مادام ذلك الدور قد احتكره رجل واحد، هو حاكمه و سيده، الذي أراد أن تكون ارادته هي الارادة الوحيدة القوية و المتسلطة و الذي لم يرد أن تسلط الأضواء علي غيره ليشاركه مجده و سلطانه.


پاورقي

[1] الطبري 290 / 3 و راجع المصادر السابقة.