بازگشت

استدراج الثوار لاعلان ثورتهم و الاستعداد لقمعها


و مع ذلك فان الخطر لا يزال يولح لابن زياد، فمسلم لا يزال حيا لم يمس و من بايعوه لا يزالون علي بيعتهم.. و هو مصدر للخشية بدا جديرا بالاهتمام بنظره، و ما أقدم عليه لم يكن بالأمر الهين، و الثورة المحتملة قد تكون في أية لحظة، و هكذا صعد المنبر و معه أشراف الناس و شرطته و جيشه، و قال:

(أما بعد، أيها الناس، فاعتصموا بطاعة الله ثم طاعة أئمتكم، و لا تختلفوا و لا تفرقوا فتهلكوا و تذلوا و تقتلوا و تجفوا و تحرموا، ان أخاك من صدقك، و قد أعذر من أنذر.

فما نزل عن المنبر، حتي دخلت النظارة المسجد من قبل التمارين يشتدون و يقولون: قد جاء ابن عقيل، قد جاء ابن عقيل.

فدخل عبيدالله القصر مسرعا، و أغلق أبوابه) [1] .

فقد بدا أن سعيه مع ابن الحجاج لاسكات مذحج و مراد علي الخصوص لم يأت بنتائج طيبة و بدا أنه كان في غاية الاحراج في تلك اللحظات.


علي أن الأمر الذي نجح فيه ابن زياد هو أنه جعل الثورة تعلن قبل أوانها و يسفر الثائرون بقيادة مسلم عن وجوههم و قوتهم قبل استكمال مقومات نجاحهم، و هو ما أتاح له النفاذ اليهم و تفتيتهم و تفريقهم عن مسلم الذي كان قد بدأ يشعر بوجود قوة حقيقية الي جانبه مقابل قوة ابن زياد حتي أنه أرسل كتابا يستدعي الامام الحسين عليه السلام للقدوم الي الكوفة متيقنا أن كل شي ء كان يسير علي ما يرام، و كان ذلك قبل سبع و عشرين ليلة من هذه الحادثة [2] التي حاصر فيها ابن زياد بعد أن عبأ أصحابه لقتاله.

و يحدثنا شاهد عيان عن السبب الذي دعا مسلما لاعلان ثورته قبل الأوان و اقدامه علي محاصرة ابن زياد، و هذا الشاهد هو عبدالله بن خازم الذي استشهد في ثورة التوابين بعد ذلك، قال: (أنا و الله رسول ابن عقيل الي القصر لأنظر الي ما صار أمر هاني ء، فلما ضرب و حبس ركبت فرسي و كنت أول أهل الدار دخل علي مسلم بن عقيل بالخبر، و اذا نسوة لمراد مجتمعات ينادين: يا عثرتاه، يا ثكلاه... فدخلت علي مسلم بن عقيل بالخبر، فأمرني أن أنادي في أصحابه و قد ملأ منهم الدور حوله، و قد بايعه ثمانية عشر ألفا، و في الدور أربعة آلاف رجل، فقال لي: ناد: يا منصور أمت؛ فناديت: يا منصور أمت؛ و تنادي أهل الكوفة فاجتمعوا اليه، فعقد مسلم لعبيدالله بن عمرو بن عزيز الكندي علي ربع كنده و ربيعه، و قال: سر أمامي في الخيل، ثم عقد لمسلم بن عوسجة الأسدي علي ربع مذحج و أسد، و قال: انزل في الرجال فأنت عليهم، و عقد لأبي ثمامة الصائدي علي ربع تميم و همدان، و عقد لعباس بن جعده الجدلي علي ربع المدينة، ثم أقبل نحو القصر، فلما بلغ ابن زياد اقباله تحرز في القصر و غلق الأبواب). [3] .

و يبدو أن عمل مسلم لم يكن مجرد رد فعل علي احتجاز هاني ء من قبل ابن زياد، و أنه كان يبدو مستعدا لبعض المواقف الطارئة، و أنه كان ينظم قواته و يعين قادته، و حتي شعار البدء بالمعركة - يا منصور أمت - و هو شعار المسلمين في بدر، كان يبدو معدا، و قد سار لقتال ابن زياد و حصاره في فترة قياسية قصيرة بعد أن أعد قواته لذلك.



پاورقي

[1] المصادر السابقة مع بعض التفاوت في النصوص، و النص الحالي لطبري 286 / 3.

[2] الطبري 301 / 3.

[3] المصادر السابقة، و النص منقول عن الطبري 287 - 286 / 3.