بازگشت

استدراج هاني ء للقصر


و يبدو أن ابن زياد استطاع معرفة تحركات مسلم و رؤوس أصحابه من خلال


مولاه معقل الذي كان يوافقه بأخبارهم و أسرارهم و أماكن تجمعاتهم و حجم قوتهم، و هو ما أتاح له مرونة التحرك و تحديد الخطوات القادمة.

علي أن أهم ما استفاده ابن زياد هو وجود شاهد عاش بين الثوار و رصد تحركاتهم و استطاع بالتالي أن يواجههم أمامه كما فعل مع هاني ء، و لو أن معقل لم ينجح في مهمته لما استطاع ابن زياد - علي الأغلب - أن يكشفهم و ينجح في مهمته أمام يزيد.

و علي أي حال فان الموقف أصبح واضحا الآن لابن زياد.

هاني ء، الذي يعيش بين قومه و أهله، يستضيف مسلم ويتبني دعوته، و اجتماعهما سوية يشكل قوة كبيرة قد لا يستطيع مواجهتها.

و ما عليه الا أن يستدرج هاني ء الي القصر و يحتجزه أو يقتله علي ضوء ما يستجد من أحداث، بالتعاون مع وجوه معروفة من الكوفة، و حينذاك سيظل مسلم دون هاني ء ضعيفا و ستكون هناك ثغرات عديدة يمكن النفاذ منها لضرب حركته.

و هذا ما فعله ابن زياد بالضبط مع هاني ء الذي قيل أنه كان يتردد عليه ثم انقطع عن زيارته، و كان ذلك بداية لاحكام خطته ضد الثوار.

و قد (دعا محمد بن الأشعث و أسماء بن خارجه و بعث معهما عمرو بن الحجاج، و كانت أخته تحت هاني ء بن عروة، فقال لهم: ما يمنع هاني ء بن عروة من اتياننا؟ و هو يجلس علي باب داره، فألقوه، فمروه ألا يدع ما عليه في ذلك من الحق، فاني لا أحب أن يفسد عندي مثله من أشراف العرب.

فأتوه، فقالوا له: ما يمنعك من لقاء الأمير، و يبلغه أنك تجلس كل عشية علي باب دارك، و قد استبطأك، و الابطاء و الجفاء لا يحتمله السلطان أقسمنا عليك لما ركبت معنا! فدعا بثيابه فلبسها، ثم دعا ببغلة فركبها، حتي اذا دنا من القصر؛ كأن نفسه أحست ببعض الذي كان، فقال لحسان بن أسماء بن خارجه: يا ابن أخي، اني والله لهذا الرجل لخائف، فما تري؟ قال: اي عم، والله ما أتخوف عليك شيئا، و لم تجعل علي نفسك سبيلا و أنت بري ء؟

و زعموا أن اسماء لم يعلم في أي شي ء بعث اليه عبيدالله؛

فأما محمد [بن الأشعث] فقد علم به...


فدخل القوم علي ابن زياد، و دخل معهم). [1] .

و هنا انتهي الفصل الأول من هذه المؤامرة، و نجح ابن زياد في استدراج هاني ء الي القصر، و استخدم لغرضه بعض الأشراف، و أحدهم يمت اليه بصلة قربي وثيقة، و كان رغم ذلك يعلم بخطة ابن زياد، و لم يأنف مع ذلك من استدراج قريبه اليه، و ربما نفس عليه مركزه في قومه، و ربما كان أحدهم، اسماء بن خارجة مطية لغرض ابن زياد، الا أنه ساهم باستدراج هاني ء اليه.

و كان أحد نماذج (الأشراف) محمد بن الأشعث، قد ابدي ولاءه المطلق لابن زياد و لم يجرؤ علي تحذير هاني ء منه، و ربما كان متواطئا، و هو متواطي ء بالفعل كما دلت عليه أحواله في كل فصول المؤامرة، ارضاء لسيده و استجلابا لعطفه و خوفا من غضبه.

ان نموذج السيد الشريف، اذا ما استعرض هؤلاء، تجعل الدارس يستبعد اول ما يستبعد كلمة الشرف و مفهوم الشرف و كل شي ء يمت الي الشرف، فقد تخلي هؤلاء عنه، و لم يعد لهم منه الا الاسم، و الا فمن هو السيد الشريف في قومه عند العرب، في جاهليتهم و اسلامهم؟


پاورقي

[1] الطبري 285 - 284 / 3، و ابن‏الأثير 391 / 3.