بازگشت

التجسس في مواجهة خطط مسلم


و لم يكن من المتوقع أن يسكت ابن زياد عما أريد له في منزل هاني ء، غير أنه لم يكن متيقنا أن المنزل كان مركزا لتجمع الثوار و رافضي الدولة الأموية.

و اذا ما أخذت بيعة أكثر من ثمانية عشر الف منهم في هذا المنزل، و مع ذلك فان هذا الأمر خفي علي أعوان الدولة و عيونها أدركنا الي أي حد كانت خطة مسلم محكمة و محاطة بجو من السرية و الكتمان و ناجحة.

و كان لابد من تحرك سريع من النوع الذي ألفه الأمويون، فلابد من اكتشاف مقر مسلم، و ابن زياد لم يقدم الكوفة الا لهذا الغرض.

ان أسلوب التجسس كان هو الذي يمكن أن ينجح لكشف تحركات مسلم و مقره و حجم قوته، فهو أسلوب يخفي نوايا أصحابه و تحركاتهم، و ينفذ بالمقابل الي عمق العدو و الزوايا التي يكمن فيها، و قد وجدت الدولة الأموية في غمرة سعيها المحموم للبقاء ضرورة استخدام ذلك الأسلوب دائما، كما وجدت من يتطوع أو يبيع لها نفسه للقيام بمهمة التجسس علي القوي المناوئة لها.

و لم يفت ابن زياد اللجوء الي هذه الطريقة التقليدية التي تلجأ اليها الدول عادة لرصد تحركات أعدائها و مناوئيها، و يبدو أنه كان يعلم عن أحد أعوانه مهارة في فن التجسس و هو مولي له يقال له معقل، و اتفق معه علي خطة يصل بها الي مسلم. و قد أصدر اليه توجيهاته قائلا:

(خذ ثلاثة آلاف درهم، ثم اطلب مسلم بن عقيل، و اطلب لنا أصحابه، ثم اعطهم هذه الثلاثة آلاف، ثم قل لهم: استعينوا بها علي حرب عدوكم، و أعلمهم أنك منهم، فانك لو قد اعطيتهم اياها اطمأنوا و وثقوا بك، و لم يكتموك شيئا من


اخبارهم، ثم اغد عليهم ورح) [1] و هي توجيهات مفصلة من رجل دولة متمرس جعل همه طلب أعدائه و النيل منهم، و لا يهمه بأية وسيلة يصل الي ذلك.

و قد كان جاسوسه بمستوي المهمة التي عهد بها اليه، و لم تكن تنقصه مهارة الابداع فيما كلفه به سيده، ففعل كل ما أمره به (فجاء حتي أتي الي مسلم بن عوسجة الأسدي، في المسجد الأعظم و هو يصلي، و سمع الناس يقولون: ان هذا يبايع للحسين، فجاء فجلس حتي فرغ من صلاته ثم قال: يا عبدالله، اني امرؤ من أهل الشام، مولي لذي الكلاع، أنعم الله علي بحب أهل هذا البيت و حب من أحبهم، فهذه ثلاثة آلاف درهم، أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و كنت أريد لقاءه فلم أجد أحدا يدلني عليه و لا يعرف مكانه، فاني لجالس آنفا في المسجد، اني سمعت نفرا من المسلمين يقولون: هذا رجل له علم بأهل هذا البيت؛ و اني أتيتك لتقبض هذا المال و تدخلني علي صاحبك فأبايعه، و ان شئت أخذت بيعتي له قبل لقائه.

فقال: أحمد الله علي لقائك اياي، فقد سرني ذلك لتنال ما تحب، و لينصر الله بك أهل بيت نبيه صلي الله عليه و آله و سلم، و لقد ساءني معرفتك اياي بهذا الأمر من قبل أن ينمي مخافة هذا الطاغية و سطوته، فأخذ بيعته قبل أن يبرح، و أخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحن و ليكتمن، فأعطاه من ذلك ما رضي به، ثم قال له: اختلف الي أياما في منزلي، فأنا طالب لك الاذن علي صاحبك، فأخذ يختلف مع الناس، فأقبل به حتي أدخله عليه بعد موت شريك بن الأعور، فأخبره خبره كله، فأخذ ابن عقيل بيعته، و أمر أبوثمامة الصائدي، فقبض ماله الذي جاء به، و أقبل ذلك الرجل يختلف اليهم، فهو أول داخل و آخر خارج، يسمع أخبارهم، و يعلم أسرارهم، ثم ينطلق بها حتي يقرها في أذن ابن زياد). [2] .


پاورقي

[1] الطبري 283 / 3، و ابن‏الأثير 389 / 3.

[2] الطبري 284 - 283 / 3 و ابن‏الأثير 389 / 3 و الأخبار الطوال 215 و مقتل الخوارزمي ج 1 ص 202 - 210، و الارشاد للمفيد 190، و البحار م 10 ج 391، 242 - 44، و مقاتل الطالبيين ص 71، و نهاية الارب 393 - 20.