ان الايمان قيد الفتك... و لا يفتك مؤمن
و في دار هاني ء، اتيحت لمسلم فرصة اغتيال ابن زياد، الا أنه امتنع عن ذلك، و قد رويت عن ذلك قصتان نرويهما فيها يأتي؛ كما روي أن الفرصة قد أتيحت لهاني ء فرفضها ايضا و لذلك قصة ثالثة سنرويها ايضا:
1 - (نزل شريك بن الأعور علي هاني ء بن عروة المرادي، و كان شريك شيعيا، و قد شهد صفين مع عمار، و قدم شريك بن الأعور شاكيا فقال لهاني ء: مر مسلما يكن عندي، فان عبيدالله يعودني.
و قال شريك لمسلم: أرأيتك ان أمكنتك من عبيدالله أضاربه أنت بالسيف؟ قال: نعم و الله.
و جاء عبيدالله شريكا يعوده في منزل هاني ء. و قد قال شريك لمسلم: اذا سمعتني أقول: اسقوني ماء، فاخرج عليه فاضربه.
و جلس عبيدالله علي فراش شريك، و قام علي رأسه مهران، فقال: اسقوني
ماء، فخرجت جارية بقدح، فرأت مسلما فزالت، فقال شريك اسقوني ماء؛ ثم قال الثالثة: ويلكم تحموني الماء! اسقونيه ولو كانت فيه نفسي، ففطن مهران فغمز عبيدالله، فوثب، فقال شريك: أيها الأمير، اني أريد أن أوصي اليك؛ قال: أعود اليك، فجعل مهران يطرد به، و قال: أراد و الله قتلك). [1] .
و لم يذكر في هذه الرواية سبب احجام مسلم عن مقتل ابن زياد.
2 - (مرض شريك بن الأعور. و كان كريما علي ابن زياد و علي غيره من الأمراء، و كان شديد التشيع، فأرسل اليه عبيدالله: اني رائح اليك العشية، فقال لمسلم: ان هذا الفاجر عائدي العشية، فاذا جلس فاخرج اليه فاقتله، ثم اقعد في القصر، ليس أحد يحول بينك و بينه، فان برئت من وجعي هذا أيامي هذه سرت الي البصرة و كفيتك أمرها.
فلما كان من العشي أقبل عبيدالله لعيادة شريك. فقام مسلم بن عقيل ليدخل. و قال له شريك: لا يفوتنك اذا جلس.
فقال هاني ء بن عروه اليه فقال: اني لا أحب أن يقتل في داري. كأنه استقبح ذلك. فجاء عبيدالله بن زياد فدخل، فجلس، فسأل شريكا عن وجعه، و قال: ما الذي تجد؟ و متي اشتكيت؟
فلما طال سؤاله اياه، و رأي أن الآخر لا يخرج، خشي أن يفوته فأخذ يقول: ما تنظرون بسلمي أن تحيوها. [2] .
اسقنيها و ان كانت فيها نفسي. فقال ذلك مرتين أو ثلاثا؛ فقال عبيدالله، و لا يفطن ما شأنه: أترونه يهجر؟ فقال له هاني ء: نعم أصلحك الله، ثم انه قام فانصرف. فخرج مسلم، فقال له شريك: ما منعك من قتله؟ فقال: خصلتان: أما احداهما فكراهة هاني ء أن يقتل في داره.
و أما الأخري، فحديث حدثه الناس عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم: «ان الايمان قيد الفتك، و لا يفتك مؤمن».
فقال هاني ء: أما و الله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا غادرا، ولكن كرهت أن يقتل في داري). [3] .
و فيها أن الذي رغب بقتل عبيدالله هو شريك. و ان مسلم رفض قتله لحديث سمعه عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أو من عمه أميرالمومنين عليه السلام و لأن هاني ء كره قتله في بيته. و في القصتين أن المريض كان هو شريك.
3 - (. فمرض هاني ء بن عروة، فجاء عبيدالله عائدا له، فقال له عمارة بن عبيد السلولي: انما جماعتنا وكيدنا قتل هذا الطاغية، فقد أمكنك الله منه فاقتله.
قال هاني ء: ما أحب أن يقتل في داري، فخرج). [4] .
و فيها أن الذي مرض هو هاني ء و ليس شريكا، و انه كره قتل ابن زياد في داره.
و نعود لاكمال تعليقنا الذي بدأناه في بداية هذا البحث، فنقول: ان مسلم لم يرد الانتصار لقضية اسلامية بأداة غير اسلامية؛ فقد رفض اللجوء الي اغتيال ابن زياد في دار هاني ء لأن الاسلام يرفض هذا الأسلوب، اذا أن المسألة ستخرج - بنظر المسلمين في هذه الحالة - من قضية اسلامية بحتة كان مسلم يسعي فيها لنصرة الاسلام الي قضية شخصية قوامها التنافس علي السلطان.
ولو أن مسلما نجح في مسعاه و قتل ابن زياد و جعل الكوفة تلتفت حوله، ليقل له بعد ذلك: كان بامكانك أن تنجح دون اللجوء الي نفس الأساليب الأموية و كان يمكنك منازلة ابن زياد في مكان آخر دون اللجوء الي هذا الأسلوب، و كان كل من سيعمد الي اسلوب مماثل سيحمل مسلم مسؤولية ذلك، كسنة سنها و سيتحمل وزرها و وزر من عمل بها.
أتري أن مسلم الذي نشأ في رعاية عمه أميرالمؤمنين عليه السلام مع ابنيه عليهماالسلام و هاني ء الذي صحب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و قاتل مع أميرالمؤمنين عليه السلام و هو بين أهل و عشيرته صاحب شوكة و شكيمة يرضيان قتل أحد آمن غيلة و غدرا، حتي ولو كان عدوهما اللدود؟
هل يقبل الاسلام بذلك، حتي يقبلا؟
و اذا ما قيل انهما أو أن أحدهما جبن عن ذلك، فان واقع حالهما و صمودهما أمام أشرس نظام شهدته الأمة الاسلامية في تاريخها، لا يجعل أحدا يقتنع بذلك.
انه منطق الاسلام المستقيم، حملاه و سارا علي أساسه، و لن يفهم دوافعهما للامتناع عن قتل ابن زياد في بيت مسلم غيلة الا من حمل هذا المنطق و فهمه و وعاه.
پاورقي
[1] الطبري 283 - 282 - 3.
[2] و تکملتها في بعض المصادر مثل مناقب ابنشهر آشوب 91 - 4:
حيوا سليمي و حيوا من يحييها
کأس المنية بالتعجيل فاسقوها.
[3] الطبري 284 - 283 / 3 و ابنالأثير 390 / 3 مع اختلاف بسيط، و مقتل الحسين للخوارزمي ج 1، ف 10 و فيه (حديث سمعته من عمي علي بن ابيطالب)، و ابنکثير 153 / 8.
[4] الطبري 283 / 3.