بازگشت

سباق مع الزمن... افتح لا فتحت


كان مسير ابن زياد محموما و كان متلهفا علي قطع المسافة بين البصرة و الكوفة بأقصي فترة زمنية ليصل قبل الامام عليه السلام، ليفوت علي أهل الكوفة فرصة الانضمام اليه، و قد تساقط العديد من أصحابه في الطريق و كان منهم شريك بن الأعور الحارثي الذي كان يكن الولاء لآل البيت عليهم السلام، و قد ألح عليه ابن زياد بالذهاب معه و الذي ربما تساقط أملا بعرقلة مسيرة ابن زياد الا أن الأخير لم يعر ذلك أهمية (فكان أول من سقط بالناس شريك، فيقال: انه تساقط غمرة و معه ناس، ثم سقط عبدالله بن الحارث و سقط معه ناس، و رجوا أن يلوي عليهم عبيدالله و يسبقه الحسين الي الكوفة، فجعل لا يلتفت الي من سقط). [1] .

و نستدل من ذلك أن شريك لم يكن وحده من أراد عرقلة مسيرة ابن زياد و انما سعي آخرون لذلك، و كان هواهم مع الحسين عليه السلام، غير أن ذلك كان أقصي ما يمكن أن يفعلوه لنصرته، فارادتهم و سيوفهم كانت رهن القوة الأموية الغاشمة.

و عندما رأي ابن زياد أنه كان يسبق ركبه و أن العديدين قد تساقطوا حتي مولاه مهران، نزل (فأخرج ثيابا مقطعة من مقطعات اليمن، ثم اعتجر بمعجرة يمانية، فركب بغلته، ثم انحدر راجلا وحده، فجعل يمر بالمحارس فكلما نظروا اليه لم


يشكوا أنه الحسين، فيقولون: مرحبا بك يا ابن رسول الله، و جعل لا يكلمهم، و خرج اليه الناس من دورهم و بيوتهم، و سمع بهم النعمان بن بشير فغلق عليه و علي خاصته، و انتهي اليه عبيدالله و هو لا يشك أنه الحسين، و معه الخلق يضجون. فكلمه النعمان، فقال: انشدك الله الا تنحيت عني! ما أنا بمسلم اليك أمانتي، و مالي في قتلك من ارب، فجعل لا يكلمه. ثم انه دنا و تدلي الآخر بين شرفتين، فجعل يكلمه فقال: افتح لا فتحت، فقد طال ليلك فسمعها انسان خلفه، فتكفي الي القوم. فقال: أي قوم ابن مرجانه، و الذي لا اله غيره، فقالوا ويحك انما هو الحسين). [2] .

و كانت مجازفة خطيرة من جانب ابن زياد أن يدخل بمفرده متنكرا ليظن الناس أنه شخص آخر، و ربما ليعتقدوا أنه الحسين عليه السلام، لكي تسهل مهمته و يستطيع الوصول الي القصر المحصن [3] غير أن ابن زياد ربما كان يعتقد أنه كان يحمل قضية بمواجهة قضية الامام الحسين عليه السلام، و ربما كانت المسألة تتعلق بوجوده و مصيره شخصيا، و هذا ما دعاه للمجازفة أكثر من مرة و ابداء المزيد من القسوة و العنف، و لعل أعوانه في الكوفة و سلطان الدولة في الشام وراءه جعله يقدم علي المزيد من الخطوات العنيفة للقضاء علي الثورة، عزز ذلك من مزاجه الشخصي الدموي و اعتياده العيش في ظل سلطة مطلقة لا تحسب حسابا لأرواح الناس و كرامتهم و حريتهم، و لعل شبح أبيه و قسوته لا تزال تلوح أمام أنظار أهل الكوفة المستهدفين بظلم الدولة الأموية و سطوتها و التي جعلت منهم مجتمعا مشتتا موزعا متناقضا.

و سنتحدث بعون الله. عند التطرق الي مجتمع الكوفة - عن الأسباب التي جعلت ابن زياد واثقا من نجاح مهمته و مطمئنا بذلك الشكل الذي بدا فيه و الذي ربما أثار


الاستغراب و جعل البعض يعتقد أنه كان يتمتع بشجاعة فائقة، و هو أمر دقيق لابد من دراسته باسهاب و معرفة أسبابه الحقيقية.

و نستطيع أن نستنتج من سعي ابن زياد المحموم للوصول الي الكوفة بسرعة قياسية تاركا أصحابه يتساقطون في الطريق نتيجة مواصل المسير، أنه ما كان ليفرط في وقته، و أنه عمل منذ أن وصل هناك علي وضع الخطط الكفيلة بافشال مهمة مسلم، و لابد أنه جمع حوله مؤيدي الدولة و أعوانها في الكوفة في ليلته الأولي و الذين لابد أن يكونوا قد أسرعوا لاستقباله و التطوع للاشارة عليه فيما سوف يفلعه و الذين أبدوا استعدادهم لتنفيذ خططه و مشاريعه.

و هكذا بدا أن برنامجه في أول يوم قضاه في الكوفة بعد ليلته الأولي فيها، كان حافلا و مزدحما بالأعمال. و قد دعا الناس منذ الصباح الباكر للاجتماع في المسجد و ألقي فيهم خطبة مهددة متوعدة قال فيها [4] : (أما بعد فان أميرالمؤمنين و لاني مصركم و ثغركم و فيئكم، و أمرني بانصاف مظلومكم، و اعطاء محرومكم، و بالاحسان الي سامعكم و مطيعكم، و بالشدة علي مريبكم و عاصيكم، و أنا متبع فيكم أمره، و منفذ فيكم عهده، فأنا لمحسنكم كالوالد البر و لمطيعكم كالأخ الشقيق، و سيفي وسوطي علي من ترك أمري و خالف عهدي، فليبق امرؤ علي نفسه). [5] .

و قد اتسمت خطبته هذه بالشدة المعروفة عنه، كما أنه لوح فيها، اضافة للسيف و السوط بالرشوة و المال، و هو أمر من شأنه أن يفتح أمامه المزيد من الحصون.


پاورقي

[1] الطبري 281 / 3، و ابن‏الأثير 388 / 3.

[2] المصدر السابق 282 - 281 / 3، و ابن‏الأثير 388 / 3، و ابن‏کثير 155 / 8، و مروج الذهب 71 / 7.

[3] و هو قصر الامارة الذي بناه سعد بن ابي‏وقاص (و يتألف من سور خارجي يضم أربعة جدران طولها 170 مترا و معدل سمکها أربعة أمتار، و تدعم کل ضلع من الخارج ستة أبراج نصف دائرية باستثناء الضلع الشمالي حيث يدعم برجان فقط و المسافة بين برج و آخر 24 متر و 60 سم و ارتفاع السور بأبراجه يصل الي ما يقرب من 20 مترا، و قد بني القصر بناء محکما و صممت هندسته ليکون في حماية آمنة من کل غزو). مقتل الامام الحسين / القرشي، نقلا عن (تخطيط مدينة الکوفة، للدکتور کاظم الجنابي 155 - 135).

[4] ذکر ابن‏الأثير انه قيل انه خطبهم من يومه 388 / 3.

[5] ابن‏الأثير 389 / 3، و نهاية الارب للنويري 39 - 20، و في مقاتل الطالبيين 69 ط النجف (فلا يتق امرؤ الا علي نفسه الصدق ينبي‏ء عنک لا الوعيد) و الطبري 281 / 3.