بازگشت

اياكم و الخلاف... لآخذن الأدني بالأقصي... أنا ابن زياد


و كانت تلك فرصة ذهبية يستطيع فيها ابن زياد اثبات ولائه ليزيد و حرصه علي تثبيت عرشه، و استعد حال وصول رسالة يزيد اليه للسفر الي الكوفة محاولا قطع المسافة بسرعة قياسية جعلت بعض أصحابه يتساقطون في الطريق بعد أن لم يستطيعوا


متابعته و اللحاق به، و كان يقصد بذلك أن يسبق الامام الحسين عليه السلام في دخول الكوفة، بعد أن ورده الخبر بتوجهه اليها.

و قد ذكرنا أن الامام عليه السلام قد أرسل رسالة الي أهل البصرة و الي زعمائها من رؤوس الأخماس و الي الأشراف يدعوهم فيها الي نصرته و دعوته الي كتاب الله و سنة نبيه صلي الله عليه و آله و سلم، و قد كان رد فعلهم ايجابيا تجاه الرسالة، غير أن أحدهم و هو المنذر بن الجارود حبس رسول الحسين وقاده الي ابن زياد من العشية التي كان يريد صبيحتها أن يذهب الي الكوفة... و اقرأه كتابه، فقدم الرسول فضرب عنقه، و صعد عبيدالله منبر البصرة، و قال في خطبة نارية له مهددا و متوعدا (أما بعد، فوالله ما تقرن بي الصعبة، و لا يقعقع لي بالشنان، و اني لنكل لمن عاداني، و سم لمن حاربني، أنصف القارة من راماها. يا أهل البصرة، ان أميرالمؤمنين و لاني الكوفة و أنا غاد اليها الغداة، و قد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن ابي سفيان، و اياكم و الخلاف و الارجاف، فوالذي لا اله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنه و عريفه و وليه، و لآخذن الأدني بالأقصي حتي تسمعوا لي، و لا يكون فيكم مخالف و لا مشاق، أنا ابن زياد، اشبهته من بين وطي ء الحصي، و لم يتنزعني شبه خال و لا ابن عم). [1] .

ان هذه الخطبة و أمثالها تكشف القناع عن الوجه الأموي الدموي الذي سعي بكل طريقة لتثبيت سلطانه و تعزيز مصالحه، حتي أن أشد المدافعين عن معاوية قالوا، صحيح أن الأمويين انحرفوا في مجال السياسة و الحكم لكنهم في المجالات الأخري لم ينحرفوا الا بشكل بسيط، و عزوا ذلك بعد أن لم يجدوا سببا معقولا الي حرصهم علي وحدة الأمة و تماسك المسلمين الي غير ذلك من الأمور التي برروا بها خروجهم المعلن عن الصيغ الواضحة و الصحيحة للحكم و السياسة الاسلاميتين.

ليس في منطق الاسلام أن يؤاخذ ولي بولي و الأدني بالأقصي و المطيع بالمخالف، و انما كان هذا منطق أوجدته سياسة الغشم الأموي لوضعه مقابل القانون الاسلامي الصحيح المنسجم مع الحياة و خطوة الانسان الصحيحة،

ان سماع تصريح كهذا من ممثل للدولة، مخول بفعل ما يشاء، و مزود بقوة


السلاح يجعل كل فرد يعتقد أنه أمام وحش ضار مطلق السراح غير مقيد بقانون أو نظام، و أن مجرد التعرض له يشكل خطرا كبيرا.

ما الأمر مع من يحكم بقانونه و هواه و رغباته و ينبذ القانون الالهي الواضح المبين متعمدا، مع أنه يدعي أنه الممثل الحقيقي للارادة الالهية و خليفة الله علي الأرض؟

اني الأمر مثير للرعب حقا، فلا يمكن تطبيق مثل هذا القانون الا في مجتمع ميت تخلي عن كل قيمه و مبادئه و لم يعد يستجيب الا لالهه المحلي الذي يشخص أمامه حاكما يمتلك مقومات الجاه و المال و السلطان و غالبا ما يختفي النقد و الرأي الحر و الارادة الواعية، أمام منطق الذي لا يري أمامه الا سلطانه و مصالحه و هواه، و يظهر أمام الناس بمظهر الوحش المفترس.


پاورقي

[1] الطبري 281 - 280 - 3 وورد (و عرينه بدل عريفه و العرين الجماعة) و راجع ابن‏کثير 160 / 8، و ابن‏الأثير 388 / 3.