بازگشت

موقف النعمان بين اللين الظاهري و الكيد


و قد ظهر أمر مسلم، رغم أن الامام عليه السلام أراد لدعوته أن تكون سرية ليتاح له استقطاب الناس و تنظيم أمورهم، و لعل السبب في ذلك هو كثرة الأعداد التي استجابت له و بايعته، و لم يكن من المتوقع أن يكتم سره مع هذه الأعداد الغفيرة.

و كان ذلك أيام ولاية النعمان بن بشير عامل الدولة علي الكوفة منذ أيام معاوية، و مع أن النعمان اشتهر بكرهه لأميرالمؤمنين عليه السلام و قيامه بالغارات علي أطراف دولة الاسلام التي حكمها و بذل أقصي جهوده لتوطيد حكم معاوية، الا أنه فيما يبدو، و كما أشارت الي ذلك بعض وقائع التاريخ، لم يكن يري في يزيد الحاكم الجدير بخلافة معاوية، و لعله كان يري نفسه أكثر امكانات و كفاءات منه، و قد بايع لابن الزبير بعد هلاك يزيد ثم دعا الي نفسه الي أن أوقع به مروان فقتله عام 65 ه.

و مع أن النعمان كان ممن يوالي الدولة الأموية في الظاهر، و قد وثقت به الي الحد الذي جعلت منه ممثلا و عاملا لها علي العراق، الا أنه كان - كما يبدو - كم يتقن سياسة الغشم الأموية القائمة علي الحيلة و المكيدة و التعسف و الأخذ علي الظنة


و التهمة و معاقبة الأبعدين بالأدنين الي غير ذلك من الأمور التي بدأها الأمويون و اعتمدوها أساسا لحكمهم و سياستهم و أصبحت بعد ذلك نهجا و سنة سار عليها من جاء بعدهم من العباسيين و غيرهم. [1] .

و لعل النعمان كان ينقم علي يزيد و يود زوال ملكه و مساعدة أعدائه، ليس حبا بهم و انما لاضعاف الطرفين (المتنافسين).

و قد ألقي النعمان خطبة في أهل الكوفة، بعد أن قوي أمر مسلم و انتشر بينهم قال فيها: (أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، و لا تسارعوا الي الفتنة و الفرقة، فان فيهما يهلك الرجال، و تسفك الدماء و تغصب الأموال، اني لم أقاتل من لم يقاتلني، و لا أثب علي من لا يثب علي، و لا أشاتمكم و لا أتحرش بكم، و لا آخذ بالقرف و لا الظنة و لا التهمة، ولكنكم ان أبديتم صفحتكم لي، و نكثتم بيعتكم و خالفتم امامكم، فوالله الذي لا اله غيره، لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي، و لو لم يكن لي منكم ناصر. أما اني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل). [2] .

و يبدو من ظاهر خطبة النعمان التي لا تشابه خطب العمال الأمويين المتسمة بالشدة، أنه كان يحتمل نجاح حملة مسلم بالكوفة لأخذ البيعة للامام عليه السلام، فأراد بتسامحه المعلن أن تكون له يد عند الثوار، و ربما كان يأمل أن يكون له دور في الدولة الجديدة خصوصا و أن وجوها مرموقة مع مسلم كانت تمت اليه بصلة وثيقة مثل المختار بن عبيد الثقفي، اضافة للأسباب الشخصية التي قد تدعوه لمنابذة يزيد، كانت خطبته رخوة و كلماته لينة متسامحة تشير الي نهج اسلامي مثالي لم يعد مألوفا. في ظل قيادة معاوية - و لم يعتد أهل الكوفة سماع مثله من العمال الأمويين، و لا شك أنه كان يعد فيه بالسكوت عن الثوار الذين بايعوا مسلم طالما أن الأمر لم يصل الي سمع السلطة في الشام.

و لا نستطيع من مجمل ما نعرفه عن سلوك النعمان في السابق أن نعتقد أن ما دعاه الي السكوت و غض النظر هو حلمه و نسكه و حبه للعافية علي حد تعبير الطبري و لا انتصاره للأنصار الذين هجاهم الأخطل الشاعر المسيحي بايعاز من يزيد، انما


الذي دعاه الي ذلك قد يكون أحد الدوافع التي أشرنا اليها، و قد تكشف دراسة جادة حقيقة دوافعه للسكوت.


پاورقي

[1] ابن‏کثير 155 - 154 / 8 وابن‏الأثير 308 / 3.

[2] الطبري 279 / 3، وابن‏الأثير 267 / 3، و الارشاد 187، و البحار م 10 ج 336 - 44.