بازگشت

في دار المختار الثقفي... خطب و وعود بالنصرة


(ثم أقبل مسلم حتي دخل الكوفة، فنزل دار المختار بن عبيد - و هي التي تدعي اليوم دار مسلم بن المسيب - و أقبلت الشيعة تختلف اليه). [1] .

و كان اختيار مسلم لدار المختار صائبا و موفقا، فالمختار من الشخصيات النادرة القوية التي التزمت خط آل البيت، كما أنه من الشخصيات القيادية المؤثرة و المحبوبة، كما أنه كان صهر النعمان بن بشير حاكم الكوفة (زوج ابنته عمره) و هذا ما قد يجعله يغض النظر عن وفود الناس الي بيته الذي جعل منه مركزا للقيادة و البيعة.


و كانت الدلائل تشير الي اقبال جماهير الكوفة علي مبايعة مسلم للامام عليه السلام و اغتباطها بمقدمه، و قد شهدت دار المختار مواقف عاطفية كبيرة، حتي لقد اتخذ الفرح صورة البكاء و الناس تتذكر الأيام الخوالي من حكم أميرالمؤمنين عليه السلام، عندما اتخذ الكوفة مقرا له.

(و أقبلت الشيعة تختلف اليه، فكلما اجتمعت اليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين فيبكون، و يعدونه من انفسهم القتال و النصرة). [2] .

و قد ألقيت خطب حماسية أمام الوفود التي جاءت لتقديم البيعة، و كان الخطباء بمستوي أقوالهم، و قد استشهد بعضهم مع الامام عليه السلام فعلا:

قال عابس بن ابي شبيب الشاكري موجها الخطاب لمسلم: (فاني لا أخبرك عن الناس، و لا أعلم ما في أنفسهم، و ما أغرك منهم، و الله لأحدثنك عما أنا موطن نفسي عليه، و الله لأجيبنكم اذا دعوتم، و لأقاتلن معكم عدوكم، و لأضربن بسيفي دونكم حتي ألقي الله، لا أريد بذلك الا ما عندالله.

فقام حبيب بن مظاهر؛ فقال: (رحمك الله! قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك، ثم قال: و أنا و الله الذي لا اله الا هو علي مثل ما هذا عليه، ثم قال سعيد الحنفي مثل ذلك). [3] .

و يبدو من قول عابس، و تأييد حبيب له، أن جماعات من أهل الكوفة كانت مترددة بشأن بيعة الحسين عليه السلام و ان جماعات أخري كانت متذبذبة تنتظر لمن تكون الغلبة في النهاية فتنضم اليه، و كان خطاب عابس يمثل نقدا لهؤلاء المترددين، و كأنه كان يريد استنهاض الهمم بموقفه الشخصي و بما هو عازم علي فعله.

و يدل علي وجود أمثال هؤلاء، موقفهم الأخير عندما تخلوا عن مسلم لصالح ابن زياد، و المواقف المشابهة لموقف محمد بن بشر الذي سأله الحجاج بن علي بعيد القاء عابس و حبيب و الحنفي خطبهم قائلا له: (فهل كان منك أنت قول؟ فقال: ان كنت لأحب أن يعز الله أصحابي بالظفر، و ما كنت لأحب أن أقتل، و كرهت أن أكذب). [4] .


فابن بشر كان يحب النصر للامام و أصحابه، غير أنه كان يريده نصرا جاهزا يتمتع بثماره فيما بعد لايشارك في صنعه بقطرة من دمائه أو عرقه، و هو موقف يلوح أمامنا علي الدوام، اذ غالبا ما نري من يتوقع معجزة تحقق أمانيه العاجزة، أما حين يدعي لمشاركة ايجابية في أي عمل اجتماعي من شأنه رفع الظلم أو تحفيفه، فانه ينهزم و يتراجع، و سنري العديد من أمثال هذه المواقف عند اطلاعنا علي بقية تفاصيل هذه الثورة العظيمة.


پاورقي

[1] الطبري 279 / 3، وابن‏الأثير 267 / 3، و الارشاد 226، و قد روي أنه نزل في بيت مسلم بن عوسجة أو هاني‏ء بن عروة (الاصابة 332 / 1) غير أن الخبر الأول هو الأصح فيما يبدو لتوارده و انتشاره في معظم کتب التاريخ المعتبرة و أن ورد في مکان آخر من تاريخ الطبري 275 / 3.

[2] ابن‏الأثير 386 / 3 و الطبري 279 / 3.

[3] الطبري 279 / 3.

[4] الطبري 279 / 3.