بازگشت

لا طيرة و لا جبن... الي الأمام لتنفيذ مهمة الامام


ترك مسلم أهله و أطفاله مع الحسين و عياله في مكة و انطلق في مهمته الشاقة نحو العراق بمعية أصحابه الذين أرسلهم الحسين عليه السلام معه و هم: قيس بن مسهر الصيدواي، و عمارة بن عبيدالله السلولي، و عبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي الأزدي (و عبدالله و عبدالرحمن ابني شداد الارحبي)، (و أمره بالتقوي و كتمان أمره و اللطف، فان رأي الناس مجتمعين مستوسقين عجل اليه بذلك). [1] .

و قد عرج مسلم - في طريقه من مكة الي الكوفة - علي المدينة، متسللا اليها في أغلب الظن لأنه ربما كان مرصودا من قبل أعوان السلطة، و ربما ألقي القبض عليه و احتجز أو قتل، فخروجه من المدينة مع الحسين عليه السلام و رفضه مبايعة يزيد لم يكن من الأمور التي تغض السلطة أبصارها عنه (فصلي في مسجد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و ودع من أحب من أهله). [2] .

كان انطلاق مسيرته من بيت الله و الي مسجد رسوله صلي الله عليه و آله و سلم ثم اليه جل و علا و في سبيله يجدد العهد في كل موقف وقفه مع الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و يسعي لتجارة رابحة يبذل فيها نفسه و دمه لانجاز المهمة التي عهد بها اليه ابن عمه و امامه و قائده.

و ربما لم يمض في المدينة الا الفترة القصيرة التي زار فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و جدد العهد فيها علي نصرة ابنه و خليفته علي امته، و ودع من أحب من أهله و أصحابه،


و ربما لم يستغرق ذلك سواد ليلة واحدة، انطلق بعدها الي مهمته (ثم استأجر دليلين من قيس، فأقبلا به، فضلا الطريق و حارا، و أصابهم عطش شديد، و قال الدليلان: هذا الطريق حتي تنتهي الي الماء. و قد كادوا أن يموتوا عطشا). [3] .

و قد مضي مسلم في مهمته بعد ذلك دون أن يتردد أو يجبن، كما زعم من ذكر أنه أرسل رسالة اعتذار الي الامام عن انجاز المهمة، و أنه طلب اليه أن يكلف شخصا آخر بها، كما ورد في الهامش أدناه و أن الامام عليه السلام عني ذلك ربما الي خوف مسلم وجبنه و أنه أمره بمواصلة مسيرته.

و في أغلب الظن أن رسالتي مسلم و الامام المتبادلتين لم تنقلا بشكل صحيح، فمسلم قد يكون أرسل رسالته ليشرح و يبين آخر أخباره، و ربما لم يكن ينتظر جوابا من الامام، و تهمة الجبن هذه المزعومة ربما لفقت لمسلم علي لسان الحسين عليه السلام للغض من تلك الشخصية الرسالية العظيمة و التقليل من شأنها، كما هو الحال مع العديد ممن نصروا الحسين عليه السلام أو انتصروا له بعد ذلك، كالمختار بن عبيد الثقفي مثلا.

ان ما ورد بهذا الخبر يتناقض و ما عرف عن مسلم و صلابته في الحق و ما عرف عن مواقفه القوية، و ليس أدل من ذلك تصديه بمفرده لأعداد كبيرة من أعدائه و عدم استطاعتهم التغلب عليه الا بمكيدة غادرة ثم وقوفه الشجاع بوجه ابن زياد و هو أعزل كما سنري بعون الله.


كما أنه يتناقض مع ما عرف من استعداداته الخلقية و النفسية التي جعلت الامام عليه السلام يختاره من بين كل أصحابه و أهله لهذه المهمة الشاقة، كما أن دلائل الحال و طبيعة المسيرة من مكة الي الكوفة التي روي أنه أكملها في عشرين يوم (من الخامس عشر من رمضان و حتي الخامس من شوال) تناقض هذا الخبر، فهذه الفترة تكاد تكفي بالكاد للوصول الي الكوفة، فكيف يتسني له ارسال مبعوثه من (المضيق من بطن الخبت) الي الامام و انتظار جوابها، و هو أمر يستغرق عشرة أيام بالقليل، ثم يذهب بعد ذلك قاطعا المسافة كلها في عشرين يوما، انه في هذه الحال سيحتاج الي شهر بالقليل لقطع المسافة و انتظار جواب الامام، علما أنه لم يرد في معاجم البلدان ما يشير الي وجود مثل هذا الموقع.

ولو كان مسلم ممن يتطيرون من أمثال هذه الأمور و قد جبن عن المضي بمهمته، لكان قد بقي في المدينة أو رجع الي الامام بنفسه، و لما استجاب له عندما أمره بالمضي.

و غاية ما في الأمر أن مسلم بعد اجتيازه المدينة (و هي منطقة خطر محتمل) أرسل يعلم الامام بذلك و بما لاقاه من مصاعب عندما تنكب الطريق خوفا من ملاحقة السلطة له.


پاورقي

[1] أنساب الأشراف للبلاذري 159 - 3، و الطبري 198 / 6، و ابن‏الحديد 386 / 3، و تذکرة الخواص 244، و البحار م 10 ج 335 / 44، و الارشاد 186.

[2] الطبري 198 / 6 و ابن‏الاثير 267 / 3 و راجع المصادر السابقة.

[3] الطبري 278 / 3، و ابن‏الأثير 267 / 3، و الاخبار الطوال: ص 232 و ذکر أن السبب في أنهم ضلوا الطريق هو أن الدليلين کانا يتنکبان به الطريق، و ربما کان ذلک خوفا من متابعتهم من قبل أعوان السلطة، و قد روي أن مسلم بعد ذلک کتب الي الحسين عليه‏السلام قائلا (أما بعد فاني أقبلت من المدينة معي دليلان لي، فجارا عن الطريق و ضلا، و اشتد علينا العطش، فلم يلبثا أن ماتا، و أقبلنا حتي انتهينا الي الماء، فلم ننج الا بحشاشة أنفسنا و ذلک الماء بمکان يدعي المضيق من بطن الخبيت؛ و قد تطيرت من وجهي هذا، فان رأيت أعفيتني منه و بعثت غير و السلام.

فکتب اليه الحسين عليه‏السلام: أما بعد، فقد خشيت ألا يکون حملک علي الکتاب الي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتک له الا الجبن، فامض لوجهک الذي وجهتک له و السلام عليک.

فقال مسلم لمن قرأ الکتاب: هذا ما لست أتخوفه علي نفسي).