بازگشت

الامام الحسين الشاهد و الخليفة الحقيقي


لم تكن الأمة تجهل من هو أمامها و قائدها الحقيقي، و ان أدركت أنها قد تخلت عنه بفعل الظروف سالفة الذكر، و لم تكن تجهل انها قد استجابت الي حد بعيد و استسلمت و هادنت السلطة الأموية الجائرة، بل و ارتمت في أحضانها جثة هامدة، لكنها حتي و هي في غمرة الاستسلام و الغياب عن الوعي و الارادة الصحيحة كانت تأمل أن يتقدمها هذا الامام القائد للقيام بفعل حاسم تجاه هذه السلطة، بل و القيام بفعل خارق. [1] .

و قد طلبت منه في مرة سابقة كما ذكرنا في عهد معاوية أنت ينتفض و يثور عليه، غير انه رفض ذلك بفعل الظروف القائمة آنذاك، و التي كانت تهدد باندثار القضية كلها و سحق القوي المحتملة للنهوض في الوقت المناسب و التي ربما تشكل آخر امل حقيقي للأمة.

غير أن الوقت المناسب قد حل فعلا بوفاة المعاوية، الذي امتلك ما لم يمتلكه يزيد من كفاءة في المكر و التلون و الحيلة، و الذي ظهر أمام الأمة بغير المظهر المكشوف الذي بدا فيه ابنه يزيد، ذو التجربة السطحية، و الذي لم يوضع في محك المشاكل و الأحداث المعقدة التي وضع فيها معاوية.

و كانت اللحظة حاسمة فعلا عندما خلا الجو ليزيد، و اصبح وحيدا في الساحة، و أصبحت مسألة مبايعته لا تنتظر مزيدا من الوقت، فهو اما أن يجلس علي


العرش، و يستسلم له الجميع، بما فيهم الحسين عليه السلام أو يشن الحرب أو حملة التصفيات الدموية علي من يقف بوجهه، حتي ولو كان هو الامام الحسين عليه السلام. و لم يكن الأمر يحتمل المزيد من التأخير، و يزيد قد جلس فعلا علي كرسي الحكم، و مارسه بشكل عملي بعد ان كانت البيعة قد أخذت له منذ زمن طويل أي قبلا، سبع سنين من وفاة معاوية.

فماذا كان بوسع الامام الحسين أن يفعل، و هو الذي يدرك مسؤوليته بكامل أبعادها، و يدرك أن أنظار الأمة كلها تتجه اليه، و أنه الوحيد بنظرها الذي يستطيع رفع معنوياتها و مستوي شعورها بمسؤوليتها الرسالية و انهاضها، أو الاطاحة بها الي الأبد، و كان شعوره الكبير و الواعي بمسؤوليته لا يتيح له ان يفعل هذا الأمر الثاني، و الا لبررت الأمة استسلامها أمام الدولة الأموية و يزيد، و أمام كل دولة للظلم بعد ذلك، و القت تبعة ذلك كله عليه عليه السلام. و هنا نتساءل: صحيح أن الحسين عليه السلام لم يستلم منصب الخلافة و القيادة بشكل فعلي، ولكن: ألم ينجح توعية الأمة و جلعها تدرك أنها هي المسؤولة عن تبعة استسلامها و تراجعها عن الاسلام؟ و ان كان ثمن نجاحه هذا باهظا.

ألم ينجح بجعل الأمة تدرك أن امامها و قدوتها، و قد استهان بحياته نفسها، ألقي عليهم مسسؤولية الأحجام عن التضيحة كما فعل هو بالضبط و كما فعل اصحابه الآخرون، الذين لم يمتلكوا ما امتلكه هو من قدرات و علم كبير و وعي و احساس عميق بالمسؤولية؟

مع أنهم أناس من عموم هذه الأمة، و ان ما فعله هؤلاء في سبيل هذه القضية المصيرية يمكن أن يقوم به كل فرد من الأمة؟

لا شك أن نجاحه في ذلك كان منقطع النظير، و ان كان الثمن باهظا كما قلنا، و هو حياة امام الأمة، الذي كان ينبغي ان يكون علي رأس القيادة، يتمتع بثمار سعيه و جهاده بدلا من هذا المصير الدامي.

و حتي في هذه الحالة، و عند استلامه القيادة الفعلية كخليفة و امام، هل كان سيعد ذلك امتيازا شخصيا يتيح له التمتع بما أعلن معاوية انه حق له في ضوء تصوره بان الملك لله و أنه خليفة الله يتصرف كيفما يشاء، يعطي و يمنع، كما عبر عن ذلك و طبقه فعلا؟ هل كان سيتمتع بموارد المسلمين و امكانات الدولة و يسخرها لخدمته


و مشاريعه و اهوائه؟ أم أنه كان سيعيد سيرة جده صلي الله عليه و آله و سلم و ابيه عليه السلام؟ اليس ذلك ما أوضحه فعلا؟

ان استلام مسؤولية الخلافة من قبل الحسين عليه السلام سيلقي عليه عب ء القيام بكل أمورها وفق التصور الصحيح الذي ارساه جده صلي الله عليه و آله و سلم و قوي دعائمه و أبوه عليه السلام، و لم يكن من الهين اعادة الامة التي اعتادت الانحراف و ألفته في ظل معاوية، و أصبح بنظرها هو الامر الصحيح، و أصبح المعروف منكرا و المنكر معروفا، الي الخط الأول المستقيم، و كانت تلك مهمة شاقة، غير ان الامام في ظل ادراكه لمسؤولياته كان يري أن الأمر سيان لديه، عاش أم قتل لانجاز هذه المهمة الكبيرة، و تصحيح خط الانحراف و اعادة الأمة الي سيرتها السابقة خلف الاسلام وقادته الحقيقيين.

و هكذا جاء فعله البطولي شاهدا علي قيامه بدوره الصحيح، بوعي و دون تردد أو شك، و شاهدا علي تخاذل الأمة و استسلامها و عدم استجابتها لنداء الاسلام الذي يرفض الظلم و الانحراف و كل شريعة مزورة لا تخدم الا أهداف الطغاة و الفراعنة، و يحملها المسؤولية الدائمة لابعادهم عن مراكز السلطة و النفوذ مادامت تدعي حمل رسالة الاسلام و مبادئه العظيمة.


پاورقي

[1] کما روي عن الفرزدق أن الناس کانوا يعتقدون أنه عليه‏السلام سيملک و يظهر أمره (و لا يجوز السلاح فيه و لا في أصحابه...، و ينتظرونه في کل يوم و ليلة...) و کان من المروجين لذلک عبدالله بن عمرو بن العاص الذي حث الفرزدق علي الالتحاق بالحسين عليه‏السلام، مع انه لم يفکر بذلک...، و قد لامه الفرزدق و شتمه بعد ذلک. (الطبري 297 / 296 / 3).