بازگشت

الفرق بين المعصومين من الشهداء و بين غيرهم


و هناك فارق أساسي بين النبيين و الربانيين من الشهداء و بين الأحبار منهم، و هو أن النبي و الرباني الامام يجب أن يكون معصوما، أي مجسدا للرسالة بقيمها و أحكامها في كل سلوكه و أفكاره و مشاعره، و غير ممارس لا بعمد و لا بجهالة أو خطأ أي ممارسة جاهلية، و لابد أن تكون هذه النظافة المطلقة متوفرة، حتي قبل تسلمه للنبوة و الامامة، لأن النبوة و الامامة عهد رباني الي الشخص، و قد قال الله تعالي: [(لا ينال عهدي الظلمين)]. [1] .

فكل ممارسة جاهلية أو اشتراك ضمني في ألوان الظلم و الاستغلال و الانحراف تجعل الفرد غير جدير بالعهد الالهي). [2] .

و قد أكد الامام الحسين عليه السلام في خطبه و خطاباته لأهل العراق، و لمن استنفرهم يزيد لقتاله و حربه، صلته الوثيقة بالنبي صلي الله عليه و آله و سلم و أنه منه، و ان انتماءه اليه، ليس انتماء القرابة المجردة، بل انتماء الاسلام، و انتماء الرؤية و انتماء التصور و انتماء العقيدة قال الحسين عليه السلام:

(و كنا أهله و أولياءه: و أوصياءه: و ورثته و أحق الناس بمقامه في الناس).

(و نحن أهل البيت أولي لولاية هذا الأمر عليكم).

(اللهم اني أحمدك علي ان أكرمتنا بالنبوة و علمتنا القرآن و فقهتنا في الدين و جعلت لنا أسماعا و أبصارا و أفئدة و لم تجعلنا من المشركين).

(أما بعد، فانسبوني، ثم انظروا من أنا، ألست ابن بنت نبيكم صلي الله عليه و آله و سلم و ابن وصيه، و ابن عمه، و أول المؤمنين بالله و المصدق لرسوله ثم جاء به من عند ربه). [3] .


انه عليه السلام لم يذكرهم هنا بالقرابة المجردة، (مع ان معاوية و يزيد و حتي زياد قد ادعوا هذه القرابة)، بل ذكرهم بما جعل الله له من تلك القرابة، و بما أتاحته له من فرص الاتصال المستمر برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و وصيه أميرالمؤمنين عليه السلام، و ما اتاحته له ليتربي وفق منهجهما و تصورهما و تفكيرهما، و ذكرهم بالحكمة الالهية التي حاولت أن تعجل من أناس منتخبين من سلالات الأنبياء وسيلة لاكمال شوط رسالات هؤلاء الأنبياء و حفظها من الضياع و الاندثار، و دعاهم لتأمله و النظر في أمره ليروا: هل أنه كان يحمل مواصفات الأناس المنتخبين لحمل هذه الرسالة بنفس الكفاءة و الشعور بالمسؤولية الذي تمتعوا به؟ مع ان هذا أمر قد اعترفوا به، كما اعترف بذلك حتي أعداؤه الألداء، و لم يأخذوا عليه أو علي والده أو اخيه قصورا في علم أو عدل و استقامة علي الاسلام و منهجه، و انما كان جل ما استطاعوا قوله انهم صوروا مسألة الخلافة علي انها مسألة سياسية بحتة، و انها نزاع شخصي، و لم يهتموا بالشروط التي وضعها القرآن و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لخلفائه من بعده، و استثمروا (الاجتهادات) السابقة التي أبعدت الخليفة الشرعي و الوصي الحقيقي عن مركزه، ليجعلوا ذلك وسيلة للوصول اليها و نيلها، لكي يصلوا الي مكسب أو مغنم شخصي في زعامة أو ملك، و ليعيدوا سنن الغابرين من الفراعنة و القياصرة و الأكاسرة، و يحكموا وفق سياساتهم و (دهائهم) و اصول حكمهم التي لا تراعي الا مصلحة الحاكم و رغباته و هواه.


پاورقي

[1] البقرة: 124.

[2] خلافة الانسان و شهادة الانبياء، الشهيد الصدر، دار التعارف ط 47 / 46 / 27 / 26، 2.

[3] تراجع المصادر السابقة التي ذکرها في هذا الفصل، و من العلوم ان معاوية حاول ان يستغل عنصر (القرابة) من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في محاولة لرفع رصيده لدي الأمة، فبالاضافة الي ما أو عز بوضعه من احاديث تشير الي ذلک، فان اشارات عديدة ترد في کلامه و خطبه يحاول التأکيد من خلالها علي ذلک، مما تطرقنا الي بعضها في هذا الکتاب، و هي خطة ماهرة تستدعي التأمل و التفکير.