الحسين عنوان الجهاد الاسلامي
لقد أسهب علماء الاسلام و المفكرون و الكتاب الاسلاميون في الحديث عن موضوع الجهاد، و استعرضوا ما جاء في القرآن الكريم و أحاديث الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و آله بهذا الخصوص.
علي أن ما طرح من قبل (فقهاء و علماء) الدولة الاموية اراد أماتة هذا الركن و اضاعته، و قد أوردوا أحاديث مزورة وضعوها علي لسان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم أرادوا بها اسكات كل صوت يعلو فوق صوت الحاكم الظالم و اماتة كل شعور بالمسؤولية لدي كل فرد من أبناء الأمة، و نسخ هذا المبدأ الاساسي الذي يتيح تحصينها ضد الانهيار و السقوط.
و كانت مهزلة حقا أن يضعوا علي لسان الرسول الكريم عليه السلام تلك الاحاديث المزورة، التي تتناقض تناقضا بينا مع مجمل أحاديثه السابقة و سيرته، كما تتناقض مع كل ما ورد في القرآن الكريم بهذا الخصوص.
فكأنهم بذلك وضعوا مبادي ء لدين آخر لا يحمل من الاسلام الا اسمه و حسب، و فتحوا المجال لتمادي الظالمين و استهتارهم، في كل العصور و الامكنة، متذرعين بتلك الاحاديث المزورة، التي وضعوها علي لسان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم فقد روي البخاري في صحيحه، بسنده عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، انه قال لأصحابه:
[«أنكم سترون بعدي اثرة و امورا تنكرونها. قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله قال: أدوا اليهم حقهم، و اسألوا الله حقكم».
و انه صلي الله عليه و آله و سلم قال:
(من رأي من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فانه من فارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية).
و أن مسلمه بن زيد الجعفي سأله صلي الله عليه و آله و سلم قائلا:
(يا نبي الله أرأيت ان قامت علينا أمراء سألوننا حقهم و يمنعونا حقنا فما تري؟ فاعرض صلي الله عليه و آله و سلم عنه، فسأله ثانيا و ثالثا و الرسول معرض، فجذبه الاشعث بن قيس، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: «اسمعوا و اطيعوا، فان عليهم ما حملوا و عليكم ما حملتم»).
و عن عجرفة قال:
(سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: (انه ستكون هنات و هنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة و هي جميع، فاضربوه بالسيف كائنا ما كان».
و يمهد (صحابي) من أكثر رواة الحديث علي الاطلاق، لتمادي الأمويين في الظلم في العراق مخاطبا الحجاج و هو من العراق قائلا:
(يوشك أن يأتيك بقعان اهل الشام فيأخذوا صدقتك، فاذا أتوك فتلقهم بها، فاذا دخلوها فكن في أقاصيها، و خل عنهم و عنها، و اياك ان تسبهم، فانك ان سببتهم ذهب أجرك، و أخذوا صدقتك، و ان صبرت جاءتك في ميزانك يوم القيامة). [1] .
و هي (أحاديث) بدت موضوعة خصيصا الامراء منحرفين)، و كأن الانحراف أو الظلم هو القاعدة لمن يحكم، و هي نغمة لم تكن تعرف في عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و بدت لمسات معاوية واضحة فيها، و قد روينا (أحاديث) و قصص مشابهة أريد من نشرها و اشاعتها بين الناس اماتة روح المقاومة و الدفاع عن الحق و النفس و المال، و جعل الحكم استبداديا مطلقا بيد الامير الجائر، الذي لا يلتزم بمنهج الاسلام و شروط الخلافة و لا يخاف معارضة من الناس.
كان معاوية يعلم أنه بعيد عن الاسلام، فوضع تلك الأحاديث ليمر ظلمه و انحرافه و ظلم و انحراف كل من سيأتي بعده، و هو اقل منه بلا شك، ليتحمل هو مسؤولية ذلك أمام الله، أما الأمة فعليها ان تصبر تاركة الأمر له سبحانه ان يشأ يأخذ لهم بحقهم أو يشأ يسامح، و هو ما سيفعله علي الأغلب خصوصا اذا ما كان الامير (صحابيا) مثل معاوية أو أنه كان (مؤمنا بالقلب) كيزيد لا يضره عصيان كما قالت المرجئة و يستندون في ذلك الي حديث موضوع آخر، قالوا فيه ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم
قال:(لا تضر مع الايمان معصية، كما لا تنفع مع الكفر طاعة). فكأن الاسلام هو هذا، و كأن الايمان مجرد شعور لا يلزم الانسان باي عمل أو منهج، مادام قد اعلن ايمانه، أما كيفية التعبير عن ذلك و المنهج الحياتي لترجمته الي واقع عملي، فلا يهم، و ليس من ضرورة تدعو اليه. و هي دعوة خطرة، و لعلها من اخطر الدعوات التي تدعو لابعاد الاسلام عن الحياة.
هل هذه اقوال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم حقا؟
ستري الأمة من بعده اثرة و أمورا تنكرها.
و تري من أمرائها ما تكرهه.
و تري هؤلاء الأمراء تمنعها حقها.
و ستكون هنات و هنات.
و يأتي بقعان أهل الشام فيأخذوا صدقات أبنائها...
و قد كان ذلك فعلا. فما هو رد الفعل الذي طلبه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من أبناء الأمة؟ هل طلب منهم ما طلب القرآن...؟ ام انه أمرهم بالسكوت و الاستسلام...؟ يقول واضعو الحديث هؤلاء انه صلي الله عليه و آله و سلم قال:
أدوا اليهم حقهم، و اسألوا الله حقهم، اي لا تسألوهم حقكم و دعوا أمر ذلك لله،
و اسمعوا و أطيعوا و اصبروا.
بل و اضربوا من يتعرض للظالم بالسيف، و اقتلوه (كائنا ما كان)، حتي و لو كان هو الحسين...!! أليس ذلك ما طلع به علينا ابن العربي الذي اشرنا الي قوله من قبل: بان الحسين عليه السلام قتل بشرع جده أو بسيف جده.
فيزيد لم يفعل شيئا هنا سوي أن نفذ امر رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ليحافظ علي وحدة الامة و تماسكها.
هل هذا هو الاسلام و هل هذا منطقه؟ أم هو منطق الظالم الذي يريد اسكات كل صوت قد يرتفع ضده، و ضد ظلمه و خروجه عن قوانين الله و أحكامه؟ اتري ان أمثال هذه (الأحاديث) قد ظهرت حقا و تواترت حتي جاء الوقت المناسب الذي
طبقت فيه أحكامها؟ ام أن الاعلام الأموي الماهر بقيادة رأس الدولة (الداهية) معاوية قد مهد لظهورها و اشتري (المحدثين) و اضافهم الي حاشيته المترفة، و منحهم مئات الالوف من الدنانير الذهبية ليضعوها، و يضعها هو قاعدة لقيام حكمه الفرعوني الجديد؟ و حسبنا ان نشير الي انها و مثيلاتها، تلك التي حاولت الطعن بآل البيت عليهم السلام و الرفع من شأن منافسيهم و أعدائهم قد رويت علي السنة اولئك الأعداء و المنافسين؟ و الا فمن كان عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و سمرة بن جندب و أبوهريرة و غيرهم و غيرهم؟ أليسوا من الدائرين في الفلك الأموي و السائرين في ركابه؟
أين ذهبت آيات الجهاد و تلك التي تدعو للامر بالمعروف و النهي عن المنكر؟ هل نسخت بآيات اخري؟ أم بأقوال مزورة وضعت علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فكانت نقيضة لكل أقواله و تصرفاته و لكل ما جاء به القرآن الكريم؟
ان دراسة ذلك دراسة واعية متفهمة و الاطلاع علي الظروف التي برزت فيه أمثال تلك الأحاديث مع مثيلاتهاالتي تدعو لقبول الخليفة الفاسق و جواز بيعته و صحتها، امر لابد منه لتنقية الاسلام من الشوائب التي الحقت به، و فهم تاريخ المسلمين و الشخصيات المهمة التي برزت علي مسرحه فهما صحيحا، و تقويم كل الأحداث و الوقائع و الشخصيات علي ضوء الفهم الواعي المسترعب، ثم اعادة النظر بموافقنا الحالية و علاقاتنا و واقعنا.
ان فهم موقع الحسين عليه السلام من الامة، و من الرسالة ينبغي ان يؤخذ بنظر الاعتبار عند دراسة ثورته الكبيرة.
فهو ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و خليفته و وصيه و الأمين علي رسالته و أمته.
هذه هي الحقيقة، و ان جرد الامام، كما جرد أميرالمؤمنين و الحسن عليهم السلام من قبل، من منصب الخلافة، غير أن هذا المنصب الذي خص به من الله علي لسان رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و كان جديرا به، هل يتخلي عنه لمجرد أن فئة ضالة من الأمة نازعته اياه و ارداته لغيره؟.
هل يتخلي عن المسؤولية لأن الله أراد له أن يتخلي عنها، ام لأن هذه الفئة ارادت ذلك؟
و هل يستجيب لارادة الكفر و الترف و الانحراف لمجرد انه لا يحتل النصب القيادي الذي أعد له بشكل فعلي و تام؟
لعل هناك من يتساءل: هل كان الحسين عليه السلام المسؤول الوحيد الذي كان ينبغي أن يوقف الانحراف؟ و الجواب علي ذلك، انه كان المسؤول الاول، و ليس المسؤول الوحيد.
فاذا لم يقف الحسين عليه السلام وقفته تلك فمن كان سيفعل ذلك؟ و من الذي كان يستطيع اعادة الامور الي نصابها؟ أم أنها كان ينبغي ان تترك كما أراد النفعيون و المنهزمون الذين تحلقوا حول عرش كل فرعون علي مر التاريخ و زينوا له أطماعه و هواه؟
الي اي منطق كنا سنستجب، و نحن نحمل رسالة الاسلام، و ندرك أنها ليست مجرد اقرار بالقلب و انما عمل و فعل و ارادة؟ الي منطق موسي أم الي منطق فرعون؟ الي منطق محمد صلي الله عليه و آله و سلم أم الي منطق معاوية؟ الي منطق الحسين عليه السلام أم الي منطق يزيد؟.
ان هنا وقفة طويلة ينبغي ان يراجع فيها كل منا نفسه و عقله و واقعه، و يستعرض فيها المبادي ء العامة لدينه. و لهذا اشار أميرالمؤمنين عليه السلام بقوله: (الاسلام هو التسليم، و التسليم هو اليقين، و اليقين هو التصديق، و التصديق هو الاقرار، و الاقرار هو الأداء، و الأداء هو العمل). [2] .
فهل يجد أي منا ان هذا الدين قد ولد ليموت؟ و هل يجد أحد أنه يوصي بالاستسلام و الهزيمة و الخمول و التخاذل امام اعدائه مهما كان مركزهم و مهما كانت حججهم؟
أم أن امر الله واضح لا جدال فيه؟
و سلام علي ابي الحسن عندما يقول:
(ولعمري ما علي من قتال من خالف الحق و خابط البغي من ادهان و لا ايهان، فاتقوا الله عباد الله، و فروا الي الله من الله، و امضوا في الذي نهجه لكم، و قوموا بما عصبه بكم، فعلي ضامن لفلجكم [3] أجلا، ان لم تمنحوه عاجلا). [4] .
و علي ضامن هزيمة كل من يخالف الحق و يخابط الباطل...، لأن الله ينصر من ينصره.
و لنتذكر أننا نتحدث بمنطق الاسلام و لغة القرآن.
أما اذا كنا نتكلم بمنطق معاوية و لغة فرعون...، فلن نتفق.
پاورقي
[1] صحيح البخاري: م 87 / 8، م 129 - 1 19 / 2.
[2] نهجالبلاغة: 491.
[3] الفلج، النصر.
[4] نهجالبلاغة: 66.