بازگشت

بعض القراءات الخاطئة للنصوص التي اخبرت عن استشهاد الحسين


و هكذا استنتج بعضهم، مما ورد من النصوص السابقة، أن الحسين عليه السلام.

قد سار لحتفه بتلك (الطريقة الانتحارية المريعة) استجابة للمشيئة الالهية، أو التكليف الالهي الذي رصد له الامام الحسين عليه السلام شخصيا، و الذي استجاب له بقوة و حماس باعتباره يتمتع بقوة امام معصوم لا تتاح للافراد العاديين، و ان مسؤوليته كانت الاستجابة للمشيئة الالهية دون فهم الاسباب الحقيقية لذلك، و بذلك يجردون الحدث من دوافعه الحقيقية و من شموله و احتمال تكراره، و ابعاده عن الاستطاعة البشرية للناس الآخرين الذين لا يتمتعون بعصمة الائمة و قوتهم و قدرتهم علي مواجهة الموت ان استدعي الامر في سبيل العقيدة.

و اذا ما فعلوا ذلك، فكيف يستطيعون تبرير ذلك الاقدام الشجاع علي الموت من قبل اصحاب الامام عليه السلام، الذين استشهدوا معه و لم يترددوا أو يتخاذلوا أو يفكروا بالتراجع، حتي عندما سمح لهم الامام عليه السلام بتركه لان الدولة الأموية كانت تطلبه شخصيا لمركزه و مكانته من الامة؟ ان من يجرد الامام عليه السلام من صفة البشرية التي تتألم و تعاني و تفكر و تتأثر و تنفعل و يضفي عليه صفات الملائكة المطيعة المستجيبة المسبحة بامر و مشيئة الهية، لا مجال معها للاختيار، ربما يكون بذلك قد حرمه من الثواب الجزيل الذي ينتظره من الله لاستجابته الا رادية الواعية و فهمه للموقف الدقيق الذي كانت تعيشه الامة، و اقدامه علي تلك المسيرة الملحمية التي لفتت نظرها بشكل حاد، فهل كان الحسين عليه السلام (مجبرا) بدافع المشيئة الالهية، التي طلبت منه ذلك شخصيا، ام انه كان مستجيبا لدوافع و عيه و فهمه لاوضاع الامة المتردية، و التي لم يكن ليخلصها مها سوي ذلك الموقف البطولي، بل الموقف الوحيد الذي كان يمكن أن يقوم به امام الامة و خليفتها الحقيقي، لانقاذ الأمة و خلافتها الحقيقية؟ و الذي كان مطلوبا من كل فرد آخر من الامة.

ألم يكن الأنبياء و الاوصياء و حتي بعض ابتاعهم المؤمنين، يتوقعون موتا محتما و هم يواجهون مجتمعات جاهلية ذات قيادات حريصة علي مصالحها و امتيازاتها، و لم يكن من المتوقع ان تستجيب بسهولة الي دعواتهم للمساواة و العدالة والعبودية لله؟


هل تردد احد منهم أو حاد عن المهمة التي أرسل بها؟

و هل كانت مسيراتهم و استجاباتهم غير واعية و غير ارادية و تمت دون معاناة أو تخطيط أو اعداد؟

هل ذكر في سجل الأنبياء ان احدا منهم تنازل أو تخلي و لم يكمل مهمته حتي النهاية؟ رغم ان بعضهم ربما قد علم بالمتاعب و المصاعب التي قد تصل الي مواجهة الموت و أخبرهم الله بها يقينا؟

لقد كلفوا بمهمة علموا أن عليهم انجازها حتي النهاية، فلم يترددوا، و كان الامر نفسه مع بعض اتباعهم المؤمنين، رغم انهم لم يبلغوا شخصيا و لم تنزل عليهم رسالات الأنبياء، و مع ذلك فان ايمانهم بلغ من القوة و كأن الوحي قد نزل عليهم شخصيا.

ألم تصادفنا حالات كثيرة علي امتداد تاريخ الانبياء و الرسل؟

ألم تكن الحالات التي صادفتنا خلال عهد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كافية لكي تجعلنا ندرك ان وجود امثال هؤلاء الاشخاص حقيقي و ان افعالهم كانت مطبوعة بالطابع الارادي الواعي، و ذهبوا الي حد التضحية بأنفسهم رغم علمهم بالمصير الذي سيلقونه، بل أن بعضهم ذهب الي حد تمني ذلك المصير و نيل الشهادة و طلب من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أن يدعو له الله لكي يرزقها، و لم يمنعهم علمهم المسبق بالشهادة من التردد أو التراجع، بل انه لم يقلل من حماسهم و اندفاعهم و فرحهم بذلك، بل و اعتبروه من مواطن البشري و الشكر كما فعل أميرالمؤمنين عليه السلام، و قد روي لنا أميرالمؤمنين عليه السلام نفسه، قال:

انه لما أنزل سبحانه، قوله:(ألم أحسب الناس أن يتركو أن يقولوا أمنا و هم لا يفتنون)، علمت أن الفتنة لا تنزل بنا و رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بين أظهرنا. فقلت: يا رسول الله، ما هده الفتنة التي أخبرك الله تعالي بها؟ فقال: «يا علي، ان أمتي سيفتنون من بعدي»، فقلت: يا رسول الله، أو ليس قد قلت لي يوم أحد حيث استشهد من المسلمين، و حيزت عني، فشق ذلك علي، فقلت لي: «أبشر فان الشهادة من ورائك» فقال لي: «ان ذلك لكذلك، فكيف صبرك اذن؟ فقلت: يا رسول الله، ليس هذا من مواطن الصبر، ولكن من مواطن البشري و الشكر). [1] .


و قد رويت اخبار عديدة عن بعض اصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في معركة بدر و غيرها...، (ففي بدر خرج رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي الناس فحرضهم، و قال:

و الذي نفس محمد بيده، لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرا محتسبا، مقبلا غير مدير، الا أدخله الله الجنة. فقال عمير بن الحمام، أخو بني سلمة، و في يده تمرات يأكلهن: بخ بخ، أفما بيني و بين أن أدخل الجنة الا ان يقتلني هؤلاء، ثم قذف التمرات من يده، فقاتل القوم حتي قتل.

و ان عوف بن الحارث، و هو ابن عفراء قال: يا رسول الله، ما يضحك الرب من عبده؟ قال: غمسه يده في العدو حاسرا. فنزع درعا كانت عليه فقذفها. الحسين عليه السلام (مجيرا) بدافع المشيئة الالهية، التي طلبت منه ذلك شخصيا، ام انه كان مستجيبا لدوافع وعيه و فهمه لاوضاع الامة المتردية، و التي لم يكن ليخلصها منها سوي ذلك الموقف البطولي، بل الموقف الوحيد الذي كان يمكن أن يقوم به امام الامة و خليفتها الحقيقي، لانقاذ الامة و خلافتها الحقيقية؟

و الذي كان مطلوبا من كل فرد آخر من الامة.

ألم يكن الأنبياء و الأوصياء و حتي بعض اتباعهم المؤمنين، يتوقعون موتا محتما وهم يواجهون مجتمعات جاهلية ذات قيادات حريصة علي مصالحها و امتيازاتها، و لم يكن من المتوقع أن تستجيب بسهولة الي دعواتهم للمساواة و العدالة والعبودية لله؟

هل تردد أحد أو حاد عن المهمة التي ارسل بها؟

و هل كانت مسيراتهم و استجاباتهم غير واعية و غير ارادته و تمت دون معاناة أو تخطيط أو اعداد؟

هل ذكر في سجل الأنبياء أن أحدا منهم تنازل أو تخلي و لم يكمل مهمته حتي النهاية؟ رغم أن بعضهم ربما قد علم بالمتاعب و المصاعب التي قد تصل الي مواجهة الموت و اخبرهم الله بها يقينا؟

لقد كلفوا بمهمة علموا أن عليهم انجازها حتي النهاية، فلم يترددوا، و كان الأمر نفسه مع بعض اتباعهم المؤمنين، رغم انهم لم يبلغوا شخصيا و لم تنزل عليهم رسالات الأنبياء، و مع ذلك فان ايمانهم بلغ من القوة و كأن الوحي قد نزل عليهم شخصيا.

الم تصادفنا حالات كثيرة علي امتداد تاريخ الأنبياء و الرسل؟


الم تكن الحالات التي صادفتنا خلال عهد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كافية لكي تجعلنا ندرك أن وجود أمثال هؤلاء الاشخاص حقيقي و أن افعالهم كانت مطبوعة بالطابع الارادي الواعي، و ذهبوا الي حد التضحية بانفسهم رغم علمهم بالمصير ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتي قتل.

و عكاشة بن محصن الذي قال لرسول الله (ص) حين قال رسول الله (ص): يدخل الجنة سبعون ألفا من أمتي علي صورة القمر ليلة البدر، قال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: انك منهم، أو اللهم اجعله منهم). [2] .

(و قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حين غشيه القوم [في أحد]:

من رجل يشري لنا نفسه؟ فقام زياد بن السكن في نفر خمسة من الأنصار، فقاتلوا دون رسول الله (ص)، رجلا ثم رجلا يقتلون دونه...

و عمرو بن الجموح كان رجلا أعرج شديد العرج، و كان له بنون أربعة مثل الأسد، يشهدون مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم المشاهد، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه و قالوا له: ان الله عزوجل قد عذرك فأتي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال: ان بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه، و الخروج معك فيه، فوالله أني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد عليك، و قال لبنيه: ما عليكم ان لا تمنعوه، لعل الله أن يرزقه الشهادة، فخرج معه، فقتل يوم أحد). [3] .

و قد استبشر عمار بن ياسر الذي وعده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بالشهادة و قال له «تقتلك الفئة الباغية الناكبة عن طريق الحق» و أخبر صلي الله عليه و آله و سلم أن آخر رزقه ضياح من لبن، عندما تقدم في صفين لمقاتلة جيش معاوية و قال:

(ائتوني بآخر رزق لي من الدنيا، فأتي بضياح من لبن في قدح أروح فقال: (و الله لو ضربونا حتي يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا علي الحق و أنهم علي الباطل، و جعل يقول: الموت تحت الأسل، و الجنة تحت البارقة... و قال: اللهم انك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في صدري ثم أنحني عليها، حتي تخرج


من ظهري لفعلت، و ان لا أعلم اليوم عملا هو أرضي لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، و لو أعلم أن عملا من الأعمال هو رضي لك منه لفعلته). [4] .

و هناك عشرات الروايات التي بشر فيها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعض صحابته بالجنة، و قد استبشروا بذلك و فرحوا و تسابقوا الي الموت و ملاقاة العدو دون تردد أو خوف.

و اذا ما قيل أن هذا موقف أمام معصوم يمتاز بقدرة استثنائية علي التحمل في سبيل الله، فقد رأينا مواقف من هم أقل منه من الناس العاديين الذين اندفعوا نحو الشهادة و استبشروا بها فكانوا بذلك متفوقين علي الآخرين بشكل لا يوصف.

و لعل أصحاب الحسين عليه السلام، و هم أناس عاديون، مكلفون بواجباتهم كبقية البشر، خير مثال علي الاستعداد الكامل لملاقاة الموت رغم اليقين و العلم المسبق بذلك، كما دلت وقائع الأحداث و كما سنري عند استعراض تفاصيل واقعة الطف بعون الله.

كان الحسين عليه السلام قادرا وفق الحسابات العادية أن يضع يده بيد يزيد و يبايعه و بذلك كان يستطيع منع مصيبة الموت أن تحل به، غير أنه وفق حسابات الرسالي و العالم الرباني و المتسجيب للحكم الالهي و المشيئة الالهية، كان يري أنه غير مستطيع أن يفعل ذلك، و أنه مجبر علي مناوئة الدولة اليزيدية الظالمة، ليتم ايقاف الانحراف، مع أن ثمن ذلك لابد أن يكون دمه و دم أصحابه و سبي و تشريد عياله و أصفاله.

و لعل فرحه لاختياره لتلك المهمة الصعبة، التي كان يعلم أنه سينجح فيها الي حد بعيد يفوق أساه علي حال الأمة، التي انهزمت و استسلمت و تخاذلت أمام الظلم الأموي، و علي أولئك الذين تصدوا لمقاومته و قتله خصوصا و أنهم كانوا يستطيعون الوقوف معه و في صفة بوجه تلك الدولة و مع ذلك انقبلوا عليه و وقفوا ضده بمجرد ان لوحت لهم بسيفها و أكياس نقودها.

كان ذلك مؤشر انحدار فظيع تقع فيه الامة، فهل هي حقا نتاج ذلك الجيل الاول من الصحابة الذي رباه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أعده لتربية الأجيال اللاحقة، كيف سيكون الامر بعد خمسين سنة أخري، مادام نتاج الخمسين الأولي هو هذا؟


أتري ان امرا كهذا لم يكن يهز شخصا بمستوي الامام الحسين عليه السلام و بمستوي شعوره بالمسؤولية؟

تري لو أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لو كان يعيش و شهد ما شهده الحسين عليه السلام هل كان يقول: و ما علي من ذلك، الم ابلغهم، و لو ان أميرالمؤمنين عليه السلام كان موجودا هل كان يتصرف تصرفا لا مباليا و يقول علي بنفسي.

هل طلب أولئك الذين (نصحوا) الامام عليه السلام و حذروه من الخروج الي العراق، سوي ان يعلن الامام الحسين عليه السلام تخليه عن المسؤولية و (يفوز) بالسلامة عسي أن يحظي بأعوام قليلة يضيفها الي عمره؟

أن ردود الامام الحسين عليه السلام الاخري لناصحيه و محذريه أكدت علي نقطتين أساسيتين:

الأولي: أنه يري نفسه ملزما، بل أول مسؤول في الأمة، لكي يوقف الانحراف و لمنع الظلم و الجور، و هذا ما رأيناه في وصيته لمحمد بن الحنفية و في خطابه قبيل مغادرة مكة، و في رسائله لأهل البصرة و أهل الكوفة، و في خطابه أمام أصحابه و أصحاب الحر و جيش اين زياد، و هذا الأمر واضح يبرر خروجه الي الكوفة.

الثانية: أنه يري أن هذه المهمة لن تتم يمجرد التمني و اشعار الظالم بأنه ظالم و أن عليه أن يوقف ظلمه و انحرافه، فالظالم هنا أصبح طبقة كاملة لها امتيازاتها و نفوذها و ثرواتها و مصالحها، و لن تقبل بالتنازل ولو عن شي ء يسير من ذلك، و ستتصدي بعنف لكل محاولة تلمس منها الخطر عليها، و معني نجاح الحسين عليه السلام في مهمته كان يعني القضاء عليها الي الأبد، و هو أمر ممنوع و غير مسموح به، و لأن تلك الطبقة قوية بما فيه الكفاية، فاحتمال تعرضه لخطر الموت و هو و أصحابه، يل لميتة شنيعة تقطع فيها الرؤوس و تداس فيها الجثث و تترك للطيور و الجوارح أياما عديدة، امر وارد جدا.

و لعله كان علما من العلم الذي علمه الله لجبرائيل فأخبر به رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و علم به الأئمة عليهم السلام.

تري لو أن الحسين عليه السلام، لم يكن مكلفا و معدا منذ البداية لانجاز هذه المهمة الضخمة، و لم يخبر أنه سينال شرف القيام بها، أما كان يتمني حقا و يدعو الله أن يتيح له فرصة القيام بها و لو بالتضحيات الكبيرة التي دفعها ثمنا لذلك؟


أكان شعور بعض صحابة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الذين طلبوا منه ان يدعو الله لكي يستشهدوا بين يديه اكبر من شعوره هو بالمسؤولية؟

هل لمس أحد في أجوبته انه كان يريد أن يقول أنه مكلف بمهمة شخصية بحتة لا يقدر غيره علي انجازها أو المساهمة فيها؟ أم أنه كان يستنهض الأمة كلها، و يضع أمله في كل شخص، و يري أن الفرصة سانحة للتغيير و الوقوف الي صفه؟ و يري في ذلك نصرا لقضيته؟ مع أن من يقف في صفه في النهاية لا يستطيع دفع خطر الموت عنه، كما في قضية الحر مثلا؟ و لقد كان منهج الحسين عليه السلام في هذه القضية منهجا اسلاميا اصيلا، و قد عبر عن ذلك أميرالمؤمنين عليه السلام و قد استبطأ أصحابه اذنه لهم في القتال بصفين قائلا:

(أما قولكم: أكل ذلك كراهية الموت فوالله ما أبالي، دخلت الي الموت أو خروج الموت الي. و أما قولكم: شكا في أهل الشام؟ فوالله ما دفعت الحرب يوما الا و أنا أطمح أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي، و تعشو الي ضوئي، و ذلك أحب الي من أن أقتلها علي ضلالها، و ان كانت تبوء بآثامها). [5] .

لقد كان يعد كسب شخص واحد الي خطه الرسالي الصحيح نصرا للاسلام، و كان بذلك يعلن أن أمله سيظل كما هو و ان الأمة لابد أن تعود الي الاسلام رغم القوة الظاهرية لاعدائه.

اننا اذا ما فسرنا قيام الحسين عليه السلام بثورته علي أنه استجابة للقدر الذي كتب عليه، فانا يمكن أن نعطي الفرصة لأصحاب المنطق الملتوي من مبتدعي المذاهب المضللة كالجبرية ليقولوا: ان قتل الحسين عليه السلام كان مقررا من قبل الله عزوجل منذ البداية، و لم يكن الجيش و كل المشاركين بالجريمة سوي أدوات استجابت للمشيئة الالهية ايضا، و معني ذلك رفع مسؤولية الجريمة عنها نهائيا. ألم يكن مثل هذا المنطق البدائي قد ظهر فعلا و بتشجيع من معاوية حتي صار مذهبا و معتقدا لعشرات الآلاف من المسلمين المضللين المغرر بهم؟ ألم يكن ذلك تمهيدا لانتهاكات اشد خطورة يقدم عليها الحاكم الظالم و بطانته ليلقوا مسؤولية ذلك علي الله جل و علا؟

لقد أشار الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الي ان أمته ستفتن من بعده، و انها ستتوزع الي فئات


و طوائف ستكون منها فئة باغية، و لعل هذه الفئة لن تكون قليلة العدد و الامكانات، كما أن أميرالمؤمنين عليه السلام اشار في مناسبات عديدة الي ذلك و الي ظهور الفتن و تسلط أناس كمعاوية و مروان و اشباههما، فقد قال عليه السلام عن معاوية.

(أما أنه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق الباطن، يأكل ما يجد، و يطلب ما لا يجد، فاقتلوه، و لن تقتلوه، الا و أنه سيأمركم بسببي و البراءة مني). [6] .

و قال عن مروان:

(أما ان له امرة كلعقة الكلب أنفه، و هو أبوالأكبش الأربعة، و ستلقي الأمة منه و من ولده يوما أحمر). [7] .

و طبيعي أنهما لم يقولا أن ذلك ما كان ينبغي ان يكون في ظل الاوضاع الطبيعية، و في ظل التسلسل المطلوب لصعود الامة و ارتفاعها، ولكنهما أشارا الي ان ذلك سوف يكون هبوطا هائلا عن القمة الاولي، و أنه قد يستدعي جهودا هائلة لا يقافه، و ثمنا غاليا، قد يكون الدماء الزكية للمخلصين من خيرة أبناء الأمة، اذ ان هؤلاء سيكونون في مقدمة الذين سيدركون الخطر و يتصدون له، ان علموا بذلك يقينا أو ان مجريات الامور تدل علي ذلك، اذ ما يتوقع من يتصدي لفرعون غير بطش فرعون و سيف فرعون و تعطش فرعون للدماء.

لقد أدرك الحسين عليه السلام خطورة مهمته، و ان لن يتمكن من انجازها بسهولة، و أن العنف سيكون هو رد الفعل الاول للدولة الظالمة، و ان الشهادة محتملة، بل محققة كما اخبر جده صلي الله عليه و آله و سلم لكنه مع ذلك يقدم و لا يتراجع، لأن النتائج المحتملة ستكون اعظم من السنوات الباقية من عمره لو استسلم و قعد و هادن يزيد، بل ما قيمة تلك السنوات اذا ما انهاها بالاستسلام؟

أنه بذلك يكون قد ضيع كل ما بناه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كل الانبياء و الاوصياء علي مر التاريخ، وضيع تضحياتهم و عذاباتهم و دماءهم، و يكون قد غدر بهم و اعطي المبرر لاعدائهم لا دعاء الشرعية و فرض احكام الجور و سلطان الظلم.


ان سليل الأنبياء سيكون بذلك أول من أضاع رسالاتهم، و فتح الطريق أمام ضياع شامل لكل الناس.

فهل يفعل ذلك من فهم الرسالة ذلك الفهم الوعي، و اقترب من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم الي درجة انه كان جزءا منه، بل و أن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أعلن انتماءه صلي الله عليه و آله و سلم اليه في حديث شهير (حسين مني و انا من حسين).

و اذا ما فهم كل فرد معني انتماء الحسين عليه السلام للرسول صلي الله عليه و آله و سلم و لرسالته العظيمة، فانه لن يكون من العسير فهم تصريح الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بأنه ينتمي للحسين عليه السلام، فالرسول صلي الله عليه و آله و سلم هو صاحب الرسالة و هو اول منتم اليها، و اذا ما أحيا الحسين عليه السلام تلك الرسالة التي اوشكت ان تندثر بفعل الانحراف و الظلم و المصالح، فكأنه بذلك قد أعاد للمسلمين هو يتهم الحقيقية و انتماءهم الحقيقي، و أحياء دينهم مرة أخري، و اعطاهم الفرصة ثانية للانتماء الحقيقي اليه و الحرص عليه و عدم اضاعته مرة ثانية، و ان استدعي الامر ان يبذلوا ما بذل، و ما بذل لم يكن بالأمر الهين علي أي حال، و من هنا كان فخر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم به و اعتزازه بذلك الموقف الفريد الذي سيظل ماثلا علي الدوام أمام أمته.

لقد اراد صلي الله عليه و آله و سلم أمته كلها أن تقول: و انا من حسين، ان تعلن انتماءها اليه و ان تكون أمة حسينية كما هي أمة محمدية.


پاورقي

[1] نهج‏البلاغة، تحقيق صبحي الصالح، 22.

[2] السيرة النبوية لابن‏هشام، م 638 - 628 627 - 623 / 2.

[3] نفس المصدر السابق، 81 / 3.

[4] الطبري، 98 / 3.

[5] نهج‏البلاغة: 481 - 102 - 92 - 91.

[6] المصدر السابق.

[7] المصدر السابق.