النبي يخبر الصحابة باستشهاد الحسين
و هكذا اطلت بصيرة الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم المسددة بالعلم الالهي المؤكد، علي ما سيأتي من الاحداث و الوقائع، بعد علم بواقع المسلمين، و ما يمكن ان يحدث بعد وفاته و اختفائه من الساحة، و توقعه ان تكون الظاهرة الاولي بعد اختفائه هو الخلاف علي منصب خلافته، و ان ذلك يمكن ان يجر وراءه المزيد و المزيد من الخلافات، و يثير مطامع أبعد الناس عن الاسلام، ما داموا يرون انفسهم لا يقلون منزلة و مكانة و كفاءة عن المتصدرين الاوائل الذين احتلوا هذا المركز، كما حدث فعلا عندما أراد معاوية ان يجعل من نفسه بنظر الأمة مساويا، بل و متفوقا علي من سبقوه بابتكار الاحاديث المناسبة علي لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم كما رأينا، و هي (احاديث) يبدو التكلف و الوضع و التزوير واضحا عليها.
و ادرك صلي الله عليه و آله و سلم ان الامة بدافع من المنافسة الحادة و التكالب الشديد علي السلطة و الجاه و الثروة و النفوذ، ستستبعد المؤهلين الحقيقيين لقيادة الامة علي خطه و منهجه، و هم آل البيت عليهم السلام. و مع ان مهمتهم الرئيسية ستكون التصدي للانحراف الا ان وسائلهم لن تكون الا وسائل و ادوات الاسلام، و هي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و الجهاد بالاموال و الانفس في سبيل الله.
و هي وسائل مستقيمة درست من قبل العدو دراسة مستفيضة، واعد مقابلها وسائله الشيطانية، التي تعتمد الخداع و الدجل و الرشوة و اللجوء الي أشد الأساليب بربرية و همجية تجاه من يقفون عقبة لتحقيق مطامحه و هواه.
و لم يكن علمه صلي الله عليه و آله و سلم بالذي يخفي عن آله عليهم السلام، و أولهم أميرالمؤمنين عليه السلام الذي عبر عن ذلك بوضوح قائلا ان تعلمه من ذي علم، فلم يكن ما يقوله رجما بالغيب، و انما علم وصله عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم.
لقد علم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم كما ورد الينا بالروايات الموثقة المسندة ان الانحراف سيبلغ مداه بعد نصف قرن علي يد أبعد الناس عن الاسلام، و علم ان احد أولاده و هو الحسين عليه السلام، سيواجه أكبر زخم لهذا الانحراف، و ان مهمته لن تكون سهلة، اذ
لن يتخلي الحاكم المنحرف حينذاك عن سلطته و مملكته لمجرد صيحة أو دعوة يسمعها منه، و لابد ان يبدي شراسته امام مثل تلك بدعوة.
لقد كان الامام الحسين عليه السلام يعلم بأن خطبه لن تغير من واقع الامة و علمائها بشكل فجائي، ولكنه كان يعلم أيضا بانها ستؤسس لمنهج أصيل يبين ما يجب ان تكون عليه الامة الاسلامية و علماؤها، نلمس ذلك بوضوح في وصية الامام الحسين عليه السلام قبل خروجه، و فيها تأكيد علي الصحوة المهمة التي كان يقوم بها، و انه ربما سيمضي فيها وحيدا الا في قلة من اصحابه، و هذا ما توقعه بالضبط، عندما عزم علي المضي الي النهاية مهما كانت العواقب.
(اني لم اخرج اشرا ولا بطرا و لا! مفسدا و لا ظالما، و انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، أريد ان آمر بالمعروف و انهي عن المنكر، فمن قبلني بقبول الحق، فالله اولي بالحق، و من رد علي هذا اصبر حتي يقضي الله بيني و بين القوم، و هو خير الحاكمين). [1] .
لقد كان الحسين عليه السلام يعلم بانه مقتول، علما تفصيليا لكل ما سيجري عليه و علي آل بيته و حريمه، عهدا عهده اليه جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و أبوه علي أميرالمؤمنين عليه السلام.
1- روي عن أنس بن الحرث الكاهلي، و هو من صحابة النبي صلي الله عليه و آله و سلم، و قد شهد معه بدرا و حنينا انه سمع النبي صلي الله عليه و آله و سلم يقول:
(ان ابني هذا يعني الحسين يقتل بارض كربلاء، فمن شهد ذلك منكم فلينصره). [2] .
2- عن سعيد بن طريف قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم:
(يقتل الحسين علي رأس ستين سنة من مهاجري). [3] .
3- عن أم سلمه زوج النبي صلي الله عليه و آله و سلم قالت:
(كان عندي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و معي الحسين، فدنا من النبي صلي الله عليه و آله و سلم فأخذته، فبكي فتركته، فدنا منه فأخذته، فبكي، فقال له جبريل: أتحبه يا محمد؟
قال: نعم. قال: اما ان امتك ستقتله، و ان شئت اريتك من تربة الارض التي يتقل بها، فبسط جناحه، فأراه منها، فبكي النبي (صلي الله عليه و آله و سلم). [4] .
4- (و روي ان النبي صلي الله عليه و آله و سلم اعطي أم سلمة ترابا من تربة الحسين، حمله اليه جبريل، فقال النبي صلي الله عليه و آله و سلم لأم سلمة، اذا صار هذا التراب دما، فقد قتل الحسين. فحفظت أم سلمة ذلك التراب في قارورة عندها، فلما قتل الحسين، صار التراب دما، فأعلمت الناس بقتله). [5] .
5- و عن أم سلمة قالت: قال: صلي الله عليه و آله و سلم:
(ان جبريل اخبرني ان ابني هذا يقتل، و انه يشتد غضب الله علي من يقتله). [6] .
6- و روي عن أم سلمة و عائشة عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم انه قال:
(ان ابني الحسين قتل و هذه تربة تلك الارض). [7] .
و روي عنه صلي الله عليه و آله و سلم، انه قال:
7- (ان جبريل اراني التربة يقتل عليها الحسين، فاشتد غضب الله علي من يسفك دمه،فيا عائشة، و الذي نفسي بيده، انه ليحزنني، فمن هذا من امتي يقتل حسينا). [8] .
8-عن ام الفضل بنت الحارث قال:
(قال صلي الله عليه و آله و سلم اتاني جبريل، فأخبرني ان امتي ستقتل ابني هذا يعني الحسين و اتاني بتربة من تربته، حمراء). [9] .
9- و قال صلي الله عليه و آله و سلم:
(اخبرني جبريل ان حسينا يقتل بشاطي ء الفرات). [10] .
10- عن ابن عباس قال:
(قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: ان جبريل اخبرني ان الله عزوجل قتل بدم يحيي ابن زكريا سبعين الفا، و هو قاتل دم ولدك الحسين سبعين الفا). [11] .
11- عن الشعبي قال:
بلغ ابن عمر، و هو بمال له ان الحسين بن علي عليه السلام توجه الي العراق، فلحقه علي مسيرة يومين أو ثلاثة، فقال له: الي أين؟ فقال له: هذه كتب أهل العراق و بيعتهم. فقال له: لا تفعل، فابي. فقال له ابن عمر: ان جبريل اتي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فخيره بين الدنيا و الآخرة، فاختار الآخرة، و لم يختر الدنيا، و انكم بضعة من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، كذلك يريد منكم. فاعتنقه و قال: استودعك الله و السلام). [12] .
12- و قال صلي الله عليه و آله و سلم:
(ان جبريل اتاني ان ابني الحسين تقتله امتي. فقلت: فأرني تربته، فاتاني بتربة حمراء). [13] .
13- و قال صلي الله عليه و آله و سلم:
كأني انطر الي كلب ابقع يلغ في دماء أهل بيتي). [14] .
14- و قال صلي الله عليه و آله و سلم:
(يزيد، لا بارك الله في يزيد الطعان اللعان. اما انه نعي حبيبي و سليلي حسين، أتيت بتربته و رأيت قاتله، أما انه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه الا عمهم الله بعقاب). [15] .
15- عن عمرة بنت عبد الرحمن انها قالت:
(اشهد لسمعت عائشة تقول: انها سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: يقتل الحسين بارض بابل). [16] .
16- روي ان عمر الاطرف بن أميرالمؤمنين عليه السلام، و هو شقيق العباس الاصغر، و امهما الصهباء، من بني تغلب، دخل علي الحسين عليه السلام حينما بلغه خروجه من المدينة و قال له:
جعلت فداك يا اباعبدالله حدثني أخوك أبومحمد الحسن عن أبيه عليه السلام: حدثني أبي، ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اخبره بقتله و قتلي، و لتلقين فاطمة اباها شاكية ما لقيت ذريتها من أمته، و لا يدخل الجنة احد أذاها في ذريتها). [17] .
17- و قال الحسين لأم سلمة عندما حذرته من الخروج قائله انها سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول:
«يقتل ولدي الحسين بارض العراق في ارض يقال لها كربلاء»:
(يا أماه، و انا و الله اعرف ذلك و اعلم مقتول مذبوح ظلما و عدوانا، و قد شاء الله ان يري حرمي و رهطي و نسائي مشردين، و اطفالي مذبوحين مأسورين مقيدين، و هم يستغيثون فلا يجدون ناصرا و لا معينا، قالت أم سلمة: واعجباه فاني تذهب و انت مقتول؟
قال الحسين: يا أماه، ان لم اذهب اليوم ذهبت غدا، و ان لم اذهب في غد ذهبت بعد غد، و ما من الموت و الله بد، و اني لأعرف اليوم الذي اقتل فيه و الساعة التي أقتل فيها، و الحفرة التي أدفن فيها، كما اعرفك، و انظر اليها كما انظر اليك). [18] .
18- و خطب الحسين عليه السلام قبيل خروجه من مكة خطبة جاء فيها:
(و ما أولهني الي اسلافي). [19] .
19- و قال: عليه السلام لابن الزبير:
(و ايم الله لو كنت في (حجر) هامة من هذه الهوام لاستخرجوني، حتي يقضوا بي حاجتهم، و الله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت). [20] .
20- و قال عليه السلام لمحمد بن الحنفية:
(أتاني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بعدما فارقتك، فقال:«يا حسين اخرج، فان الله قد شاء ان يراك قتيلا».
و قال بشأن خروج النسوة معه
(ان الله شاء ان يراهن سبايا). [21] .
21- و قال عليه السلام عندما بلغه مقتل مسلم بن عقيل عليه السلام:
(فمنهم من قضي نحبه و منهم من ينتظر، و ما بدلوا تبديلا ثم قال: االلهم لنا و لشيعتنا عندك منزلا كريما، و اجمع بيننا و بينهم في مستقر رحمتك و رغائب مذخور ثوابك انك علي كل شي ء قدير). [22] .
22- و روي عن علي بن الحسين، زين العابدين عليه السلام قوله:
(خرجنا مع ابي الحسين، فما نزل منزلا، و ما ارتحل منه، الا و ذكر يحيي ابن زكريا و قتله، و قال يوما: و من هوان الدنيا علي الله عزوجل ان راس يحيي ابن زكريا اهدي الي بغي من بغايا بني اسيرائيل [و سيهدي رأسي الي يزيد بن معاوية]. [23] .
23- و قال عليه السلام لأبي هرة الازدي، عندما نزل الثعلبية في طريقه الي الكوفة:
(ان بني أمية اخذوا مالي فصبرت، و شتموا عرضي فصبرت، و طلبوا دمي فهربت. يا أباهرة، لتقتلني الفئة الباغية، و ليلبسنهم الله تعالي ذلا شاملا و سيفا قاطعا، و ليسلطن الله عليهم من يذلهم، حتي يكونوا اذل من قوم سبأ، اذ ملكتهم امرأة منهم، فحكمت في أموالهم و دمائهم). [24] .
24 - و قال عليه السلام للحر بن يزيد الرياحي حينما قال له هذا:
«يا حسين اني اذكرك الله في نفسك، فاني اشهد لئن قاتلت لتقاتلن، و لئن قوتلت لتهلكن فيما اري»
«افبالموت تخوفني؟ و هل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني؟ و سأقول لك، كما قال اخو الاوس لابن عمه حين لقيه و هو يريد نصرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فخوفه ابن عمه، و قال له: أين تذهب فانك مقتول، فقال:
سامضي و ما بالموت عار علي الفتي
اذا ما نوي حقا و جاهد مسلما
و واسي الرجال الصالحين بنفسه
و خالف مثبورا و فارق مجرما
فان عشت لم اندم و ان مت لم ألم
كفي بك ذلا ان تعيش و ترغما [25] .
25 - و قال عليه السلام لاصحابه عندما وصلوا كربلاء:
(هذا موضع كرب و بلاء، انزلوا، ها هنا محط رحالنا و مناخ ركابنا و مقتل رجالنا، و مسفك دمائنا، و هنا محل قبورنا، بهذا حدثني جدي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم. [26] .
26 - و قال عليه السلام في رسالة له لبني هاشم عندما عزم علي مغادرة مكة الي العراق:
(أما بعد فانه من لحق بي منكم استشهد، و من لم يلحق بي لم يدرك الفتح). [27] .
27- (عن عبدالله بن يحيي عن ابيه، انه سافر مع علي و كان مع علي مطهرته، فلما حاذي بيوتنا، و هو منطلق الي صفين، فنادي علي:
صبرا اباعبدالله، صبرا اباعبدالله بشاطي ء الفرات، فقتل له: ماذا اباعبدالله؟ فقال:
دخلت علي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و عيناه تفيضان، قال: قام من عندي جبريل عليه السلام قبل و حدثني ان الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال هل لك الي ان اشمك من تربته؟ قلت نعم: فمد يده فقبض قبضة من تراب فاعطانيها، فلم املك عيني ان فاضتا). [28] .
28- (عن هرثمة بن سليم قال:
غزونا مع علي عليه السلام صفين، فلما نزل بكربلاء صلي بنا، فلما سلم، رفع اليه من تربتها فشمها، ثم قال: واها لك يا تربة، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب.
قال: فلما بعث عبيدالله بن زياد البعث الذي بعثه الي الحسين عليه السلام كنت في الخيل التي بعث اليهم، فلما انتهيت الي الحسين عليه السلام و اصحابه عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع علي عليه السلام و البقعة التي رفع اليه من تربتها و القول الذي قاله، فكرهت مسيري، فأقبلت علي فرسي حتي وقفت علي الحسين عليه السلام فسلمت عليه، و حدثته بالذي سمعت من ابيه في هذا المنزل، فقال الحسين: امعنا أم علينا؟ فقلت: يا ابن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم لا معك و لا عليك، تركت ولدي و عيالي، اخاف عليهم من ابن زياد، فقال الحسين عليه السلام: فول هربا حتي لا تري مقتلنا فوالدي نفس حسين بيده، لا يري اليوم مقتلنا احد ثم لا يعيننا الا دخل النار، قال: (فأقبلت في الارض اشتد هربا حتي خفي علي مقتلهم) [29] و عن سعد بن وهب قال: (بعثني مخنف بن سليم الي علي عند توجهه الي صفين فأتيته بكربلاء، فوجدته يشير بيده و يقول: ههنا، ههنا. فقال له رجل: ما معني هذا الكلام يا أميرالمؤمنين؟ فقال: ثقل لآل محمد صلي الله عليه و آله و سلم ينزل ههنا، فويل لهم منكم، و ويل لكم منهم، فقال له الرجل: ما معني هذا الكلام يا أميرالمؤمنين؟ قال: ويل لهم منكم تقتلونهم، و ويل لكم منهم، يدخلكم الله بقتلهم النار.
و قد روي هذا الكلام علي وجه آخر، انه عليه السلام قال: فويل لكم منهم و ويل لكم عليهم، فقال الرجل: اما ويل لنا منهم فقد عرفناه، فويل لنا عليهم ما معناه؟
فقال: ترونهم يقتلون لا تستطيعون لنصرتهم). [30] .
30 - (عن الحسن بن كثير عن أبيه، ان عليا عليه السلام اتي كربلاء، فوقف بها فقيل له:
يا أميرالمؤمنين، هذه كربلاء، فقال: ذات كرب و بلاء، ثم أومأ بيده الي مكان فقال: ههنا موضع رحالهم، و مناخ ركابهم. ثم أومأ بيده الي مكان آخر، فقال: ههنا مراق دمائهم). [31] .
ان النصوص التي بين أيدينا تشير الي ان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علم من جبرئيل عليه السلام باستشهاد الحسين عليه السلام، و انه اسر بذلك الي أميرالمؤمنين عليه السلام و الي بعض أصحابه و ازواجه مثل أم سلمة، و ان خبر ذلك كان واضحا عند الامام عليه السلام.
و ربما كان أسي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و حزنه ليس فقط علي ولده الحسين عليه السلام
و حسب، و انما علي الأمة التي انتشلها و رفعها الي مستوي الرسالة التي تعرفت عليها و حملتها، ثم تراجعت عنها و اصبحت جثة هامدة بين يدي يزيد، و لن يكون لها أي دور سوي خدمة و ترسيخ الحكم الاموي و خدمته.
ان اقدامها علي قتل الحسين عليه السلام ابن صاحب الرسالة، يعني استعدادها للتخلي عنها نهائيا، في غمرة ضياعها و انحدارها و انزلاقها مع كل رموز الانحطاط و الجهل و الكفر، التي يقف يزيد و آل أبي سفيان و آل مروان و آل زياد في مقدمتها.
ان ذلك يعني ان مسيرة الاسلام لم تتعثر و حسب، و انما توقفت و تراجعت في ذلك الزمن الصعب الذي أصبح فيه يزيد خليفة و اماما للمسلمين، و اصبحت بطانته و حاشيته المتسعة المتضخمة طبقة طفيلية مترفة تحكم معه، و تتسلط علي الناس، و تتحكم بمصائرهم و حياتهم باسم الاسلام.
و لو قدر للاسلام أن يشهد نفس المستوي المتسارع من السقوط و الانحدار الي الهاوية، الذي شهده في عهد معاوية و يزيد، دون الموقفة الحاسمة من الحسين عليه السلام لوصل الامر بالحاكمين بعدهما لا يرفعوا حتي الشعارات الظاهرية للاسلام، و لأعلنوا رفضهم العلني غير المبطن له، و لأعلنوا أيضا عدم صلاحيته للحياة و عدم توافقه و ملائمته لها، و لشنوا عليه حربهم بشكل مباشر و صريح.
ألا ان تلك الوقفة القوية و الشجاعة، و جعلتهم يحجمون عن مواجهة الأمة و اعلان موقفهم صراحة من الاسلام.
فالمسألة، برمتها هنا، لم تكن تتعلق برغبة ذاتية بحتة للخروج و طرح خيارات بديلة لذلك، و انما كان من المحتم علي الحسين عليه السلام ان لا يبايع يزيد، و من المحتم عليه كذلك ان يضع يده في يد أولئك الذين اعلنوا استعدادهم لمواصلة الكفاح ضده و مقارعته.
لقد كان يدرك أنه سيقتل و يخذل. و كان لأهل العراق مواقف مسبقة مع ابيه و اخيه، و لم يكن بحاجة الي من ينبهه الي هذا الامر، فهو به عالم حق العلم، و قد عايش كل فصول المآسي التي رافقت ذلك، و لم يكن مجرد مراقب يعيش علي هامش الاحداث، و انما كان مشاركا رئيسيا و معايشا حقيقيا لها.
اننا نتساءل: ماذا كان بوسعه ان يفعل لمنع الانحراف غير ما فعل، و هو التوجه
الي العراق، و وضع يده في يد من اعلنوا استعدادهم لمساندته و محاربة الدولة الاموية المنحرفة؟
ألا يكون تخلفه و امتناعه عن الاستجابة لهم، حجة للامة فيما بعد، لكي تحمله مسؤولية التخلي عن قيادة الامة في أصعب الظروف التي مرت بها و تحميله مسؤولية سقوطها و ابادة الاسلام؟
و بغض النظر عن التفسيرات المغرضة و المعادية لثورة الحسين عليه السلام، فان بعض التفسيرات الاخري و ربما بدافع من حرصها علي ابراز الثورة كحدث فريد متميز عن غيره من الاحداث الكبيرة الاخري، و ربما بدافع من ردود الفعل للتفسيرات المعادية و من منطلق دفاعي انفعالي تحاول تبني التفسير الغيبي، المبني علي الروايات التي ذكرناها و علي الروايات الاخري المشابهة لها، و ترفض أية تفسيرات اخري، رغم وضوح الاهداف المعلنة للثورة، و التي أوضحها الامام عليه السلام منذ اليوم الاول لسماعة خبر هلاك معاوية في خطبه و مقابلاته و أجوبته (للناصحين) و المحذرين من الخروج الي العراق، و التي أوضحنا بعضها و سنتطرق الي البعض الآخر في بقية حلقات الكتاب بعون الله تعالي. و ربما كان الحذر أو الخوف من ابراز الثورة كحدث انساني اجتماعي يتكرر في دعوات الانبياء و الاوصياء المتفانين في الله رغم تعرضهم لمخاطر جدية لا تقل عن تلك التي تعرض لها الامام عليه السلام، و محاولة اضفاء قداسة خاصة ذات طابع غيبي بحت، يكمن خلف تكل المحاولات التي تحاول عرض الثورة كحدث منقطع عن اسبابه الحقيقية، و هي ايقاف الانحراف و تصحيح المسيرة التي كادت تتوقف الي الابد، لولا تلك الثورة.
ان الانبهار بالثورة أو التأثر بجانبها المأساوي جعل الكثيرين يغضون النظر عن الدوافع و الاسباب الحقيقية التي جعلت الحسين عليه السلام يقدم علي أكبر تضحية سجلت في تاريخ الرسالات السماوية علي الاطلاق، و يركزون علي تلك الروايات عن رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم التي اشارت الي موت ابنه الحسين عليه السلام و التي لم تشر الي الكيفية أو السبب الكامن خلف ذلك، و يكتفون بعرض بعضها و عرض الطريقة التي تمت بها مجزرة الطف لانتزاع الاعجاب أو التأثر المجرد باولئك الذين جادوا بارواحهم بتلك الطريقة الباسلة، و لم يتنازلوا حتي و هم يواجهون جيشا كذلك الذي و اجهوه في كربلاء، و يذهبون الي حد تجريد الثورة من الطابع البشري الواقعي، الذي يأخذ بنظر الاعتبار العلاقات الانسانية العادية و عوامل الهوي الانساني و صعود
الانسان حتي الاقتراب من مرتبة الانبياء و الاوصياء و هبوطه حتي الي مستوي الشياطين.
پاورقي
[1] و قد وردت زيادة بعد کلمة (المنکر) و هي: (و اسير بسيرة جدي محمد صلي الله عليه و آله و سلم و ابي علي بن أبيطالب) مناقب ابنشهر آشوب ج 4 ص 88، و مقتل العوالم للبحراني، و الخوارزمي ج 1 ص 189.
[2] أسد الغابة 349 / 1، و الاصابة 68 / 1، و کنز العمال 22606، و تاريخ بن عساکر 77 / 13. و کان أنس شيخا کبيرا طاعنا في السن، و قد استأذن الامام أن يجاهد بين يديه، فأذن له، و قد شد وسطه بعمامته، نظرا لتقوس ظهره، کما رفع حاجبيه بالعصابة، فلما نظر اليه الامام عليهالسلام أرخي عينيه بالبکاء و قال له: شکر الله لک يا شيخ. و قاتل علي کبر سنة قتال الأبطال. و راجع ابنکثير 199 / 8، و السيوطي في جامع الجوامع 6064، 6063، و تهذيب تاريخ دمشق لابنعساکر 341 / 328 / 4.
[3] کنز العمال للهندي 34325، و السيوطي في اللآليء المصنوعة 203 / 1، و الفتني في تذکرة الموضوعات 98 کما أخرجه الملا في سيرته ص 146.
[4] العقد الفريد 124 / 5.
[5] ابنالأثير 3 / 443، و قد حاولت أمسلمة منع الحسين عليهالسلام من الخروج من المدينة لأنه مقتول، فأکد لها الامام عليهالسلام مسألة مقتله و عزمه علي الخروج، و راجع مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني 244، و مقتل العوالم لعبدالله البحراني، 47 و مقتل المقرم 152، و مقتل الحسين، السيد محمد تقي آل بحر العلوم 140 / 139.
[6] الخطيب البغدادي / تاريخ بغداد 328 / 3، و کنز العمال / علاء الدين الهندي ج 34317/3، 31 5 / 12.
[7] کنزالعمال / 3431 5 ص 126.
[8] کنز العمال عن ابنسعد، عن عائشة ص 34398 / 927.
[9] الحاکم في المستدرک 177 / 3، و الالباني في الاحاديث الصحيحة 821، و الزبيدي في اتحاف السادة المتقي 309 / 5، و ابنحجر في فتح الباري 209 / 11، و السخري في آماله 288 / 1 و الهندي في کنز العمال 34300 و البهتي في دلائل النبوة 469 / 6.
[10] کنز العمال 34298، ابنسعد عن علي ص 122.
[11] ذخائر العقبي أخرجه الملا في سيرته، ص 150 و کنز العمال 127.
[12] المصدر السابق أخرجه أبوحاتم ص 950، و العقد الفرجمد 125، و قد روي ان ابنعمر بکي و قال للحسين (استودعک الله من قتيل) أمالي الشيخ الصدوق م 30، و تاريخ دمشق لابنعساکر 193 / بيروت.
[13] عن زينب بنت جحش، 127.
[14] کنز العمال، ابنعساکر عن الحسين بن علي ص 128، و ابنکثير 190 / 8.
[15] ابنعساکر عن ابنعمر کنز العمال 128.
[16] البداية و النهاية 162 / 8.
[17] اللهوف لابنطاووس ط النجف ص 12.
[18] مدينة المعاجز للسيد هاشم البحراني ص 244، و مقتل العوالم لعبدالله البحراني ص 47.
[19] کشف الغمة للآربلي ج 2 ص 241 قم و اللهوف لابنطاووس ص 25 النجف.
[20] نهاية الارب للنوري 4.7/ 20 و ابنالاثير 276 / 3، و الطبري 219 / 9 دار المعارف و جمهرة خطب العرب 35 / 2، و قد روي أنه قال هذا الکلام لابنعباس و روي أنه کتب ذلک في رسالة الي عبدالله بن جعفر جوابا علي رسالته التي دعاه فيها للعودة الي مکة، راجع مقتل الخوارزمي ط النجف ج 1 ص 218 و ابنکثير 169 / 8 و سير أعلام النبلاء الذهبي 343 / 2.
[21] اللهوف لابنطاووس ط النجف ص 27 / 26 و الدار المسلوک ج 1 ص 109.
[22] مقتل الحسين للخوارزمي 236 / 1، و الفتوح لابن أعثم الکوفي ج 5 ص 147.
[23] اللهوف لابنطاووس، ص 178 و ارشاد المفيد طبع ايران ص 203، و نظم درر السمطين ص 215.
[24] اللهوف ص 129 و الخوارزمي ج 1 ف 1 و أعيان الشيعة 184 / 4، و روي أنه قال (هذه کتب أهل الکوفة الي، و لا أراهم الا قاتلي، فاذا فعلوا ذلک لم يدعوا لله حرمة الا انتهکوها، فيسلط عليهم من يذلهم حتي يکونوا أذل من فرم الأمة) تاريخ الاسلام للذهبي 345 / 2، و ابنکثير 169 / 8، و تاريخ ابنعساکر 73 / 13، الدر النظيم 167، مخطوط يوسف بن حاتم الشامي.
[25] الطبري 403 / 5، و ابنالاثير 1280 / 3 و روضة الواعظين للقتال 180، و مناقب ابنشهر آشوب 96 / 4، و الارشاد 208 و الخوارزمي 1 ف 11 و أنساب الأشراف 171 / 3.
[26] اللهوف لابنطاووس ص 33 و مناقب ابنشهر آشوب 97 / 4، و ذخائر العقبي. محب الدين الطبري ص 149.
[27] کامل الزيارات، ابنقولوية ص 75، و دلائل الامامة، محمد بن جرير الطبري ص 77.
[28] ذخائر العقبي ص 148 (أخرجه أحمد و أخرجه ابن الضحاک).
[29] شرح ابن ابيالحديد، م 1 ج 3 ص 278.
[30] شرح ابن ابيالحديد، م 1 ج 3 ص 278.
[31] شرح ابن ابيالحديد م 1 ج 3 ص 278.