بازگشت

بعض الاعتراضات المنطلقة من عقلية الانهزام و الخنوع


لابد أن يتقدم الضعيف العاجز، و الذليل الخانع و من لا يفهم موقف الامام عليه السلام، عدا الذين قد تكون لهم اعذارهم اذا افترضنا ذلك، و يقولوا للامام الحسين عليه السلام: لقد اخطأت بخروجك، و ما كان ينبغي لك ذلك، لانك سترمي بنفسك الي التهلكة. لم يكونوا يريدون ان يعترفوا بعجزهم و ضعفهم و عدم قدرتهم علي اللحاق به و عمل ما عمله،و لم يستطيعوا الوصول الي مستواه، و مستوي تصوره و فهمه، بل حتي الي مستوي اصحابه الذين لم تفتهم فرصة ادراك ما ادركه و اللحاق به و مشاركته في هذه المهمة الكبيرة الصعبة، مع انهم لم يكونوا مثله، و شعورهم بالمسؤولية لم يصل الي ما وصل اليه شعوره هو.

و قد عزز اعتقاد هؤلاء الخاطي ء فيما بعد صواب توقعاتهم (و هو ما توقعه الامام عليه السلام نفسه)، عندما رأوه يقتل مع اصحابه بتلك الطريقة الهمجية، التي كشفت عن بربرية و وحشية منفذي الجريمة، الذين لم يروا امامهم سوي قائد دولتهم الذي اعاد للاذهان صورة فرعون، و وهم فرعون بالوهيته المزيفة و بطش فرعون، و سوي ابتسامة التشفي اذ ما اطلع علي صنعهم باعدائه و اعداء ابائه التقليديين. و يرون الدولة الاموية لا تزال قائمة و قوية في ظاهر الامر، تمارس مخططاتها ضد الامة، و عند ذاك انطلقوا و قالوا، و كأن الحكمة حقا هي ما كان وراء تصرفهم و اقواله: ألم نقل لكم ان الحسين سيقتل بذلك الشكل المريع؟ ألم نوجه اليه نصحنا و انذارنا؟

و اذ لم يستجب، فها انتم ترون كيف كانت عاقبة ذلك.

و اذ لم نستجب نحن له، فها نحن الان احياء اصحاء امامكم ننعم بما ينعم به الاحياء امثالنا؟

غير أنهم لو عاشوا فترة أطول، و رأوا ما رأيناه نحن و الذين من قبلنا ايضا، و نحن نشهد كيف امتد اثر هذا الموقف القوي علي اجيال عديدة من الامة خلال هذه السنين الطويلة كلها، و حتي يومنا هذا، لرأوا انهم قد فقدوا فرصتهم الوحيدة التي كان


عليهم اغتنامها، و هي اللحاق: بركب. الحسين عليه السلام، أو الكف علي الاقل عن تقديم النصائح و الانذارات بعدم الخروج و تخذيل الامة، و حثها علي الاستسلام و الهزيمة و التراجع بتخاذلهم هم، و عدم الاكتفاء بذلك و ذهابهم الي حد استنكار ذهاب الامام للقيام بمهمته الكبيرة، غير اننا نعيد ما ذكرناه من اختلاف دوافع و فهم هؤلاء، و قصور بعضها عن اللحاق بفهم و تصور صاحب النهضة، الامام الحسين عليه السلام.

و لو أنهم نظروا بعينيه، و ادركوا المخاطر التي اشار اليها في اكثر من حديث و مناسبة كما اوضحنا و نوضح بعون الله لربما كان معظمهم من انصاره و لحملوا السلاح معه دفاعا عن الدين، الذي استشهد في سبيله عن عمد و سبق اصرار، و بوعي و عزم ثابت لتحقيق الهدف العظيم الذي اخذ علي عاتقه القيام به، و هو منع الامة من الانحراف النهائي و السقوط في الهاوية الاموية المظلمة.

و هكذا كان ابن عمر يقول بعد ذلك:

(لقد رأي في ابيه و اخيه عبرة، فرأي من الفتنة و خذلان الناس لهما ما كان ينبغي له ان لا يتحرك ما عاش، و ان يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فان الجماعة خير). [1] .

و قال سعيد بن المسيب بعد ذلك:

(لو ان حسينا لم يخرج، لكان خيرا له). [2] .

و قال سلمة بن عبد الرحمن:

(و قد كان ينبغي لحسين ان يعرف أهل العراق، و لا يخرج اليهم). [3] .

و قال ابن خلدون:

(و أما الحسين، فانه لما ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره، بعثت شيعة أهل البيت بالكوفة للحسين ان يأتيهم فيقوموا بأمره، فرأي الحسين أن الخروج علي يزيد متعين من اجل فسقه، لا سيما من له القدرة علي ذلك، و ظنها من نفسه بأهليته و شوكته، فأما الاهلية فكانت كما ظن و زيادة، و اما الشوكة فغلط يرحمه الله فيها.


فقد تبين لك غلط الحسين، الا انه في امر دنيوي لا يضره الغلط فيه، و اما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه لانه منوط بظنه، و كان ظنه القدرة علي ذلك، و لقد عذله ابن العباس و ابن الزبير و ابن عمر و ابن الحنفية اخوه و غيره في مسيره الي الكوفة، و علموا غلطه في ذلك و لم يرجع عما هو بسبيله لما اراده الله، و اما غير الحسين من الصحابة الذين كانوا بالحجاز، و مع يزيد بالشام و العراق و من التابعين لهم، فرأوا ان الخروج علي يزيد و ان كان فاسقا لا يجوز لما ينشأ عنه من الهرج و الدماء، فأقصروا عن ذلك و لم يتابعوا الحسين، و لا أنكروا عليه و لا أثموه لانه مجتهد و هو اسوة المجتهدين). [4] .

و قال القاضي أبوبكر بن العربي المالكي في كتاب العواصم و القواصم:

(ان الحسين قتل بشرع جده، و هو غلط حملته عليه الغفلة عن اشتراط الامام العادل). [5] .

و قال محمد عزة دروزه:

(فاذا كان الحسين ابي ان يستسلم ليدخل فيما دخل فيه المسلمون، و قاوم بالقوة، فمقابلته و قتاله من الوجهة اشريعة و الوجهة السياسية سائغا). [6] .

و قد استعرضنا في هذا الفصل اقوال بعض الكتاب و المؤرخين الذين بنوا آراءهم علي ما وصل الي اسماعهم من امر (النصائح) و التحذيرات المقدمة للامام، قبل و بعد خروجه من مكة الي الكوفة، منهم معاصرون له، و ممن شارك بتقديم بعض هذه النصائح و الانذارات، اخترناها علي سبيل المثال و لم نتقص كل ما قيل بهذا الصدد، كما لم نذكر احاديث كل الشامتين و العاذلين و الاعداء، فلم تكن مثل هذه الاقوال الا لتزيد شقة الخلاف و التباعد و الشقاق بين المسلمين، و لن تكون جديرة بحوار حقيقي بينهم، أو بدراسات جادة تناقش تأريخ تلك الثورة علي اسس موضوعية لا تستهدف الا الحقيقة التي يسعي اليها الجميع دون شك.

اننا لابد أن نشير الي مسأله مهمة و هي محاولة بعض هؤلاء الذين ارادوا منع الحسين عليه السلام من الخروج أو دفعه الي الاستسلام و المبايعة، جعل المسألة تبدو


كأنها تصرف شخصي مجرد من الدوافع العامة، و في مقدمتها انقاذ المسلمين من الخطر الذي حل بهم فعلا، و هو ما سعي اليه معاوية في السابق، و جعل المسألة برمتها تبدو علي هذا الشكل المزيف، و كأنها صراع بين اجنحة متنافسة من عائلة مرموقة هي عائلة عبد مناف، و كأن هذا الصراع (التقليدي) قد تحدر من الاباء الي الابناء، و كأن هؤلاء الابناء متساوون في الكفاءات و المستوي و القرب من الاسلام و من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و هو ما رأيناه في غضون هذا الكتاب.

و مسألة اخري: هي اعتبار بعض هؤلاء، خروج الحسين عليه السلام خرقا لوحدة الامة و جماعتها، و خروجا عن طاعة ولي الامر، الذي اوجب الله علينا طاعته.

و قد رأينا كيف راح فقهاء الدولة المأجورون و المحدثون و المفسرون و القصاصون و مفسروا الاحلام و واضعوها ايضا، و الشعراء يروجون لمسألة بدت هي السائدة فيما بعد، بل و مقبولة بحكم انتشارها بين قطاعات واسعة من المسلمين، و ورودها عن لسان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم عن محدثين (ثقاة) و هي: عدم جواز الخروج علي الخليفة ولو كان فاسقا، لما ينشأ علي ذلك من الهرج و الدماء، كما في قضية يزيد.

و كانوا بذلك يمهدون لكي تتقبل الامة يزيد حاكما و خليفة عليها، و تتقبل من هم علي شاكلته بعد ذلك ليكون قبولها مبررا و مشروعا، و لا تري لأحد وجها في الخروج علي طاعته لاي سبب، مادام هؤلاء قد (اخترعوا) بعض الاحاديث و نسبوها الي الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، و فيها يحث أمته علي عدم التعرض للحاكم الفاسق لما في ذلك من المهالك، و لما فيه من الفرقة، و لما يسببه من النزاعات و الخصومات و الحروب.

و قد ناقشنا هذا المورد بعد ان تعرضنا الي بعض المبررات التي ساقها هؤلاء لتعزيز حجتهم و دعواهم.

ان منطق اولئك الذين حاولوا منع الحسين عليه السلام من الخروج، و من شايعهم بعد ذلك عدا من كان عنده مبرر شرعي للقعود كمحمد بن الحنفية كما ذكر بعض المؤرخين [7] ، وعبدالله بن عباس، و آخرين، كان لتبرير قعودهم و استسلامهم و تخاذلهم امام طغيان الدولة و عبثها.


و لا يزال هذا المنطق سلاحا بيد كل مستسلم و خانع يبرر به قعوده عن مواجهة الظلم و التصدي له، و يستعمله (حجة) علي اولئك الذين رأوا رأي الامام عليه السلام و تصرفوا وفق عقليته التي هي عقلية الاسلام، فليس من المعقول ان يكون هذا الدين و الامة كلها رهنا بتصرفات و سلوك اولئك الخارجين عن الاسلام، و الذين لا ينتمون اليه الا انتماء ظاهريا، بل و يعادونه مع انهم يرفعون بعض شعاراته للمتاجرة بها و الافادة منها في تثبيت حكمهم و مصالحهم.

لقد كان الذين حملوا منطق الحفاظ علي الوحدة و الجماعة بمفهومها الاموي هم رجال الدولة الاموية و موظفوها و خدمها، و السائرون بركابها، و الخانعون الاذلاء الذين قنعوا بالسلامة، و انتظروا معجزة من السماء تغير الحال الذي ربما كان بعضهم لم يقتنع به في قرارة نفسه، غير انه لم يرفع يدا أو اصبعا للاعتراض عليه.

قال ابن عمر للحسين عليه السلام و ابن الزبير:

(اتقيا الله و لا تفرقا جماعة المسلمين)، [8] .

(و اما ابن عمر فقدم، فاقام اياما فانتظر، حتي جاءت البيعة من البلدان فتقدم الي الوليد بن عتبة فبايعه). [9] .

و قد اعترض رسل عمرو بن سعيد الحسين عليه السلام عند خروجه من مكة، و قالوا له بعد ما حاولوا بالقوة منعه من الذهاب:

(الا تتقي الله تخرج من الجماعة و تفرق بين هذه الامة؟). [10] .

كما كتب اليه عمرو بن سعيد هذا قائلا:

(فاني أسأل الله ان يصرفك عما يوبقك، و ان يهديك لما يرشدك. بلغني انك توجهت الي العراق، و اني اعيذك بالله من الشقاق). [11] .

و قد رأينا كيف ان عمرة بنت عبد الرحمن كتبت اليه:


(تعظم عليه ما اراد ان يصنعه و تأمره بالطاعة و لزوم الجماعة، و تخبره ان لم يفعل انما يساق الي مصرعه). [12] .

كما ان يزيدا نفسه كتب الي ابن عباس يحثه علي مع الامام من الخروج قائلا:

(فان كان قد فعل [خرج الي العراق] فقد قطع راسخ القرابة، فاكففه عن السعي في الفرقة). [13] .

و ذكروا ابياتا من الشعر نسبوها الي يزيد، يحذر فيها من الخلاف و الشقاق، و هي علي نمط شعر زهير بن ابي سلمي، التي تحت علي نبذ الحروب، و فيها يهدد و يتوعد كل رافض لدولته و حكمه، و هي ابيات لا شك موضوعة يبرر بها اعوان السلطة الاموية موقف يزيد، و انه قام بما كان ينبغي عليه ان يوديه من واجب النصيحة و التحذير، من منطلق حرصه علي وحدة المسلمين و جماعتهم، و انه لم يبطش و يأمر بالقتل الا بعد ان اعيته الحيلة و بلغ النصيحة.


پاورقي

[1] ابن‏کثير 165 / 8.

[2] نفس المصدر السابق، و تاريخ ابن‏عساکر 69 / 13، و تاريخ الاسلام للذهبي 343 / 2.

[3] نفس المصدر السابق، نفس المکان.

[4] ابن‏خلدون، المقدمة 240 / 239.

[5] المصدر السابق 240.

[6] محمد عزة دروزة تاريخ الجنس العربي 383 / 8.

[7] فقد قيل کما اوضحنا أنه کان مريضا، و ان الامام عليه‏السلام کلفه بالبقاء في المدينة لکي يتابع و يراقب الاوضاع فيها، و يعلم الامام بحقيقتها.

[8] الطبري 191 / 6، و راجع المصدر السابقة التي ذکرناها في هذا الفصل و ابن‏الاثير 380 / 3.

[9] الطبري 191 / 6، و راجع المصدر السابقة التي ذکرناها في هذا الفصل و ابن‏الاثير 380 / 3.

[10] الطبري 218 / 6، و ابن‏کثير 167 / 8.

[11] الطبري 218 / 6، و ابن‏کثير167 / 8.

[12] ابن‏کثير 166 / 165 / 8.

[13] ابن‏کثير 166 / 165 / 8.