بازگشت

اول جواب للامام الحسين ردا علي رسائل أهل الكوفة


و هكذا اجاب الحسين عليه السلام أهل الكوفة في اول رد له علي رسائلهم المتكررة العديدة، و رسلهم الذين اكدوا له استعداد الجميع للوقوف وراءه و خوض المعركة ضد انحراف الامويين، حاثا اياهم علي الثبات علي موقفهم الذي ابدوه، و عدم التراجع، و جعل ذلك شرطا لقدومه عليهم، و ربما قصد برسالته تحشيد المزيد من العراقيين الذين لم يكتبوا اليه، لنصرته، و قد بين لهم في هذه الرسالة مهمات الخليفة أو الامام، و هي مهمات، ما كان يزيد و لا حتي معاوية أو غير قادرين علي تأديتها و اعطاءها ما تستحق من اهتمام أو جهد.

(... اما بعد، فان هانئا و سعيدا قدما علي بكتبكم، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم، و قد فهمت كل الذي اقتصصتم و ذكرتم، و مقالة جلكم: انه ليس علينا امام، فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك علي الهدي و الحق، و قد بعثت اليكم اخي وابن عمي و ثقتي من أهل بيتي، و أمرته ان يكتب الي بحالكم و أمركم و رأيكم، فان كتب الي أنه قد أجمع رأي ملئكم و ذوي الفضل و الحجي منكم علي مثل ما قدمت علي به رسلكم، و قرأت في كتبكم، أقدم عليكم و شيكا ان شاء الله، فلعمري ما الامام الا


العامل بالكتاب، و الآخذ بالقسط، و الدائن بالحق، و الحابس نفسه علي ذات الله، و السلام).

فهو هنا، في الوقت الذي يستجيب فيه لطلب أهل الكوفة، باعتبارهم شريحة كبيرة من الامة دعته الي تزعمها لوقف لوقف الانحراف و القضاء عليه، فانه يحثهم علي الثبات علي موقفهم و اشراك كبارهم و ذوي الفضل و الحجي و المكانة في هذا المسعي.

و في الوقت الذي يعرفهم فيه بمسلم الذي قد لا تكون بعض جوانب شخصيته خافية عليهم، فانه يعلمهم بان مبعوثه وثقته، مسلم هذا، هو الذي سيحدد بالضبط فيما اذا كان ذلك رأيهم الاخير و انهم لن يتنازلوا أو يتراجعوا كما اعلموه من قبل، و عندها سيتخذ قرار الاخير بالقدوم اليهم، اذا ما تم ذلك و ثبتوا و لم يتراجعوا، و عند ذلك سيكون من واجبه ان يكون في مقدمتهم، أليس هو امامهم العامل بالكتاب و الآخذ بالقسط و الدائن بالحق و الحابس نفسه علي ذات الله؟ و هل هذه الا مواصفات الامام الذي يستحق بجدارة خلافة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم؟ و منصب قيادة المسلمين؟

انه في هذه الرسالة يضعهم امام مفترق طرق، سيرون عنده الطريق الذي يخلصهم من شرور الانحراف الي الابد اذا ما لزموا امامهم و ثبتوا علي منهجه.

و تكاد الرسالة الثانية التي ذكرناها في الهامش تقترب علي قصرها من مضمون هذه الرسالة، اما الثالثة، و التي ذكرناها في الهامش ايضا، فهي تدل علي استجابته لهم دون قيد أو شرط، و ما نظن انها كاملة، اذ ان سياق الاحداث و ارسال مسلم الي الكوفة كان بهدف استطاع موقف اهلها النهائي و الكتابة عنه اليه، كما سنري عند استعراض بقية احداث الثورة و وقائعها بعون الله، و هو ما يتناقض مع موقف الاستجابة دون قيد أو شرط، مما يستلزمه الموقف، و لمعرفة الامام عليه السلام بالاوضاع اكثر من غيره.

و نجد في كتبه و خطبه عليه السلام عموما اتجاها قويا لتوضيح مهمته و مسؤولياته تجاه الحدث الخطير الذي تمر به الامة، و هو قيام يزيد خليفة علي رأسها، و هو موقف يتسم ببعد النظر السياسي، و فهم للواقع الاجتماعي لاهل الكوفة و غيرهم، و يدل علي بصيرة نافذة و وعي كبير، كما انه بكتبه و خطبه اعلن ثباته و عدم تنازله أو تراجعه عن هدفه الكبير، و هو منع الانحراف و ايقافه، و ظل علي موقفه حتي


اللحظات الاخيرة، التي كان اعداؤه فيها لا ينتظرون منه سوي كلمة واحدة بالموافقة أو الاستسلام، لكي يبقوا علي حياته و يوفروا له العديد من الامتيازات و المكاسب الشخصية، ولكن علي حساب مصالح الامة و المكاسب التي حصلت عليها في ظل الاسلام.

لقد كان في المدينة أو مكة مخيرا بين أمرين لا ثالث لهما، اما مبايعة يزيد أو التعرض للقتل و الابادة، اما عندما اطلعه أهل الكوفة علي عزمهم علي التصدي للحكم الفاسد و محاربته، فانه وجد ان امامه سبيلا ثالثا و هو تزعم المقاومة الاسلامية ضد الدولة الجائرة، و بدا هذا الامر هو الحل البديل للأمرين السابقين، اللذين كان احدهما مستبعدا منذ البداية و هو مبايعة يزيد.

و كما لم يجد منه اعداؤه تهاونا و هوادة بشأن رفض البيعة منذ البداية، و قبل أن يحاصروه و يشددوا الرقابة عليه، فانهم وجدوا منه نفس هذا الموقف الصلب بعد ان احاطوا به و شددوا الرقابة عليه، و بعد ان اصبح عرضة لسيوفهم و سهامهم، بل و ذهب الي ابعد من ذلك، الي حد الذهاب بنفسه لتزعم الحركة المناوئه للدولة الأموية اليزيدية، و اعلان الحرب عليها.

ان استمرار الموقف المبدئي في كل الاوقات، و طيلة سبعة أعوام، و هي الاعوام التي كرس فيها معاوية جهده و امكانات دولته لبيعة يزيد، و مهد له الامور، و كفاه الرحلة و الترحال، و وطأ له الاشياء، و ذلل له اعناق العرب علي حد تعبيره، و تصاعد هذا الموقف الي المواجهة المسلحة ينبغي ان لا يمر دون دراسة دقيقة، و تحليل موضوعي اهتمام جاد من قبل المسلمين كافة، اذ ان هذه قضية اسلامية كبيرة، كادت الامة فيها ان تضيع الي الابد، و تفقد صوابها أمام السلطة الاموية المتفرعنة المتجبرة، لو لم يقف الحسين عليه السلام وقفته المشهورة، رغم الاخطار و احتمالات الموت و الاستئصال.