بازگشت

الكوفة و أهلها أفضل الخيارات المطروحة أمام الحسين


و هنا لابد لنا من العودة الي بعض الاسئلة المثارة، و التي سبق ان تطرقنا الي بعضها: ماذا سيكون موقف الحسين لو انه لم يستجب للعراقيين في الكوفة و لم يخرج اليهم؟

والي اين كان سيذهب، حتي ولو لم تكن دعوة أهل الكوفة بذلك الزخم و التتابع و الالحاح؟ و نستبق الاجابة عن السؤال الثاني: انه كان سيذهب الي الكوفة، حتي ولو لم تكن دعوتهم له بتلك الحرارة و ذلك الالحاح، لان قضية تعرضه للخطر و الموت - المؤكد في المدينة أو مكة دون عرض قضيته بشكل واضح، و رفعها امام الامة كقضية يعتمد عليها مصيرها و وجودها - امر محتم، و حينذاك لن يجن هو أو الامة اي شي ء جراء ذلك الموت، و ستزور القضية برمتها، و تعرض بالشكل الذي يريده الاعلام الاموي، ثم يضيع كل شي ء، و قد يذكر هنا و هناك في زوايا التاريخ شي ء عن رفض ما قام به الامام عليه السلام ضد السلطة الاموية، و ربما سيأسف لذلك البعض، و سيضيع كل شي ء بعد ذلك، و تضيع الامة و تنهار الي الابد، اذ ان موقف الحسين كان هو رفض البيعة و حسب فكيف سيكون الامر بعد ان رأينا ان الذي حصل فعلا هو قيام أهل الكوفة بدعوته اليهم بالشكل الذي رأيناه؟

هل سيكون مجرد امتناعه عن البيعة فعلا ايجابيا كافيا لتحصين الامة نهائيا من الاستسلام لحكم يزيد؟

و هل سيكون ذلك كخروجه المعلن امام انظار الامة كلها، مع احتمال اسوأ العواقب، و الذي يعني قيامه بفعل ارادي واضح يستنهض به الامة باكملها و يحاول تحشيدها للاطاحة بالحكم الفاسد، وحثها علي تبني موقفه الذي هو موقف الاسلام الصحيح؟

ان موقفا حاسما سيسجل هنا، موقفا هجوميا بنا قائما علي الارادة الواعية و الفهم الصحيح للاسلام، موقفا يدعو لا يقاف المنكر و الجور و الظلم و الانحراف حالا، بثورة تقوم بها الامة كلها و لا ينفرد بها شخص او جماعة بعينها.


و لو ان من قام بذلك و قتل في سبيل موقفه هذا لسجلت الامة حتما هذا الموقف، و لتفكرت و تدبرت المعاني و الدلالات القائمة خلفه، و ربما دفعها ذلك الي نبذ الاستسلام و الخنوع ولو بعد حين من الزمن، ولو بعد عشرات أو مئات من السنين، فمكاسب الحدث بمنظور الانسان الرسالي ينبغي ان لا تشمل ابناء جيل واحد و حسب، و انما تمتد لعشرات الاجيال بل لكل الاجيال المسلمة، و هذا ما اراده الحسين عليه السلام، فهو لم يقتل هكذا مظلوما، لا لشي ء الا لأنه لم ير ان يبايع و حسب، بل قتل و هو يعلم انه بتحديه السلطة الجائرة و شنه هجوما عليها، سيكون معرضا لهذا القتل، فهو لم يكن يتوهم انه يسير علي طريق مفروشة بالورود، و لم يكن يحسب انه ذاهب في نزهة خلوية آخذ فيها نساءه و اطفاله، كما اشار لذلك احد الكتاب، الذين ذكرنا ملاحظاتهم في هذا الفضل، و هو يعرف شراسة عدوه و استماتته في المحافظة علي ملكه و سلطانه و نفوذه، و ما كان هذا العدو سيتساهل و يسكت امام هذا الامر الذي قد يفقده كل شي ء الي الابد.

و قد كان الحسين عليه السلام يعلم ان في العراق طليعة تتنازعها الرغبة في النهوض، و قد تتردد، و قد تروح ضحية الاختلاف و الفرقة و النزاعات و الاطماع الشخصية، الا انها تميل اليه، و قد راسلته و اوفدت اليه وفودها، حتي قبل اين يتوفي معاوية، و دعته الي تزعمها للثورة ضده. غير انه لم يشأ ان يستجيب لها حينذاك لغياب الظروف الموضوعية التي تستلزمها الثورة.

و اذ تعيد الكوفة دعوتها له بهذا الشكل، و ربما اذا ما ذهب اليها شخصيا فانه سيجد فيها نفس تلك العزيمة المتوقدة التي لمسها منها، رغم التجارب المريرة السابقة التي لقيها منها والده أميرالمؤمنين و اخوه الحسن عليهم السلام.

ان معطيات الحوادث و تعاقبها جعل من العراق و الكوفة في وجه الخصوص، افضل مكان يمكن ان ينطلق منه لمواجهة الحكم الاموي و شن الحرب عليه، للاسباب التي ذكرناها،

فكيف سيكون موقفه امام الامة اذا ما رفض الذهاب اليهم، و ما الذي سوف يسجل عليه بعد ذلك تاريخيا، اذ سيكون قعوده حجة لكل مستسلم و متقاعس و خانع.

ثم ماذا سيكون موقفه امام الله (عزوجل شأنه)، و هو وارث الرسالة و امام الامة


و شاهدها؟ هذا اذا خلص من المصير المحتوم الذي يتعرض له ببقائه في مكة و لم يقتل ليستحل به البلد الحرام.