بازگشت

اجتهاد الحسين السياسي لم يكن علي مستوي الحماس الديني


و هكذا راحوا في غمرة اضطراب المفاهيم و تصارع القيم و المصالح، و غياب التصور الاسلامي الصحيح، يأخذون علي الحسين عليه السلام رفضه المعلن ليزيد و خروجه في الوقت و المكان الذي خرج فيه، و تطالعنا مقولات غريبة من اناس تصدوا لبحث هذه المسألة الشائكة دون استعداد لها، و دون فهم واقعي لمجريات الاحداث و الوقائع التي ادت اليها،و جعلت منها امرا حتمي الوقوع.

يقول احد هؤلاء الكتاب:

(اجتهد الحسين في الخروج و ظن انه لا يسعه الا ذلك للامر بالمعروف و النهي عن المنكر، ولكن اجتهاده السياسي لم يكن علي مستوي الحماس الديني و العاطفة الايمانية المتأججة.

ان اتخاذ القرار في هذا الخروج كان عاطفيا، و لم يبن علي دراسة وافية للمكان و الاشخاص.

كان اختيار الحسين لاهل الكوفة اختيارا في غير موضعه، ان الحسين لم يستمع للشوري، اعتقد ان الحسين كان مصدقا تماما لكلام أهل الكوفة في نصرته، و قد استحوذت عليه قضية الخروج علي يزيد، وتملكته العاطفة البشرية في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر). [1] .

هكذا تصور هذا الكاتب و قد ذكرنا قوله مثالا علي اقوال العديدين ممن يرون رأيه و قد حاول ان يخوض غمار مناقشة الاحداث التاريخية المصيرية و المهمة كقضية ثورة الحسين عليه السلام، و يدلي بدلوه، و حسم المسألة بان رأي ان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر كان مجرد نزعة أو عاطفة ذاتية، تملكت الامام الحسين عليه السلام


و تغلبت علي شعوره حتي راح تحت و طأة الشعور بها يمارسها و كأنها امر عبثي نابع عن حماس ديني غير واع، و عاطفة ايمانية متأججة غير منضبطة، و ان اجتهاده (السياسي) لم يصل الي مستوي عاطفته الدينية و حماسه، و كان اجتهادا غير موفق بدليل الخروج في الموعد غير المناسب، (و لم يوضح الكاتب الموعد المناسب) و ان اختياره لاهل الكوفة كان غير موفق و غير مناسب، و كان يصدقهم بفعل حماسه للخروج علي يزيد، فهل رأينا نحن، و بعد ان استعرضنا الاحداث و الوقائع، و بعد ان و رأينا من هو الحسين عليه السلام، و كيف كان يعيش و يتصرف، ما رأي الكاتب هنا.

و ما رأيه بموقفه و قد دعاه أهل الكوفة للثورة ضد معاوية، لم يستجب لو كانت مجرد الرغبة في الثورة هي التي تملكته، و كان حسه السياسي اقل مستوي من عاطفته الدينية، و قد كان في ذلك الوقت اكثر شبابا و اشد حيوية و قوة؟

هل كان الحماس الديني وحده، هو الدافع الوحيد علي هذا الخروج؟ هل كان يريد ان يقول ان حماسه كان كحماس احد الخوارج الذين لا يفهمون الا الظاهر من الفاظ القرآن و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و انه بثورته علي يزيد، ربما كان كأحدهم، الا يشبه هذا القول قول معاوية و الدولة الاموية التي حاولت ان تضلل الامة بدوافع أهل البيت من العمل ضدهم، و حاولت ان تشوه كل عمل قام به أميرالمؤمنين و من بعده الحسن و الحسين عليهم السلام؟

الم يكن الدافع للثورة هو الحفاظ علي مصالح الامة التي ابتزها الامويون و احتكروها لأنفسهم،و ادعوا انهم الامناء عليها حقا؟ و هل عاد الاسلام في عهد يزيد كما كان في عهده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ليظل الامام عليه السلام علي صمته فلا يحرك ساكنا في وجه الانحراف المعلن؟

و ربما، لو لم يجد الامام عليه السلام من يخرج معه، لخرج وحده، و لكان خروجه يمثل صفعة قوية للنظام الاموي، كما كان فعلا بعد ذلك، و كما احس به اركان ذلك النظام نفسه فيما بعد، و كانت صرخته مدوية و مستمرة في اذان الامة تعلن ضرورة قيامها برفض كل انحراف، و كل خروج متعمد عن الاسلام و قيمة و تشريعاته، و خصوصا من قبل اولئك الذين نصبوا انفسهم قيمين و خلفاء و قادة للامة المسلمة.

اننا نلمس ان هذا الكاتب قد حكم علي هذه الثورة بالفشل و الموت، مادام الحسين عليه السلام قائدها و مفجرها قد قتل جراءها و بسببها.


و لو كان هذا الكاتب قد اقترب من التصور الاسلامي الصحيح، الذي حمله الامام الحسين عليه السلام عن جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابيه أميرالمؤمنين عليه السلام، كما فعل كثيرون غيره و منهم مسلمون واعون ينتمون الي مختلف المذاهب الاسلامية، لرأي ما رآه الامام عليه السلام، و لا كتشف الدوافع الحقيقية التي دعته الي ان يثور ضد السلطة الجائرة المتمادية في انحرافها و ابتعادها المفرط و المعلن عن الاسلام، ذلك الابتعاد الذي اوشك لو استمر علي نفس الوتائر المتسارعة ان يكون نهائيا و تاما، و لعلم اننا لا نناقش في مسألة ثورة الحسين عليه السلام نزاع قيصر مع قيصر آخر، أو فرعون مع فرعون، أو فتي قرشي مترف مع فتي قرشي مترف آخر (كما حاول معاوية الايحاء بذلك، و قد ذكرناه في الفصول السابقة)، بل اننا نناقش قضية موسي مع فرعون، و قضايا الانبياء و الرسالات كلها ضد الطواغيت الذين عاصروهم، و قضية محمد صلي الله عليه و آله و سلم مع ابي سفيان و ابي جهل و ابي لهب و الملأ من قريش، و مع المتنفذين و المتسلطين و طواغيت الامة، و ننظر بالعقلية التي نظروا بها عند حساب الربح و الخسارة و النجاح و الفشل.

هل كان يزيد كالحسين، أو بمستوي اقل مسلم عادي، حتي نأخذ عليه قيامه بوجهه و رفض مبايعته؟

وهل يحسب الكاتب الاسلامي، ان الحكام المسلمين و جدوا هكذا غرار يزيد، و ان علي كل ابناء الامة ان يقبلوهم و يستسلموا لهم؟ و هل كان هو نفسه يقبل ان يستجيب ليزيد و يبايعه لو انه عاش في عهده؟

لا شك انه بهذا الفهم و بهذه المقاييس الضيقة التي لا تنسجم و مقاييس الاسلام و فهمه، و بالآراء و الافكار المسبقة التي تلقاها من غيره قد يفعل ذلك. ولو انه كان يحمل تصور احد اولئك الذين ساروا مع الحسين عليه السلام و استشهدوا بين يديه، أو احد الذين قاتلوا خلف الرسول صلي الله عليه و آله و سلم في بدر، أو أحد أو حنين أو غيرها من معارك الاسلام الخالدة، و وقفوا وقفتهم، لرفض ذلك في كل الاحوال.


پاورقي

[1] محمد سليمان العبدة، حرکة النفس الزکية، دار الارقم / الکويت ط 1402، 1 ه، 1983 م.