بازگشت

رسائل أهل الكوفة، القاء الحجة علي الامام الحسين


و قد اجابه الامام:

(يا ابن عم، اني لأعلم انك ناصح مشفق، ولكن قد ازمعت و اجمعت علي المسير، و هذه كتب أهل الكوفة و رسلهم،و قد وجبت علي اجابتهم، و قام لهم العذر عند الله سبحانه.

ثم قال له:

يا بن عم، ما تقول في قوم اخرجوا ابن بنت رسول الله عن وطنه و داره و قراره، و تركوه خائفا مرعوبا، لا يستقر في قرار، و لا يأوي الي جوار، يريدون بذلك قتله و سفك دمه، و هو لم يشرك بالله شيئا و لا اتخذ من دونه وليا و لم يرتكب منكرا و لا اثما؟

فقال ابن عباس:

ما اقول فيهم الا انهم كفروا بالله و رسوله). [1] .


و يعرض الامام الحسين عليه السلام هنا قضيتين اساسيتين:

الاولي: انه عليه السلام اصبح ملزما بحكم دعوة أهل العراق (مهما تكن نواياهم التي لا يعلمها الا الله) ان يجيبهم، و كان يبدو في الظاهر انهم قد أدوا و اجبهم امام الله، و امام الامة بدعوته لقيادتهم و تزعمهم ضد الدولة الظالمة، اما الخطوة التالية فينبغي ان تكون الاستجابة لهم من قبله.

و قد يطرح سؤال هنا: ماذا سيكون موقف الامة لو لم يستجب لدعوة أهل الكوفة، و ظلت الدولة الاموية متمادية في ظلمها و انحرافها؟ لابد أنها ستحمله مسؤولية ذلك كله، و ستقول انها بذلت محاولة لتغيير الاوضاع و ازاحة الحكم الجائر المنحرف، و دعت قائدها، غير انه لم يستجب و آثر القعود، و (الهرب) الي مكان بعيد في اليمن مثلا و اكتفي بحملة اعلامية مضادة ضد الدولة، قد يكون مفعولها ضعيفا، لانه لم يقدم علي عمل ايجابي في سبيل القضاء عليها و حربها، و اذا ما تصدي أهل الكوفة بقيادة بديلة عن قيادة الحسين في حال عدم استجابته لهم للنظام الجائر، و أبيدوا و طوردوا و لو حقوا و انهزموا، فان مسؤولية ذلك كانت ستقع بنظرهم و نظرنا نحن ايضا علي الامام عليه السلام.

هل سيكون جوابه: اني خفت الموت؟ و هل ستكون هذه حجة مقنعة لو اجاب بها؟

و هل ان من أقدموا علي القتال مع الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و مع ابيه أميرالمؤمنين عليه السلام و منهم هو عليه السلام، قد ضمنت لهم حياتهم؟ الم يكن احتمال الموت قائما؟ الم تحفل الساحة من قبل بالكاذبين و المنافقين و الخائفين، و لم يكن ذلك ذريعة لمن عداهم، للتقاعس أو التماهل أو التراجع؟

ما حجة الحسين عليه السلام لمن يقول له: أقدم و سأفديك بنفسي و دمي و مالي؟ هل سنقنع نحن عندما يقول لنا، و هو قد يعلم ذلك حقا، ان أهل الكوفة ليسوا أهل صدق، و انهم ليسوا في موقف يتيح لهم التماسك و الاتحاد و رص الصفوف للسير علي خطاه؟

و هل اننا سوف لن نقول له: و من ادراك بذلك؟ أليس من المحتمل انهم قد تخلوا عن مواقفهم المتذبذبة مع ابيك أميرالمؤمنين، و اخيك الحسن عليه السلام، و انهم قد ندموا حقا، و انهم صادقون هذه المرة بكل تأكيد؟ و قد يكونون صادقين حتي آخر


لحظة لهم مع مبعوثة مسلم بن عقيل، ثم تخلوا عنه بعد ذلك بفعل العوامل العديدة التي سنذكرها في حينها بعون الله.

كان الحسين عليه السلام يري انه لو لم يستجب لدعوة أهل الكوفة، و التي سيكون ثمنها باهضا جدا يكلفه حياته و حياة الصفوة من أهل بيته و اصحابه، لكان بذلك قد اعطي الضوء الاخضر الدائم للانحراف، و لكان موقف الامة كلها منه غير موقفها الحالي، (رغم اننا لا نزال نجد من يؤاخذه علي تصديه لدولة الانحراف و الظلم الاموية، و يعتقد انه قد سبب بذلك فرقة الامة، و قضي علي أمنها و وحدتها و سلامها و هدوئها)، و لو لم يستجب لكان قد ضحي بالاسلام في سبيل حفنة من السنين، سيقضيها علي هذه الارض، و سيطوي سجله و سيذكر اسمه مقرونا باسماء اولئك الذين كانوا مصدر شقاء الامة و انحرافها، و ابتعادها عن الاسلام.

اما القضية الثانية التي عرضها الامام عليه السلام في معرض رده علي ابن عباس، و التي تساءل فيها عندما عرضها عليه: ما حكمه في قوم اخرجوه من وطنه و داره و قراره و تركوه خائفا مرعوبا، لا يستقر في قرار، و لا يأوي الي جوار، يريدون بذلك قتله و سفك دمه، و هو لم يشرك بالله شيئا و لا اتخذ من دونه وليا، و لم يرتكب منكرا و لا اثما.

لقد اخرج من المدينة مطاردا (او يستسلم و يتخلي عن موقفه برفض البيعة)، لقد كان خوفه علي الاسلام لا علي نفسه الشريفة، و يكاد يخرج و يطارد، و يلقي القبض عليه في مكة ايضا.

أليس موقف أهل العراق الذي يلوح فيه بارقة أمل محتمل أفضل من موقف أهل الحجاز في ذلك الحين؟ الذين حكم عليهم ابن عباس و قد عرض عليه الامام موقفهم، بانهم قد كفروا بالله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم لما فعلوه به عليه السلام.

كان الموقف يبدو عصيبا في ظل الدولة المتجبرة، التي اخضعت الامة كلها لمشيئتها و حكمها و سلطانها، و ان الموت يلوح كشي ء محتمل جدا امام التصدي لتلك الدولة، و هو ما لم يكن منه بد.

و قد يقول قائل: اذا كان الامام عليه السلام قد ترك خائفا، فلماذا يحمل نفسه اكثر من طاقتها و لا يستسلم؟ و هذا اشتباه ناتج عن عدم فهم النص، و ذلك لان خوف الامام الحسين عليه السلام كان تماما مثل خوف موسي عليه السلام، لقد كان خوفه عليه السلام


علي الاسلام، و علي الامة الاسلامية، من الانحراف، و لم يكن خوفه علي نفسه الشريفة، غير ان الخوف من السلطة الظالمة علي الدين و المسلمين لا يبرر الاستسلام لها، و الا لكان ذلك ذريعة لكل المستسلمين و المنهزمين، و كان ذلك سلاحا بيد كل الظالمين و الجبارين.

ان افضل دليل علي ان خوف الحسين عليه السلام لم يكن خوفا علي نفسه هو ترديده عندما خرج من المدينة للآية التي تتحدث عن خروج موسي عليه السلام خائفا علي الشريعة الالهية، ان الحسين عليه السلام بمواجهة الموقف كله، آثر ان يتعرض لكل ما يمكن ان يخيف الانسان العادي الذي لا يحمل قضية عادلة كبيرة، علي ان لا يتخلي عن قضية تصحيح الانحراف المتمادي المتسارع، و لم تكن الفرصة امامه كافية الا للقيام بما قام به. اننا نؤكد هنا ان الامام عليه السلام انطلق من تصور و وعي اسلاميين الا خالصين، و لم يضع امامه الا مقياسا واحدا للشهادة و النصر و النجاح، هو مقياس الاسلام. و هكذا قرن الشهادة بالفتح أو النصر، كما جاء برسالته الي اخيه محمد بن الحنفية (رض) و من تخلف من بني هاشم بالمدينة، و هو امر يصعب فهمه من قبل اولئك الذين لا يفهمون الاسلام، و الذين تخلوا عنه و ابتعدوا عن طريقه.

فكيف ينتصر من يستشهد (او يموت بعبارة الجاهل و المنهزم)،

انه ينتصر عندما ينتصر الاسلام، و يجد من يحمله و يضحي من اجله،

و هكذا كانت سنة الهية، النصر فيها مرهون بمن ينصر الله و دينه،

و هل الله بحاجة الي سيف ينتصر به، ام انه يريد ان يري مدي الاستجابة الواعية الخلاقة الحقيقية لمفاهيمه و احكامه و دينه؟ و يري ملائكته ان من جعله خليفة في الارض جدير بهذه الخلافة، و جدير بحمل الامانة و المسؤولية. لم يقل الحسين عليه السلام ان التصدي للظالمين لم يكن محفوفا بالمخاطر و المتاعب و المخاوف، و ان الطريق معبدة دائما امام المصلحين و الثائرين، و انما اراد افهام الامة انه طريق صعب و طويل و متعب، و علي الذي يريد سلوكه ان يوطن نفسه علي كل شي ء.


پاورقي

[1] نفس المصادر مع اختلاف يسير في بعضها. کما ورد في الطبري و ابن‏الاثير (فوالله اني لخائف ان تقتل کما قتل عثمان و نساؤه و ولده ينظرون اليه.