بازگشت

رسالة الامام الحسين لأهل البصرة تأكيد لأحقية أهل البيت


كما ان رسالته عليه السلام لأهل البصرة ربما كانت ايضا بعد عزمه نهائيا علي الخروج الي العراق، فلابد انه كان يزمع القيام بعمل حاسم ضد الدولة الفاسدة ليطلب نصرتهم، و لو انه اكتفي بموقفه الرافض للبيعة لما وجد سببا يدعوه لدعوتهم لسماع قوله و اطاعة امره عليه السلام.

يدل علي ذلك ان احدي الرسائل وقعت بيد عبيدالله بن زياد قبيل توجهه الي الكوفة بليلة واحدة عند ورود خبر مسير الامام اليها، اي ان الامام عليه السلام ربما كتبها قبيل خروجه بليلة واحدة أو عدة ليالي، و هو ما يبدو منسجما مع الموقف الذي اتخذه عند ذاك، و مع تاريخ وقوع الرسالة بيد ابن زياد.

كتب الحسين عليه السلام من مكة الي جماعة من اشراف البصرة و رؤساء الأخماس فيها مع مولي له، اسمه سليمان، و كنيته (ابورزين) الرسالة التالية:

(أما بعد، فان الله اصطفي محمدا من جميع خلقه، و اكرمه بنبوته، و اختاره لرسالته، ثم قبضه اليه مكرما، و قد نصح لعباده و بلغ ما ارسل به، و كنا اهله و أولياءه، و أوصياءه، و ورثته، و احق الناس بمقامه في الناس، فاستأثر علينا قومنا بذلك فرضينا و كرهنا الفرقة، و أحببنا العافية، و نحن نعلم انا احق بذلك الحق المستحق علينا ممن تولاه.

و قد بعثت رسولي اليكم بهذا الكتاب، و انا ادعوكم الي كتاب الله و سنة نبيه، فان السنة قد أميتت، و ان البدعة قد أحييت، و ان تسمعوا قولي، و تطيعوا امري أهدكم الي سبيل الرشاد). [1] .

لقد اعاد الي اذهانهم بكتابه هذا سبب سكوت أميرالمؤمنين عليه السلام عن حقه عندما رأي ان مطالبته به ستسبب الفرقة و الخصومة، خصوصا و ان من نافسوه عليها لم يكونوا مثل يزيد الذي اميتت السنة في عهده و احييت البدعة، و لو ان يزيد كان كغيره فلربما اختلف الامر، غير ان السكوت عن يزيد الذي أمات السنة واحيا البدعة، فمسألة لا يمكن ان يقرها الامام أو يرضي عنها أو يتساهل بشأنها.


و كان فيمن كتب اليهم الحسين عليه السلام مالك بن مسمع البجري و الاحنف بن قيس و المنذر بن الجارود و مسعود بن عمرو و قيس بن الهيثم و عمرو بن عبيدالله بن معمر، و قد كتموا امر الرسالة عن اعوان السلطة و كان رد فعل بعضهم ايجابيا تجاهها،الا المنذر بن الجارود فقد قبض علي الرسول، و سلمه الي زوج ابنته، ابن زياد الذي قتله بدوره، و القي علي اثر ذلك خطبة مليئة بالسباب و التهديد من علي منبر البصرة و قد جاء في خطبة:

(... فوالله ما تقرن بي الصعبة، و لا يقعقع لي بالشنآن. و اني لنكل لمن عاداني، و سم لمن حاربني، أنصف القارة من راماها. يا أهل البصرة، ان أميرالمؤمنين و لاني الكوفة و انا غاد اليها الغداة، و قد استخلف عليكم عثمان بن زياد بن ابي سفيان، و اياكم و الخلاف و الارجاف، فوالله الذي لا اله غيره، لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنه و عريفه و وليه، و لآخذن الادني بالاقصي حتي تستمعوا لي، و لا يكون فيكم مخالف و لا مشاق، انا ابن زياد، اشبهته من بين من وطي ء الحصي، و لم ينتزعني شبه خال و لا ابن عم). [2] .

ان لنا عودة الي ابن زياد و موقفه المحموم من الثورة، غير اننا نلفت النظر هنا الي امر مهم و هو قيام الحسين عليه السلام بدعوة أهل البصرة لنصرته بينما كان مسيره يبدو في الظاهر استجابة لاهل الكوفة.

فهل كان الامر كذلك بالفعل؟ ام انه اراد اشعارهم و اشعار الامة كلها انه كان يستجيب لهم، و يتحمل مسؤوليته الشرعية بالتصدي للظلم و الانحراف و المنكر، و ان دورهم مقابل ذلك ان يقفوا خلفه و يدعموه و يساندوه، لقد كان ذلك ما طلبه منهم بالضبط في كل المراحل التي مرت بها ثورته المجيدة.

ان الايحاء كما قلنا بأن مسيرة الي الكوفة كان استجابة بحتة لرغبة أهل الكوفة و رسائلهم، ايحاء خبيث و مقصود كما سبق واكدنا، و كما ستدلنا الامثله العديدة فيما بعد علي ذلك.

و رسالته الي أهل البصرة كانت تدلل علي انه كان يريد حشد جماهير الامة خلف قيادته ضد الطغمة الجائرة المنحرفة، و لم يكن بحاجة لمن يدفعه لذلك، و انما كان هو الذي كان يقوم باعداد الامة للنهوض و المجابهة.



پاورقي

[1] الطبري 280 / 3، و ابن‏الاثير 268 / 3، و مقتل ابي‏مخنف ص 37 / 36.

[2] الطبري 281 / 3 و ابن‏الاثير 388 / 3.