مسرحية تنصيب (الخليفة) يزيد
كان جيش المتملقين و المنتفعين، الذين رأوا حياتهم رهينة بحياة يزيد و استمرار وجوده خليفة لابيه علي سدة الحكم، معدا لدعم الحاكم الجديد و تقديم العون و (النصح)، و ازجاء آيات الثناء و المديح مقرونة بالحزن العميق علي الفقيد الراحل...، و راحوا ينفخون في كبرياء يزيد و يزينون له تصوره بانه امل الامة الحقيقية، و انه (الضرورة) الحقة التي جعلت معاوية لقطع دابر الخلافات و الفتن.
و لعل يزيد لم ينس في غمرة احتفاله بالتتويج خليفة لابيه، تلك المسرحيات التي اعدها ذلك الاب الراحل، و جعل فيها جوقات المداحين و الشعراء يشيدون بفضل يزيد الشاب ذي الادب البارع و المواهب الاستثنائية.
لقد عاد اعوان لفرعون ثانية يزينون لفوعون هواه و سعيه لبسط سلطانه المطلق علي الارض، دون ان يتقيد بقانون الا قانونه هو، و شريعه الا شريعته.
و قد كانت المعضلة الاولي التي و اجهتهم هي كيفية مخاطبته بعد موت والده، و توصل احدهم في النهاية و هو عبدالله بن همام السلولي الي استعمال اسلوب متبع مع القياصرة و الاكاسرة: مات قيصر، عاش قيصر، عزاه فيه بأبيه و هناه بمنصبه الجديد (راعي اهل الارض كلهم)، و لفت نظره الي انهم يتطلعون الي اليوم الذي سيكون ابنه معاوية خلفا له، هذا بعد عمر طويل طبعا:
(اصبر يزيد، فقد فارقت ذامقة
و اشكر حباء الذي بالملك حاباكا
لا رزء اعظم في الاقوام قد علموا
مما رزئت و لا عقبي كعقباكا
اصبحت راعي اهل الارض كلهم
فأنت ترعاهم و الله يرعاكا
و في معاوية الباقي لنا خلف
اذا نعيت و لا نسمع بمنعاكا
ثم دخل يزيد فأقام ثلاثة ايام لا يخرج للناس، ثم خرج و عليه اثر الحزن، فصعد المنبر، و اقبل الضحاك فجلس الي جانب المنبر و خاف عليه الحصر، فقال له يزيد: يا ضحاك، اجئت تعلم بني عبد شمس الكلام؟ ثم قام خطيبا). [1] .
فكانت خطبته التي ذكرناها قبل قليل، و فيها تتجلي مواهب بني عبد شمس،
و هي الخطبة التي كانت تبدو و كأنها قد اعدت من قبل، ردد فيها نظرية معاوية في ان السابق هو افضل دائما من الحالي، و ان عليهم ان لا يتوقعوا منه هو اي يزيد ان يكون حتي كأبيه معاوية، ناهيك عن سيرة ابي بكر و عمر، و ان الامر امر ملك اختصه الله به دون الخلق اجمعين الخ مما اعتدنا سماعه من معاوية من قبل.
پاورقي
[1] العقد الفريد 124 / 123، 5.