بازگشت

خلاف الحسن و الحسين حول مسألة الصلح مع معاوية أكذوبة اعلامية أموية


غير ان كتب التاريخ بل بعضها لم تحدثنا الا همسا عن معارضة الامام الحسين عليه السلام لقرار الصلح، الا ان اغلبها اكدت لنا ان ما كان يقوم به الامام الحسن عليه السلام، لم يكن يجري بمعزل عن الحسين عليه السلام - و لو كان الامر بالعكس


لرأينا خصومة و قطيعة و خلافا - لأن كلاهما كان يمتلك نفس الوعي و نفس القدرة علي فهم الاحداث و السنن الربانية المتحكمة بها و يعلمان عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و ابيهما عليه السلام ما لم يعلمه احد آخر.

و لو ان الامام الحسين عليه السلام سبق الامام الحسين عليه السلام في الفترة الزمنية، و تحمل مسؤولياته قبله، لقام بنفس ما قام به، و لقام الحسن عليه السلام بما قام به الحسين عليه السلام في واقعة الطف، لو انه قيض له و عاش بعده، و شهد هلاك معاوية و مجي ء يزيد الي السلطة.

و هكذا، فعندما جاءه نفر من أهل الكوفة، منهم سليمان بن صرد الخزاعي، و المسيب بن نجبة و سعيد بن عبدالله الحنفي يطلبون اليه البقاء في الكوفة بعد ان عزم علي الخروج منها مع اخيه عليه السلام، و القيام بتزعمهم لمناوئة حكم معاوية، ادرك قصدهم و بادرهم بالكلام قبل ان يفصحوا عن غرضهم، عندما رأي في وجوههم الكآبة و الحزن و قال لهم:

(الحمد لله كما هو اهله ان امر الله كان مفعولا، و ان امر الله كان قدرا مقدورا و انه كان امرا مقضيا، و الله لو اجتمعت الانس و الجن علي الذي كان ان يكون لما استطاعوا،و الله لقد كنت طيب النفس بالموت حتي عزم علي اخي الحسن عليه السلام و ناشدني في الله ان لا انفذ امرا و لا احرك ساكنا فاطعته، و كأنما يجدع جادع انفي بالسكاكين أو يشرح لحمي بالمناشير، فأطعته كرها و الان كان صلحا و كانت بيعة و للنظر مادام هذا الرجل حيا، فاذا مات نظرنا و نظرتم) [1] .

لم يقل انه كان مختلفا مع اخيه عليه السلام، بل قال ان الامر كان شديد الوطأة عليه، حتي لقد كان يتمني الموت، لولا مناشدة اخيه عليه السلام بالصبر، و قد اطاعه، مع ان ذلك كان يؤلمه الي ابعد حد، و كانت طاعته اخاه عن وعي بصواب نظرة ذلك الاخ الواعي المتدبر العالم الذي ادرك ما لم يدركه سواه، و الذي فوت علي معاوية فرصة استئصال آل البيت عليه السلام و اشياع الرسالة الحقيقيين.

لقد كان الامر مؤلما بالنسبة للحسن ايضا عليه السلام، و قد صبر علي م و وقع وثيقة الصلح و هو يعلم انه يعرض سمعته لأشد مهانة بين قطاعات واسعة من المسلمين،


و خصوصا من اشياعه و اتباعه الذين لم يفهموا ما فهمه هو عليه السلام، و قد اجابهم بدوره قائلا:

(و لو كنت ممن يعمل الامر للدنيا و سلطانها ما كان معاوية اشد مني بأسا و لا أصعب مني مراسا، و لكني رأيت ما لم ترون، و اشهد الله اني لم ارد بذلك الا حقن دمائكم و اصلاح شأنكم، فارضوا بقضاء الله و سلموا اليه الامر و الزموا بيوتكم) [2] .

لقد كان توجيه الامامين عليه السلام كليهما لانصارهما واحدا: الزموا بيوتكم قالها الامام الحسن عليه السلام و لعله امرهم ضمنا بمراقبة الوضع مادام معاوية حيا فاذا مات كان لهم شأن آخر، و لننظر مادام هذا الرجل حيا، فاذا مات نظرنا و نظرتم، قالها الامام الحسين عليه السلام بشكل صريح، لم يدعواهم للتخلي النهائي عن معارضة دولة الظلم، بلا امراهم باستجماع قوتهم و التربص لعدوهم.

و اذ لم تتح الفرصة للحسن عليه السلام، لعمل عسكري كالذي قام به الامام الحسين عليه السلام لنجاح معاوية في اغتياله، فانه كان جاهزا للقيام بدور الحسين عليه السلام لو امتد به العمر و شهد بيعة يزيد، و لكان هو قائد معركة الطف، و كان الحسين عليه السلام اول جندي يقاتل تحت لوائه، غير ان المسؤولية الاولي تحملها بعد وفاته الامام الحسين عليه السلام، و كان ما كان في معركته الفريدة تلك.

لقد اثيرت و ربما بفعل مقصود مسألة اختلاف الأمامين بمسألة الصلح، و ربما ذهب بعض المؤرخين الي ابعد من ذلك اذ نسبوا الي الحسن عليه السلام عثمانية الهوي و اثاروا مسألة خلاف مزعوم بينه و بين ابيه أميرالمؤمنين عليه السلام، مع انه كان يتصرف بايعاز منه، و كما اوضحنا، فان الاعلام الاموي الماكر اراد ايهام المسلمين ان (اختلاف) مواقف الائمة المزعوم، كان نتيجة تخبط)، و وجهات نظر و رأي خاصة ذاتية لم تخضع الا لعواطفهم و رغباتهم، حالهم في ذلك حال معاوية، و الا لكانوا قد انسجموا و لم يختلفوا، لقد وردت روايات عن ذلك (الاختلاف) مع ان الواقع قد أرانا بشكل قاطع انهم كانوا مثال الانسجام و الوعي، مدرك كل منهم مهماته كامام أو تابع لامام، فكان الحسنان مثال الطاعة و الانضباط و الوعي في عهد ابيهما عليه السلام، و لم يشر احد الي اختلاف أو عصيان امر أو برود بينهم، بل ان الانسمجام بينهم و بين ذلك


الوالد الكبير كان ملفتا للنظر حقا، و لا ندري كيف حاول المكر الاموي النفاذ من هذه النقطة الماكرة، لكنها عبقرية معاوية في الشر، تلك التي ارست دعائم منهج قائم في التضليل و التحريف و التزوير و كان رائدا لكل المدارس التي اعقبته في هذا الشأن.

اما انسجام الامامين عليه السلام مع بعضهما، فهل سجل احد عكسه بموقف واضح، فلم تورد لنا المصادر التأريخية الموثوقة ما يناقضه، غير تلك الاقوال المزعومة المنسوبة اليهما، بل الي الحسين عليه السلام علي وجه الخصوص؟ هل حدثنا احد انهما تقاطعا أو افترقا أو تنازعا؟ كلا، و لو كان لبان، و لكان الاعلام الاموي اول من يطبل و يزمو له، و يستغله و يعرضه علي جماهير المسلمين مبتهجا فرحا، غير انهم لم يرووا لنا سوي مزاعم قيلت علي لسان الحسين عليه السلام مثل قوله للامام الحسن عليه السلام: انشدك الله ان لا تصدق احدوثة معاوية و تكذب احدوثة ابيك، الخ، كما روي لنا ابن كثير و ابن الاثير و ابن عساكر، و جواب الحسن عليه السلام (الخشن) له ردا علي (اندفاعه) و (مخالفته)، كأمره اياه بالسكوت و قوله انه اعلم بالأمر منه، و قوله بانه هم بسجنه في بيت يطينه عليه حتي يقضي بشأنه في أمر الصلح و يخرجه من بعد ذلك، و قوله له بانه لم يرد أمرا الا و خالفه الي غيره... الخ.

هل يذكر لنا اولئك المؤرخون و غيرهم ان الحسين عليه السلام سبب مشكلة واحدة لاخيه، و ان (معارضته) المزعومة خرجت الي حيز عملي، و انهما افترقا أو ابتعدا عن بعضهما في أي وقت من الاوقات، سوي تلك الاقوال الملفقة المزورة.


پاورقي

[1] مقتل الحسين المشتهر بمقتل ابي‏مخنف، مؤسسة الوفاء / لبنان ط 1992، 2 ص 7 / 6.

[2] المصدر السابق.