بازگشت

مغالطات الاعلام الأموي حول مسألة الخلافة استفادة من انحرافات الصحابة


لقد افاد معاوية من طروحات حاول بعض الصحابة بثها من قبل، مثل عدم استخلاف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم احدا قبل وفاته، و هي مغالطة اثبت الواقع زيفها و بطلانها، و ممارسات ناشئة عن رأي رآه من سبقه الي الخلافة مثل الخليفة ابوبكر عندما


استخلف عمر، و الخليفة عمر عندما جعل الامر شوري بين ستة من الصحابة، و هي ممارسات تختلف عن بعضها استغلها معاوية لتمرير مخططه و عرض ممارسة جديدة علي المسلمين و هي استخلاف ابنه، و حاول ايهام المسلمين ان عمله ذاك لم يكن ليختلف عن عمل من سبقوه، ابتداء من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، الا بالشكل، و انه كان يستهدف كمن سبقه مصلحة المسلمين لا غير، و هكذا خطب في أهل المدينة، رادا علي الحسين عليه السلام رأيه الصريح في يزيد و استخلافه قائدا:

(قد علمتم ان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قبض و لم يستخلف احدا، فرأي المسلمون ان يستخلفوا ابابكر، و كانت بيعته بيعة هدي، فعمل بكتاب الله و سنة نبيه، فلما حضرته الوفاة رأي ان يستخلف عمر، فعمل عمر بكتاب الله و سنة نبيه. فلما حضرته الوفاة رأي ان يجعلها شوري بين ستة نفر، اختارهم من المسلمين، فصنع ابوبكر ما لم يصنعه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و صنع عمر ما لم يصنعه ابوبكر، كل ذلك يصنعونه نظرا للمسلمين، فلذلك رأيت ان ابايع ليزيد لما وقع الناس فيه من الاختلاف، و نظرا لهم بعين الانصاف) [1] .

و هي حيلة و حجة و ان لم تنطل علي المسلمين، الا انهم لم يملكوا ردها امام سطوة الحاكم المستبد القوي، و الا فهل كان يزيد في نظر الكثيرين منهم يتمتع بالمنزلة التي كان يتمتع بها ابوبكر و عمر، و هل كان يمتلك ذلك الرصيد الذي امتلكاه، رغم انهما انتزعا الخلافة من صاحبها الشرعي، و هو أميرالمؤمنين، غير انهما انطلقا من فهمهما و تصورهما الخاص، و ربما اعتقدا ان ما فعلاه كان صوابا، و ربما بذلا جهد امكانهما للسير علي بعض خطي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، الذي نسب اليه معاوية تقصيرا كبيرا، و هو اهمال استخلاف احد علي الامة يكمل مهماته لتربيتها و قيادتها، و هو امر لا يمكن ان يفعله احد يعتقد حقا بالرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، و لان بناء الامة لم يستكمل، كان وجود القيادة المؤهلة للعب نفس الدور الذي لعبه صلي الله عليه و آله و سلم امرا ضروريا، و لم يكن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بالذي يفوته هذا الامر و ينسي ان الامة لم تتأهل كلها بعد لاستيعاب الاسلام، و ان قطاعات كبيرة ربما خرجت عليه لمجرد وفاته، و ان فئات عديدة ربما تنافست علي زعامة الامة الاسلامية، و الا فما السبب الذي دعي ابابكر لاستخلاف عمر، و دعا عمر لتكوين لجنة شوري (تنتخب) من بينها احد اعضائها؟


الم تكن الذريعة هي الحفاظ علي وحدة المسلمين و عدم فسح المجال للخلاف و الفرقة؟ هل غاب عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم ما لم يغب عن فطنة أبي بكر و عمر؟ و هل ادرك معاوية امرا لم يدركه الرسول صلي الله عليه و آله و سلم؟ فحاول جعل الامر و راثيا في اولاده مبتدئا بيزيد.

هل كان معاوية يفهم المسألة برمتها علي الشكل التالي: ان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم دعا الناس الي التمسك بآله بعد ان وردت الشهادات الالهية بحقهم و منزلتهم، و مادام هؤلاء الآل عليه السلام قد ابعدوا عن منزلتهم و اصبحوا (تابعين) لغيرهم، فلماذا لا يكرر معاوية لعبة الابعاد هذه مبررا اياها بحبه ليزيد، كما بين رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم حبه للحسن و الحسين عليه السلام و صرح: (انه لم يبق الا ابني و ابناؤهم، فابني احب الي من ابنائهم) و كأن حب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم للحسن و الحسين هو مجرد عاطفة ابوية، و كأنها مثل حب معاوية ليزيد؟

فلو افترضنا ان احد احفاد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و استغفر الله من ذلك كان كيزيد، اكان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يكن له نفس الحب الذي كنه معاوية ليزيد و هو يعلم ما هو؟ ان معني قول معاوية هو ان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و حاشاه من ذلك كان ينطق من غريزة حب ابوية لولديه و حسب، و لم يكن مقيدا بمنهج الهي ثابت ينزهه عن خطأ القول و الفعل، و انه كان ينساق وراء هوي شخصي بحت كأي انسان عادي، لا يعرف حتي الاسلام، متناسيا سيرته الفريدة و عصمته و شهادة الله سبحانه بحقه، و انه لا ينطق عن الهوي ان هو الا وحي يوحي؟

ان اعتقاد معاوية بذلك، هو اعتراف منه بعدم اعتقاده بالاسلام.

كما ان ما زعم انه اراد تداركه وغاب عن بال الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بزعمه اطروحة باطلة اريد منها نفي وصاية أميرالمؤمنين عليه السلام و امامته، و عهد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اليه جملة و تفصيلا، و كيف ظننا بمن امتلك الطاقات الهائلة من الاموال و رجال الأعلام الموالين، سيكون فعله في النهاية اذا ما سخر كل تلك الطاقات لمصلحته و حرب الاسلام الذي لا تنسجم معه تلك المصلحة باية حال من الاحوال، لقد نجح اعلام معاوية باقناع جماهير واسعة من المسلمين بالاطروحات السابقة التي لم تجد لها سندا من الواقعية و الحقيقية، فحاول نشرها و تعزيزها متهما الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بالتقصير في مجال تعيين قائد خلف له، يقوم بمهمة تربية الأمة و اعدادها علي نهجه لفترة اخري اضافية، و شرح كل ما استعصي علي افهامها، و تسريخ كل قيم الاسلام و تعاليمه.


ان (اي افتراض يتجه الي القول بان النبي صلي الله عليه و آله و سلم كان يخطط لاسناد التجربة و القيمومة علي الدعوة بعده مباشرة الي جيل المهاجرين و الانصار يحتوي ضمنا اتهام اكبر و ابصر قائد رسالي في تاريخ العمليات التغييرية، بعدم القدرة علي التمييز بين الوعي المطلوب علي مستوي القاعدة الشعبية للدعوة و الوعي المطلوب علي مستوي قيادة الدعوة و امامتها الفكرية و السياسية) [2] .

فلم يكن جيل الصحابة و معظمهم لم يعش معه أو يرافقه صلي الله عليه و آله و سلم فترة كافية مؤهلا لتحمل المسؤوليات و ادارة عملية التغيير دون قائد مؤهل يمتلك صفات خاصة كتلك التي امتلكها أميرالمؤمنين عليه السلام علي وجه الخصوص و اولاده عليه السلام من بعده.

ان (الامة الاسلامية ككل لم تكن قد عاشت في ظل عملية التغيير هذه الا عقدا واحدا من الزمن علي اكثر تقدير، و هذا الزمن لا يكفي عادة في منطق الرسالات العقائدية و الدعوات التغييرية لارتفاع الجيل الذي عاش في كنف الدعوة عشر سنوات فقط الي درجة من الوعي و الموضوعية و التجرد من رواسب الماضي و الاستيعاب لمعطيات الدعوة الجديدة، تؤهله للقيمومة علي الرسالة و تحمل مسؤوليات الدعوة و مواصلة عملية التغيير بدون قائد.

بل ان منطق الرسالات العقائدية يفرض ان تمر الامة بوصاية عقائدية فترة تطول من الزمن، تهيؤها للارتفاع الي مستوي تلك القيمومة). [3] .

و هكذا فعندما استبعدت القيادة الحقيقية، و جاءت قيادة غير مؤهلة لتربية الامة و اعدادها و تغييرها بدأ العد التنازلي في مستوي اداء القيادة، و بدأت العناصر المتسللة و الدخيلة و الغريبة عن الاسلام بحجج و اطروحات اسلامية مزيفة تهدم هذا الدين و تنحرف و تخرج عليه بشكل سافر، غير متحرجه أو خائفة من الامة بعد فترة لم تتجاوز النصف قرن من رحيل الرسول الاعظم صلي الله عليه و آله و سلم و القائد الاول لهذه التجربة الالهية العظيمة و الرسالة الاخيرة، التي اريد لها ان تمتلك عناصر القوة و الديمومة لا عناصر الضعف و الاندثار، اذ ما من رسالة تعقبها ستصحح من الانحراف أو الخطأ أو السقوط.



پاورقي

[1] الامامة و السياسة ج 1، ص 199 / 182.

[2] بحث حول الولاية السيد محمد باقر الصدر 1977 م، دار التوحيد، الکويت ص 36 / 35.

[3] نفس المصدر السابق، نفس المکان.