و حتي معاوية نفسه ادرك مقدار رصيده في هذا المجتمع الاسلامي الواسع و غير المتجانس أو الموحد من حيث فهم الاسلام و الاقتراب منه، و من حيث تعدد الاصول و الجنسيات و لاعناصر و الانماءات و اللغات، و ان هذا الرصيد و خصوصا في مركز القوة المؤثر و المدعوم من قبل الدولة، أي في مركز هذه الدولة، الشام، ولدي الاغلبية ممن جعلهم ينظرون الي الاسلام بمنظاره الاموي المصلحي البحت، ليس قليلا علي أي حال، مادام لم يتجاهر بما تجاهر به يزيد، و لم يبد للاغلبية انه قد انحرف كما بدا ذاك، و مادام قد اعلن انتماءه لجيل الصحابة الذين حصلوا علي (تزكية) من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بشهادة (صحابة) محدثين كسمرة بن جندب، و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و امثالهم، و حصلوا علي (براءة) من الناس، و اتيحت لهم (حصانة) خاصة تمنع التعرض لهم و المساس بشخوصهم.

لقد كانت تلك الاحاديث المزورة توصل الي نتيجة مؤداها (ان الذي يدل علي الفضل الكثير هو الصحبة. فانه علق الصحبة في الصحيح علي مجرد الرؤية و لو لحظة.. ثم ذكر في الصحيح ثبوت الفضل، لكل صحابي و معاوية منهم. [1] .

و هذه بعض نصوص تلك (الاحاديث) المخبرة المنسوبة الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم:

(آخذين بنظر الاعتبار ان الصحبة بتفسيرهم تعني مجرد الرؤية و لو لحظة..).

فقد زعموا ان النبي محمد صلي الله عليه و آله و سلم قد قال:

(احفظوني في اصحابي و اصهاري و انصاري، فمن حفظني فيهم حفظه الله في الدنيا و الاخرة، و من لم يحفظني فيهم تخلي الله عنه، و من تخلي الله عنه يوشك ان يأخده،


احفظوني في اصحابي، ثم الذين يلونهم.

لعن الله من سب اصحابي.

خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذي يلونهم.

لو انفق احدكم مثل احد ذهبا ما ادرك من احدهم و لا نصيفة.

خير الناس قرني ثم الذين يلونهم.

ان الله اختار اصحابي علي الثقلين سوي النبيين و المرسلين.

اصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم.

الله الله في اصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي. من احبهم فقد احبني و ابغضهم قد ابغضني، و من آذاهم فقد آذاني و من آذاني فقد أذي الله و من آذي الله يوشك ان يأخذه.

اذا ذكر اصحابي فامسكوا) [2] .

و قد تفهم هذه الحوادث اذا ما ادركنا ان غرض رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من بعض هذه الاحاديث أصحابه الحقيقيين الذين رافقوه و صحبوه و تلقوا عنه و حاربوا تحت رايته و استجابوا له استجابة تامة دون تحفظ أو تردد.

لقد كانتالحصيلة النهائية لهذا الكم الهائل من الاحاديث المزورة التي اخترعتها الماكنة الاعلامية الاموية، هي ابراز المنزلة الرفيعة المتفردة (عند الرسول صلي الله عليه و آله و سلم) لكل الصحابة، و معاوية منهم، و ذلك في مقابل الاحاديث و الآيات القرآنية الواردة بحق أميرالمؤمنين عليه السلام..، و الحق ان معاوية نجح نجاحا باهرا في اقناع أهل الشام بهذه الاحاديث، كما نجح باسكات المعارضين عن تفنيدها و تكذيبها..، حتي اذا ما مضي الجيل الذي رويت فيه، و جاءت اجيال متلقية مخدوعة بذلك الجيل أو بمن نصبوا انفسهم اوصياء عليه، رأينا ان هذه (الاحاديث) تقع منهم موقع التصديق حتي ان بعضهم يسلم بها تسليما تاما مقتنعا بصحتها دون التحقيق بطبيعة الشخص المعني و هو معاوية و الأسباب دعته الي ترويجها و افتعالها.


ثم انتقلت حملة تزوير الاحاديت بعد ذلك الي التركيز علي مكانة و منزلة معاوية بشكل خاص.

من قبيل:

(اللهم اجعله هاديا مهديا.

معاوية بن أبي سفيان احلم امتي و اجودها.

صاحب سري معاوية بن أبي سفيان.

جاء جبريل الي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فقال:

يا محمد استوص بمعاوية خيرا فانه امين علي كتاب الله و نعم الامين هو.

دخل صلي الله عليه و آله و سلم علي زوجته ام حبيبة و رأس معاوية في حجرها و هي تقبله، فقال لها:

اتحبيه؟ قالت: و مالي لا احب اخي، فقال صلي الله عليه و آله و سلم: فان الله و رسوله يحبانه. و منها:

اول هذا الامر نبوة و رحمة، ثم يكون خلافة و رحمة، ثم يكون ملكا و رحمة، ثم يكون امارة و رحمة..

و قال صلي الله عليه و آله و سلم لابي بكر و عمر:

احضروه امركم و اشهدوه امركم فانه قوي امين.

- اللهم علمه الكتاب و الحساب و مكن له في البلاد، وقه سوء العذاب.

- اللهم علم معاوية الكتاب و الحساب.

- قام معاوية خطيبا علي منبر النبي صلي الله عليه و آله و سلم بالمدينة،فقال:

يا أهل المدينة اين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم يقول: لا تقوم الساعة الا و طائفة من امتي ظاهرين علي الناس لا يبالون من خذلهم و لا من نصرهم..،

و قال ابوالدرداء:

(في شهادة له امام أهل الشام): ما رأيت أحدا بعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم اشبه صلاة برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من اميركم هذا.


يا اباعبدالرحمن، ايما افضل معاوية أو عمر بن عبدالعزيز؟ فقال: و الله ان الغبار الذي دخل في انف فرس معاوية مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم افضل من عمر بالف مرة، صلي معاوية خلف رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم فقال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم: سمع الله لمن حمده. فقال معاوية رضي الله عنه: ربنا لك الحمد. فما بعد هذا الشرف الاعظم) [3] .

و قد روي ابن حجر احاديث اخري يذم فيها الرسول صلي الله عليه و آله و سلم معاوية و آله.. و مع ذلك فان ابن حجر قد أول تلك الاحاديث و جعلها سببا لمصلحة معاوية النهاية.. و قد ذكر:

(ان النبي طلبه فلم يأت، فدعا عليه). و مع ذلك فانه ذكر ان فقهاء الدولة الاموية (جعلوا ذلك سبيلا الي الترحم عليه) ص (29 - 28). باعتبار ان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قد ذكر انه انما كان يدعو علي بعض الناس لانه مثلهم يتضايق و ينزعج، و ان دعاءه انما كان بتصرف شخصي و طلب ان يكون ذلك كفارة لذنوبهم و سبيلا لعفو الله عنهم، فتأمل كيف ان الاعلام الاموي عندما لم يستطع طمس حقيقة هذا الحديث الاكيد بلعن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لمعاوية، اردفه بحديث آخر ازال الاشكال و انهي الامر، و القيت المسؤولية علي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و انه و حاشاه من ذلك هو المخطي ء و ان معاوية كان مظلوما..، فتأمل ضلالات الدعاية الاموية و مكر الاسلوب الاموي.