بازگشت

المؤتمر الأموي الأول لمواجهة الحسين


و قد عقد معاوية فيما يبدو مؤتمرا عاجلا حضره مروان و سعيد بن العاص و جماعة من أهل الشام.

اما موعد هذا المؤتمر فيبدو انه بعد اغتيال الامام الحسن عليه السلام بالسم لمناقشة المخاطر التي يسببها الحسين عليه السلام ليزيد من بعده، كما ادرك ذلك سعيد بن العاص، و نوه به امام معاوية فقد روي عن العتبي انه قال:

(دعا معاوية مروان بن الحكم فقال له: اشر علي في الحسين.

قال: تخرجه معك الي الشام، فتقطعه عن أهل العراق و تقطعهم عنه.

قال: اردت و الله ان تستريح منه و تبتليني به، فان صبرت عليه صبت علي ما اكره، و ان اسألت اليه كنت قد قطعت رحمه؛

فاقامه و بعث الي سعيد بن العاص، فقال له: يا اباعثمان أشر علي في الحسين، فقال: و الله انك ما تخاف الحسين الا علي من بعدك و انك لتخلف له قرنا ان صارعه ليصرعنه، و ان سابقه ليسبقنه، فذر الحسين منبته النخلة، يشرب من الماء، و يصعد في الهواء، و لا يبلغ الي السماء قال: ما غيبك عني يوم صفين؟ قال: تحملت الحرم، و كفيت الحزم و كنت قريبا لو دعوتنا لاجبناك، و لو ثلمت لرفعناك؛

قال معاوية: يا أهل الشام، هؤلاء قومي و هذا كلامهم) [1] .

ربما لم يشأ معاوية ان يعمد الي قتل الحسين عليه السلام علانية خشية العواقب التي قد تترتب علي ذلك، خصوصا و انه اصبح في نهاية عمره و ربما ضعف بمواجهة النتائج المتوقعة، و ربما حاول مع الحسين ما حاوله مع اخيه عليه السلام فلم ينجح، غير ان من الثابت، انه كان يريد الخلاص منه بأية طريقة و كانت مشورة مروان الانتهازي باخراج الحسين عليه السلام الي الشام لقطعه عن أهل العراق علي حد تعبيره تؤكد ان أهل العراق لم ينقطعوا عن الحسين عليه السلام، و انهم كانوا يواصلونه رغم وجوده في المدينة.

و لم يفت رأي مروان معاوية الذي يعلم اكثر من غيره من هو مروان، و ربما رأي انه كان يسعي للحط من قيمته للصعود مكانه و منافسة يزيد فيما بعد، باعتباره كبير البيت الاموي بعد معاوية، و قد رد عليه رافضا اقتراحه.


أما الاقتراح الذي راقه فهو اقتراح سعيد بن العاص الذي ادرك ان معاوية كان يتخوف علي يزيد من الحسين عليه السلام و لانه يعرف ان يزيد ما كان ليتوقف في امر الحسين عليه السلام، و انه سيلجأ الي اسلوب العنف و ربما القتل معه، فانه حرض معاوية و يزيد علي ذلك مسبقا متوقعا ان يكمل يزيد المهمة التي لم يكن معاوية يريد انجازها، و قد سعد معاوية باقتراح سعيد، و افتخر به امام جمع أهل الشام الذي دعاهم لحضور المؤتمر، و يؤكد هذا وصيته و عهده الذي اودعه سرجون خادمه، فان نية استئصال الحسين عليه السلام كانت امرا مبيتا من قل اركان النظام الاموي، سواء بقي الحسين عليه السلام في المدينة أو سار الي الكوفة أو مكة أو غيرهما، مادام مصرا علي عدم بيعة يزيد و الاستسلام له و وضع يده في يده، و هو امر يدركه الامام الحسين عليه السلام تمام الادراك، كما انه علي ثقة من ثبات موقفه و عدم تغيره بأي حال من الاحوال.

لقد كان لكل من الحسين عليه السلام و ابن الزبير، الذي بقي علي موقفه الرافض ليزيد أيضا دوافعه و أهدافه و نواياه.

و قد حاول معاوية ايهام الحسين عليه السلام ربما بقصد تخويفه بانه كان يقود الحملة ضد بيعة يزيد لتحميله مسؤولية الشقاق أو الثورة المحتملة ضده، فلما قدم معاوية المدينة:

(ارسل الي الحسين بن علي فقال: يا ابن اخي، قد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش انت تقودهم يا بن اخي، فما ادي بك الي الخلاف؟) [2] .

و قد كتب رسالة اخري يهدد بها الامام الحسين قائلا فيها:

(اما بعد، فقد انتهت الي امور عنك لست بها حريا لان من اعطي صفقة بيمينه جدير بالوفاء، فاعلم رحمك الله اني متي انكرك تستنكرني و متي تكدني اكدك، فلا يستفزنك السفهاء الذين يحبون الفتنة. و قد رد عليه الامام عليه السلام قائلا: (ما اريد حربك و لا الخلاف عليك) [3] .

و من جوانب الامام عليه السلام المقتضب نعرف انه لم يعلن موافقته علي مبايعة من


يأتي به معاوية للخلافة، و انما اشار الي انه لا ينوي محاربة معاوية شخصيا، و انه غير ملتزم بتعهده هذا اذا ما هلك معاوية و جاء (خليفة) آخر.

ان من الواضح ان الحسين عليه السلام لم يستجب لمناورات معاوية، و ظل علي عزمه علي رفض مبايعة يزيد مهما يناله من ذلك، و كان يدرك كل الاحتمالات و كل ما يمكن ان يناله بسبب ذلك.

كان عليه السلام يعلم انه الامل الاخير للمسلمين، و اذا ما استجاب الحسين لبيعة يزيد، فان هذا الامل سيضيع منهم الي الابد، و سيكون هو مسؤولا عن السقوط النهائي للامة، و سيعلن النظام الحاكم المنحرف عن وجهه القبيح، و لن يلجأ حتي للتستر بالشعارات الاسلامية الظاهرية، مادام امام هذه الامة و ابن امامها، و ابن رسولها صلي الله عليه و آله و سلم قد اقر انحراف الحاكم، و وضع يده في يده، و سار في ركابه، و اصبح ضمن حاشيته و اعوانه، اذ ان معاوية كان رغم انحرافه الواضح متسترا بلباس الدين و مدعيا لنفسه افضالا و امتيازات عديدة، حتي لقد دفع مبالغ طائلة لرجال حسبوا انفسهم علي الصحابة لرواية احاديث كاذبة علي لسان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم تشيد به شخصيا مقابل تلك الاحاديث الصحيحة المتواترة لدي المسلمين، و التي قيلت بحق آل البيت عليه السلام..، ثم (أحاديت) اخري اراد بها الحط من قيمتهم و منزلتهم عليه السلام لدي المسلمين.

اما يزيد، فما عسي معاوية ان يقول و ما عسي الوضاعون الكاذبون ان يفعلوا بشأنه ايضا؟ و هنا وصل الدجل مرحلة جديدة و تطورت اساليب الدجالين لوضع احاديث مناسبة تجيز هذه المرة استخلاف رجل كيزيد، و جاء من يقول لنا ان:

(معاوية قد عدل الي ولاية ابنه و عقد له البيعة، و بايعه الناس، و تخلف عنها من تخلف، فانعقدت البيعة شرعا، لانها تنعقد بواحد و قيل باثنين، فان قيل ان من شروط الامامة العدالة و العلم و لم يكن يزيد عادلا و لا عالما، فان الحكم في ذلك متعذر، كما ان امامة المفضول موضع جدل و خلاف بين العلماء) [4] (و كان بنوامية يظنون ان طاعة الامام واجبة في كل شي ء، و ان الامام لا يؤاخذه الله بذنبه) [5] .


هذا هو الهراء الذي طالعنا به (الفقه الاموي)، و الذي لا يزال مع الاسف موضع قناعة لدي جماهير واسعة من المسلمين، مع ان هذا الامر الذي ساهم به رجال لم يعرفوا الا مصالحهم، هو الذي جعل الاسلام بعيدا عن حياتنا، و جعلنا في حالة افتراق دائمية عنه، كيف غابت حيلة معاوية عن اذهان الاذكياء و الواعين و العلماء؟ و هل ان مصالح الاسلام فعلا لم يكن ليضطلع بها الا معاوية و يزيد و عبدالملك و الوليد و اضرابهم؟

و هل يستطيع مدع ان يدعي ان يزيدا كان يمثل الاسلام حقا؟ و ما هي تلك الضرورة التي الجأت الامة الي قبول خلافة المفضول و الجاهل و الفاسق؟ و لماذا اخذنا نعتقد ان طاعة (الامام) الجاهل المتخلف الفاسق واجبة و انه غير محاسب امام الله؟ هل هذا هو الاسلام؟ و هل استشهد المسلمون و أوذوا لتثبيت هذا المبدأ المتخلف البعيد عن الاسلام جملة و تفصيلا؟

ان علينا، عندما نريد مناقشة اية قضية اسلامية، ان نفعل ذلك بتصور اسلامي صحيح، لا تصور جاهلي ملفق و قائم علي مصالح من استلموا الحكم، و بعد فما هي مصلحتنا نحن هنا، اذا ما تبنينا موقفا بعيدا عن الاسلام، و اذا ما تحيزنا دون وعي و دون شعور بالمسؤولية الي اناس كانوا سبب دمارنا نحن ايضا، و منا من ينحازون اليهم فعلا، هل ادركنا اننا نحن الضحية المباشرة لمثل ذلك الدجل الذي طالعتنا به الدولة الاموية بقيادة معاوية؟

هل روي ليزيد فضل واحد، سوي تلك الاقاصيص المضحكة التي طالعنا بها كهنة الدجل و الخداع و رواة الاحلام و مرتزقة الشعراء؟

و مع ذلك فقد...

(بويع ليزيد بن معاوية في النهاية و اخذ هذا بدوره البيعة لابنه معاوية بن يزيد علي الناس قبل موته.. [6] .

و هكذا..

(أقعده في قبة حمراء فجعل الناس يسلمون علي معاوية ثم يميلون الي يزيد) [7] .


و قد خاطبه لما مرض مرضته التي هلك فيها قائلا:

(يا بني اني قد كفيتك الرحلة و الترحال، و طأت لك الاشياء، و ذللت لك الاعداء، و اخضعت لك اعناق العرب، و جمعت لك من جمع واحد) [8] .

و اكملت فصول اكبر مهزلة شهدها تاريخ الاسلام، و شهد المسلمون و لا يزالون يشهدون اثارها الرهيبة، و مع ذلك فلا يزال هناك من ينظر اليها كما ينظر الي مسألة لا تعنيه و لا تعني الاسلام بشي ء، و كأنها لم تؤثر علي مصير و حياة مليارات البشر علي امتداد تاريخ هذه الامة.

فكيف امكن السكوت علي سابقة خطيرة كولاية يزيد علي الامة و تبريرها من قبل (علماء) مسؤولين امام الله و امام الامة نفسها؟


پاورقي

[1] العقد الفريد 107 / 4.

[2] الطبري 170 / 6.

[3] الاخبار الطوال، الدينوري، المکتبة العربية 206 / 205.

[4] ابن‏کثير ط دار الفکر العربي 8 ص 219.

[5] ابن‏تيميه منهاج الاعتدال ط السلفية بمصرص 162.

[6] مروج الذهب 66 / 3.

[7] الکامل للمبرد 38 / 1.

[8] الطبري 260 / 3 ط دار الکتب العلمية.