بازگشت

الحسين في مواجهة معاوية الناقض لعهد الحسن


و لم يكن الامام الحسين عليه السلام بالذي يجهل مركزه أو موقفه من المسلمين، و لم يكن احد اعرف به منه هو عليه السلام، و كان يقوم بمسؤولياته علي ضوء الظروف الجديدة التي اخل بها معاوية بتعهداته للامام الحسن عليه السلام، و ظهر مكشوفا امام الامة، و اخذت تتساءل بشأنه و تعيد النظر بمواقفه مع انها لم تجرؤ في جو الارهاب الذي اشاعه علي اعلان موقفها منه، لقد كانت تستنكر اعماله بقلبها فقط، و لم ترفع بوجهه اصبعا أو سيفا، و لقد كان الامام الحسين عليه السلام املا مرتقبا وحيدا للامة، لكي يقوم بهذه المهمة، و كان هو عليه السلام يدرك انه يستطيع بفعل ملحوظ و واضح و امام انظار كل ابنائها ان يجعلها تعيد النظر بمواقفها المتراخية و المستسلمة للنظام الاموي المتسلط.

و كانت مسيرات الحج التي بلغت خمسا و عشرين مسيرة، اداها الامام عليه السلام راجلا و نجائبه تقاد بين يديه، تمثل احدي الفعاليات العديدة التي كان يقوم بها عليه السلام لجعل المسلمين يلتفتون التفاتة حقيقية الي دينهم الحق، ليمارسوه كفعل حياتي واضح، و لابد انه يجد هناك في رحاب بيت الله من ينتظره علي احر من الجمر ليستفيد من علمه و يستمع اليه و يجتمع به، و هكذا أخبرنا فعلا انه كان محط انظار الحجيج الذين كانوا ينتهزون فرصة وجوده بينهم للافادة من علمه و التزود بطاقة ايمانية كبيرة من اللقاء به، و قد عمل بدوره علي استثمار فرصة الحج لتوضيح احكام الاسلام، و موقعه من رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و منزلته و منزلة أميرالمؤمنين من الاسلام و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم علي السواء، و خصوصا ما جاء علي لسان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم يوم الغدير، حينما صدع بأمر الله و جعل من اخيه أميرالمؤمنين عليه السلام وصيا له.

(و لسيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام، موقف علي عهد معاوية حصحص فيه الحق، كموقف أميرالمؤمنين في الرحبة اذ جمع الناس ايام الموسم بعرفات فأشاد يذكر جده و أبيه و أمه و أخيه، فلم يسمع سامع بمثله بليغا حيكما يستعبد الاسماع، و يملك الابصار و الافئدة جمع في خطابه فأوعي، و تتبع فاستقصي، وادي يوم الغدير حقه، و وفاه حسابه، فكان لهذا الموقف العظيم اثره، في اشتهار حديث الغدير و انتشاره) [1] .


و قد روي (سليم بن قيس الهلالي بعض تفاصيل الحدث في كتابه قال: لما كان قبل معاوية بسنتين حج الحسين بن علي عليهم السلام و ابن عباس و عبدالله بن جعفر فجمع الحسين عليه السلام بني هاشم رجالهم و نساءهم و مواليهم و شيعتهم من حج منهم، و من الانصار من يعرفه الحسين عليه السلام و أهل بيته، ثم لم يترك احدا حج ذلك العام من أصحاب رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و من التابعين من الانصار المعروفين بالصلاح و النسك الا جمعهم، و اجتمع عليه ب (مني) اكثر من سبعمائة رجل، و هو في سرادقة عامتهم من الله و اثني عليه، ثم قال: اما بعد، فان هذا الطاغية يعني معاوية قد صنع بنا و بشيعتنا ما قد علمتم و رأيتم و شهدتم، و اني اريد ان اسألكم عن شي ء، فان صدقت فصدقوني، و ان كذبت فكذبوني، اسمعوا مقالتي و اكتبوا قولي، ثم ارجعوا الي امصاركم و قبائلكم، فمن ائتمنتموه من الناس و وثقتم به فادعوه الي ما تعلمون من حقنا، فاني اتخوف ان يدرس هذا الحق و يغلب (و الله متم نوره و لو كره الكفرون)، و ما ترك شيئا مما انزل الله منهم من القرآن الا تلاه و فسره، و لا شيئا مما قاله رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في أبيه و اخيه و امه و في نفسه و اهل بيته الا رواه، و كل ذلك يقول الصحابة «اللهم نعم قد سمعنا و شهدنا» و يقول التابعون: «اللهم نعم قد حدثنا من نصدقه و نأتمنه من الصحابة» فقال: انشدكم بالله الا حدثتم به من تثقون يه و بدينه) [2] .

ان هذا الموقف الدي يعلن فيه الحسين عليه السلام فضل أهل البيت عليه السلام علي رؤوس الاشهاد و خلال اكبر تجمع يشهده المسلمون في موسم الحج، يشكل تهديدا لمعاوية، لانه يهدم (الشرعية) التي يحاول بناءها و اقامة ملكه علي اساسها، و ينسف كل المقولات و الاطروحات الاموية بخصوص امكانية استخلاف المفضول، و عدم الخروج علي الفاسق، و وجوب طاعته، الي غير ذلك من الامور التي شكلت خرقا واضحا لنظرية الاسلام في الحكم و الحياة و لعل معاوية فكر ان هذا الموقف اذا ما تكرر بعد هلاكه، فربما سيكون سببا لنسف الحكم الاموي برمته، و سيكون يزيد اول (ضحايا) الثورة المحتملة.



پاورقي

[1] المراجعات 197.

[2] مقتل الحسين عليه‏السلام بحرالعلوم، ط 107 / 106: 2.