بازگشت

استعدادات معاوية لاحتمالات المواجهة


و قد اعد للامر الاول عدته و كتب عهدا اودعه سرجون خادمه الذي قال ليزيد عندما بلغهما خروج الحسين عليه السلام الي العراق:

(أرأيت معاوية لو نشر لك، أكنت أخذا برأيه؟ قال: نعم، فاخرج عهد عبيدالله علي الكوفة، فقال: هذا رأي معاوية، و مات و قد امر بهذا الكتاب، فأخذ برأيه) [1] .

كما اعد للامر الثاني عدته ايضا، فقد قال ليزيد:

(ان لك من أهل المدينة يوما فان فعلوا فارمهم بمسلم بن عقبه، فانه رجل قد عرفت نصيحته لنا) [2] .

فأهل المدينة كانوا من ضحايا معاوية. كما انه نفسه كان المسؤول الاول عن مجزرة الطف.

و من الطريف ان نذكر هنا ان معاوية اراد نقل منبر الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من المدينة، ليستكمل بذلك صورة نقل الخلافة امام المسلمين و يجعلها تبدو امامهم كأرث خاص له و لبنيه، و اراد بذلك تجريد مدينة الرسول من القدسية التي تمتعت بها امامهم، لقد اشاع معاوية جوا من الارهاب، ربما اراد به ترويض البقية التي احتمل انها ستحمل لواء المعارضة ضده، و قام بقتل مجموعة من اصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام و الموالين له، مثل حجر بن عدي و اصحابه و ميثم الثمار و عمرو بن الحمق و غيرهم، مع انهم لم يقوموا بعمل مسلح ضد دولته، و ما نظن انه كان سيحجم عن تنفيذ تهديده بخصوص


قتل الحسين عليه السلام و بقية الرافضين لبيعة يزيد الذين بايع اغلبهم علي اية حال فيما عدا ابن الزبير، و قادة بني هاشم.

و كما انه تهدد الذين لم يبايعوا بالقتل، فانه حاول استمالتهم ايضا عسي ان يبايعوا يزيدا، و كأنه اراد بذلك اشعار الامة اذا ما اصبح الرأي العام ضده، انه لم يأل معهم جهدا، و انه القي (الحجة) عليهم، و اذا ما قتلوا بعد ذلك، فربما كان ذلك بسبب تصرفاتهم و اعراضهم عن البيعة التي (أقرها و ارتضاها و اجمع عليها) المسلمون كافة:

فقد روي انه اتبع سياسة مغايرة تجاه المعارضين، و عندما ورد المدينة و نظر الي الحسين عليه السلام قال:

(مرحبا بسيد شباب المسلمين [3] ، قربوا دابة لأبي عبدالله، و قال لعبدالرحمن بن أبي بكر: مرحبا بشيخ قريش و سيدها و ابن الصديق، و قال لابن عمر: مرحبا بصاحب رسول الله و ابن الفاروق، و قال لابن الزبير: مرحبا بابن حواري رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و ابن عمته، و دعا لهم بدواب فحملهم عليها و خرج حتي اتي مكة) [4] .

و لعله اراد ان يمنيهم بحصة يسيرة من ملكه كما فعل مع عمرو بن العاص، الذي اعطاه مصر و استردها بعد هلاكه، علي ان يكونوا بطانة ليزيد و من اعوانه و نصرائه، و اراد ايامهم بان يزيد انما هو خليفة في الظاهر، اما الامر و النهي فهما لهم في الواقع و قد قال لهم:

(قد علمتم نظري لكم و تعطفي عليكم، و صلتي ارحامكم، و يزيد اخوكم و ابن عمكم، و انما اردت ان اقدمه باسم الخلافة، و تكونوا انتم تأمرون و تنهون. فسكتوا) [5] .

كان معاوية يصر في كل اطوار حياته بعد انتصار الاسلام التأكيد علي انتمائها لال عبدمناف و مركزه في قريش و قرابته من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و وصل الامر الي اعتباره


من اقرب المقربين الي الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، بل و انه المقصود (بآل الرسول)، و وضع له رواته و قصاصوه، و ربما ابتكرت مخيلته هذه القصة لهم ليرووها، و يجعلوا احد اطرافها الحسين عليه السلام نفسه، و هي قصة طريفة لا تنطلي علي المسلمين، غير انها لابد ان تكون قد انطلت علي أهل الشام المخدوعين به و المقتنعين باسلامه، بل و بحرصه علي الاسلام! فقد روي ان الحسين عليه السلام و فد علي معاوية زائرا في يوم الجمعة و كان قائما علي المنبر خطيبا فقال له رجل من القوم: [ائذن للحسين يصعد المنبر، فقال له معاوية: ويلك دعني افتخر، ثم حمد الله و اثني عليه، و وجه خطابه للحسين قائلا له:

سألتك يا اباعبدالله أليس انا ابن بطحاء مكة؟

فقال: أي و الذي بعث جدي بشيرا.

سألتك يا أباعبدالله، اليس انا خال المؤمنين؟

اي و الذي بعث جدي نبيا.

سألتك يا اباعبدالله اليس انا كاتب الوحي؟

اي و الذي بعث جدي نذيرا.

ثم نزل معاوية عن المنبر، فصعد الحسين فحمدالله بمحامد لم يحمده الاولون و الآخرون بمثلها، ثم قال: حدثني أبي عن جدي عن جبرائيل عن الله تعالي: ان تحت قائمة كرسي العرش و رقة آس خضراء مكتوب عليها «لا اله الا الله محمد رسول الله، يا شيعة آل محمد لا يأتي احدكم يرم القيامة الا ادخله الله الجنة، فقال له معاوية: سألتك يا اباعبدالله من شيعة آل محمد؟

فقال: عليه السلام: الذين لا يشتمون الشيخين ابابكر و عمر، و لا يشتمون عثمان و لا يشتمونك يا معاوية.

و علق الحافظ ابن عساكر علي هذا الحديث بقوله: هذا حديث منكر، و لا أري سنده متصلا الي الحسين] [6] .


و حاول معاوية ايضا تحميل الرافضين بيعة يزيد مسؤولية تحريض الآخرين علي ذلك، و تزعم الحركة المضادة للحكم، و هو قد لجأ بذلك الي اسلوب قد يجعلهم يتنصلون من مسؤولية التحريض، و تحمل مسؤوليتهم الشخصية بعدم البيعة لا غير، و من ثم تغيير الموقف بعد ذلك تحت وطأة التهمة (الثقيلة) بالتحريض خوفا من العقاب الصارم المتوقع، و هو اسلوب نجح فيه في احتواء معظم هؤلاء الخصوم، و جذب بعضهم الي صفه أو تحييدهم و اخراجهم من ساحة الصراع، و قد نجع مع ابن عمر، كما انه لجأ الي سم عبدالرحمن بن أبي بكر، و هو الاسلوب الذي طالما لجأ اليه مع خصومه و منافسيه مثل الامام الحسن عليه السلام و مالك بن الاشتر، و عبدالرحمن بن خالد بن الوليد، و سعد ابن أبي وقاص و غيرهم، و يبدو انه لم يكن يجد حرجا فيه، و كان يتندر علي مهارته في استعماله و قد قال في احدي المرات بعد اغتيال احد مناوئيه بالسم: ان لله جنودا من عسل، و كانت القوة الحقيقية الباقية، متمثلة بالامام الحسين عليه السلام، تقض مضجعه، فالامام الحسين، كان بنظر المسلمين الممثل الحقيقي عليه السلام لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و كان الوريث الشرعي لعلمه و خلافته، و كان واقع حاله يدل علي انه مؤهل فعلا لشغل هذا المنصب بجدارة، و لم يكن هناك أي وجه للمقارنة بينه و بين يزيد، الذي كانت كل مؤهلاته هو تمتعه بدعم و اسناد والده و الطغمة الحاكمة و المقربة من الحكم، و الذي اشرنا الي طرف من سلوكه الذي لا يتيح له حتي الانتماء للاسلام، بل ان اقوالا صدرت منه فيما بعد علي شكل ابيات شعرية دلت علي عدم اعترافه بالاسلام اصلا، و من هنا كانت مخاوف معاوية الحقيقية من الحسين عليه السلام، اذا بقي يزيد وحده في الساحة - بعد هلاكه هو - بمواجهة الامام الحسين عليه السلام، فمن كان يستطيع التكهن بتصرف عموم المسلمين حينذاك، غير انه علي أي حال احكم قبضته علي ارجاء مملكته و مهد لحكم يزيد، و اعد الامة لتقبله و اوجد طبقة كبيرة متحيزة مرتبطة به، و جعل مصيرها مرتبطا بمصيره، و لابد انها ستستميت في سبيل الحفاظ علي (المكاسب) التي حصلت عليها في ظل الدولة الاموية.



پاورقي

[1] الطبري 200 / 6 و العقد الفريد 119 / 5 و قيل انه قال ليزيد (.. فاما الحسين بن علي فارجو ان يکفيکه الله بمن قتل اباء و خذل اخاه العقد الفريد 123 / 5.

[2] ابن‏الاثير 456 / 3.

[3] و لم يقل له مرحبا بسيد شباب اهل الجنة کما اشار الي ذلک رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و الفرق بين المعنيين واضح.. لکنه لو قال له کما قال له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من قبل لکان قد اعترف بذلک و اصبح لزامأ عليه الاقرار بتفوقه عليه‏السلام عليه و علي ذريته و منهم يزيد الذي يريد اخذ البيعة له.

[4] العقد الفريد 113 / 5.

[5] العقد الفريد 113 / 5 و راجع العواصم من القواصم للقاضي ابي‏بکر بن العريي، تحقيق محب الدين الخطيب ط 1 السلفية ص 224 / 222.

[6] تاريخ ابن‏عساکر 313 / 4 عن (حياة الحسين بن علي) باقر شريف القرشي مکتبة الداوري، قم ايران 159 / 158 / 2.

و قد رويت قصة طريفة مفادها ان معاوية اراد اجبار احد الموالين القدامي لأميرالمؤمنين عليه‏السلام علي سبه و البراءة منه و هو رجل من بني‏تميم، و قد تملص من ذلک بحيلة طريفة و قال لمعاوية ت (نطيع احياءکم، و لا نبرأ من موتاکم، العقد الفريد 119 / 4 مدرکا ان ذلک يشبع غروره بادعاء القرابة الي آل البيت عليهم‏السلام و الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و لعل معاوية اراد لهذه القصة ان تنتشر لکي يؤکد علي لسان شاهد ثقة علي قرابته من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم. و قد ملاته هلت هذه المقالة زهوا و امر زيادا قائلا: (هذا رجل فاستوص به خيرا).