بازگشت

الجبر و التشبيه أمويان و العدل و التوحيد علويان


أليس ذلك هو ما طلع به علينا فقهاء الدولة الأموية المأجورين و من تبعهم؟

نعم لقد طلعوا علينا بفكرة (الجبر) التي جاء بها الأشاعرة، و التي ردوا بموجبها كل شي ء و منها أعمال الانسان للقضاء و القدر، و جعلوه بموجبها يفقد أي اختيار. اذ تشل الانسان و ارادته عن أي تأثير، و هي الفكرة التي شدت من عضد الأقوياء الظالمين في نفس الوقت الذي قيدت فيه أيدي الضعفاء و المظلومين. فذلك الانسان الذي سيطر علي منصب أو ثروة عامة بطرق غير مشروعة يتحدث عن المواهب الالهية التي اختصه الله بها و غمرة بنعمته بعد أن حرم الضعفاء منها، و غمرهم في بحر من الالام و العذاب. فالظالم ترفع عنه مسووليته جراء أعماله بحجة القضاء و القدر، و باعتبار أنه أي الظالم يد الله، و يد الله لا تقبل أي طعن فيما تعمل...»، ان التاريخ يثبت لنا أن بني أمية حولوا قضية (القضاء و القدر) الي مستمسك متين بعد ان أيدوه بكل قوة، و قارعوا و نكلوا بمؤيدي الحركة الانسانية علي اساس انها عقيدة تخالف عقائد الاسلام حتي عرف بين الناس ان «الجبر و التشبيه امويان و العدل و التوحيد علويان، ان بدءها كان سياسيا و علي اساس من مقتضيات المصلحة الداخلية للدولة. اذا لما كانت الدولة الاموية دولة الحديد و النار، فان من الطبيعي ان تسري روح الثورة في النفوس. و لكن


ماان ينطلق لسانه بالشكوي حتي تحط الحكومة الامر الي التقدير و يسكتوه بان ما يحدث مقر مرضي من الله.) [1] .

كان معاوية حريصا: علي ان يبايع ليزيد اولئك النفر الذين لم يبايعوا، فحاول استمالتهم و رشوتهم، و حاول تهديدهم.

و كان يري في الحسين عليه السلام الخطر الاكبر علي يزيد و علي مملكته الاموية، و قد بذل معه جهودا كبيرة، لأن (الناس انما ميلهم الي الحسين لانه السيد الكبير و ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فليس علي وجه الارض احد يساميه أو يساويه).

لقد تصدي معاوية بعنف (لمنافسه) الامام علي عليه السلام بحروب مسلحة شرسة علي مؤيديه، و اتسمت تصرفاته بالغلظة و الشدة تجاه كل السائرين تحت لواء الدولة الاسلامية التي قادها عليه السلام، فارسل قوادا اشتهروا بالقسوة و الشراسة المتناهية مثل بسر بن ارطأة و الضحاك و زيادا و سمرة بن جندب [2] لقمع كل معارضيه و اعدائه، (و قد كان بسر بن ارطأة العامري، قتل بالمدينة و بين المسجدين خلقا كثيرا من خزاعة و غيرهم و كذلك بالجرف قتل بها خلقا كثيرا، من رجال همدان، و قتل بصنعاء خلقا كثيرا من الابناء. و لم يبلغه عن احد انه يمالي ء عليا أو يهواه الا قتله) [3] .

(و كان اشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة لكثرة من بها من الشيعة فاستعمل عليهم زياد بن سمية).. الذي خاطب الامام الحسن عليه السلام بقوله: (ان احب الناس الي لحما ان آكله للحم انت منه...) [4] .

و ضم معاوية.. اليه البصرة فكان يتبع الشيعة، و هو بهم عارف، لانه كان منهم ايام علي عليه السلام، فقتلهم تحت كل حجر و مدر، و اخافهم و شردهم، و قطع الايدي و الارجل و سمل العيون، و صلبهم علي جذوع النخل فلم يبق منهم بها معروف، و كتب معاوية الي جميع الآفاق الا يجيزوا لأحد من شيعة علي و اهل بيته شهادة...، و كتب ايضا الي عماله في جميع البلدان: انظروا الي من قامت عليه البينة انه يحب


عليا و اهل بيته، فامحوه من الديوان و أسقطوا عطاءه و رزقه. و كتب نسخة اخري: و من اتهمتموه بموالاة القوم فنكلوا به واهدموا داره) [5] .

و قد تمادي سمرة بن جندب بالقتل و اسرف فيه الي حد بعيد و رويت قصص عديدة عن جرائمه، و كان قد استخلفه زياد علي البصرة عند مسيره الي الكوفة، و اقره معاوية علي منصبه بعد وفاة زياد بستة اشهر.

(ثم عزله، فقال سمرة: لعن الله معاوية؛ و الله لو اطعت الله كما اطعت معاوية ما عذبني ابدا) [6] .

و سمرة هذا هو الذي طلب منه معاوية ان يضع احاديث مكذوبة بحق أميرالمؤمنين.

و عن سياسة العسف و الغشم الاموي يقول محمد قطب: (... اما في موقف الامة من حكامها الذين استتب لهم الأمر، فالمفسدة كانت هي السكوت عن نصحهم و مراقبتهم و محاولة ردهم الي الحق؛ و لكن السبب الأكبر في هذا القعود، و الذي تقع المسؤولية في علي الامويين انفسهم، هو عنف معاملة الامويين لخصومهم السياسيين، مما ارهب الناس من معارضة أي أمر يهمون يه.

و ايا كانت المعاذير التي احتج بها الامويرن لتبربر ذلك لعنف الذي سلكوا طريقه، فقد كان هذا من البدايات الخطيرة لخط الانحراف الذي زاد اتساعا علي الزمن) [7] .

و هذه شهادة جديرة بالاستماع اليها..، فكيف ستكون المرارة في نفوس و قلوب المسلمين الآن لو ان الحسين عليه السلام و جمهرة واعية من المسلمين لم تراقب و لم تشجب الممارسات الاموية البعيدة عن الاسلام، و سكتوا كالآخرين، مما انعكست نتائجه علي مجمل حوادث التاريخ الاسلامي و أدت الي ظهور سلالات فرعونية مشابهة للسلالة الاموية المتفرعنة؟

فلا يحسبن أحد قبضة معاوية الارهابية، كانت ستقف عاجزة امام حفنة قليلة


من المعارضين لتولية يزيد، فمع انه لم يكن يري في ابن عمر و ابن أبي بكر خطرا شديدا الا انه كان يحذر من الحسين عليه السلام بشكل خاص.

فاما ابن عمر (اذا لم يبق احد غيره بايعك) [8] .

(و اما ابن أبي بكر فرجل ان رأي اصحابه صنعوا شيئا صنع مثلهم، ليس له همة الا في النساء و اللهو)، و قد كان يتوقع ان يتصدي الحسين عليه السلام ليزيد اذا ما هلك، و ربما كان يتصور ان الرغبة في الحكم و المنافسة هي التي تدعوه لذلك. [9] .

و فعلا رأينا الطريقة الفعالة التي لفت بها الامام الحسين عليه السلام نظر الامة الي رفضه ليزيد و امتناعه عن مبايعته رغم التهديدات و الاغراءات.

و لان معاوية علم ان في العراق اعوانا و انصارا لآل البيت عليه السلام و طليعة رباها أميرالمؤمنين عليه السلام و اعدها لتسير علي خطه و تقف ضد الانحراف و الخروج المتعمد علي الاسلام، فانه توقع ان الحسين عليه السلام سيذهب الي هناك لاعلان ثورته علي يزيد، ربما بدعوة من أهل العراق.. هذا اذا صح عنه قوله: (أما الحسين بن علي فان أهل العراق لن يدعوه حتي يخرحوه، و ارجو ان يكفيكه الله بمن قتل اباه و خذل اخاه، و لا اظن أهل العراق تاركيه حتي يخرجوه) [10] .

و انه لما شك فيه ان هذه الوصية مكذوبة أو موضوعة لاننا سنري فيما بعد وفاته انه اوصي خادمه سرجون ان يري يزيدا عهدا كتبه، و فيه يأمره بوضع عبيدالله بن زياد علي العراق لغرض قتل الحسين عليه السلام اذا ما خرج، كما ان عبدالرحمن بن أبي بكر لم يكن قد عاش حتي وقت هذه الوصية، و انما توفي قبل معاوية بخمس سنين - قتله معاوية بالسم ايضا - فلا داعي لمخاوفه منه اذا ما كان قد توفي قبله.

و لكنه أي معاوية كان يدرك ان أهل العراق قد سكتوا تحت وطأة سيفه و جلاديه، اما اذا غاب، و وجدوا امامهم الحسين عليه السلام و يزيد، فانهم في تلك الحال ربما لن يعدلوا بالحسين عليه السلام احدا، و يزيد مهما بلغت قوته فلن تبلغ بحال قوة معاوية التي لم تقم علي السيف المجرد فقط.


و لا نظن ان الرواية الموضوعة عن معاوية و التي قيل انه اوصي يزيدا فيها بشأن الحسين عليه السلام قائلا:

(فان قدرت عليه فاصفح عنه، فأني لو أني صاحبه عفوت عنه) [11] .

الا موضوعة و غير صحيحة قيلت لتبرئة معاوية من التحريض علي قتل الحسين عليه السلام، لو تصدي لخليفته يزيد فيما بعد، و هي كتلك التي رويت بشأن يزيد، و انه لم يكن راضيا عن قتل الحسين عليه السلام، من قبل ابن زياد، و انه قال:

(... لقد اقنع من طاعتكم بدون قتل الحسين - لعن الله بن سمية - اما و الله لو كنت صاحبه لتركته) [12] .

اذ ان من المؤكد ان رد فعل يزيد علي مقتل الحسين و أصحابه عليه السلام و حين جلبت اليه رؤوس القتلي، و تقريبه ابن زياد بشكل ملحوظ بعد ذلك كما سنذكر بعون الله تؤكد عكس الذي قيل علي لسانه، و لعله من موضوعات الامويين المتفننين بهذا المجال.

و لا بأس ان نشير هنا الي ان ابن زياد، الذي الصقت به وحده شخصيا جريمة مقتل الحسين عليه السلام في محاولة لتبرئة يزيد منها، قال لتبرير فعلته:

(... اما قتلي الحسين فانه اشار علي يزيد بقتله أو قتلي فاخترت قتله) [13] .

لقد كان معاوية يدرك ان يزيد سيواجه بمقاومة شديدة من قبل المسلمين، و انه واجهها فعلا حينما رفض الحسين عليه السلام مبايعته و والده لا يزال علي قيد الحياة، و انه لم يكن يتمتع بالقوة و الجلد و الصلابة التي كان يتمتع بها، و انه لذلك ربما ضعف امام تيار اية ثورة محتملة ضده، (و احتمال قيام الثورة هنا من الحسين عليه السلام في اغلب


الظن)، و قنع بزق من الخمر و جارية حسناء تغنيه و تعاطيه خمرته، و ترك كرسي الخلافة الذي بذل معاوية جهودا ضخمة ليجعله في البيت الاموي، فلا يخرج منه الي الابد، لذلك فانه عمد الي تحشيد القادة العسكريين و العمال الذين اتسموا بالقسوة و الجرأة علي القتل خلف يزيد، الذي اقرهم علي مناصبهم عند مجيئة للسلطة.

و من هنا فان اهم حدثين احتمل معاوية وقوعهما هما ثورة الحسين بن علي عليه السلام علي يزيد ابنه، و ثورة أهل المدينة عليه كذلك.


پاورقي

[1] الانسان و القدر، الشهيد مطهري، 45 - 43.

[2] مروج الذهب: 27 / 3.

[3] شرح نهج‏البلاغة: 15 7 / 4.

[4] شرح نهج‏البلاغة ج 4، ص 15، و ص 7.

[5] المصدر السابق: 15 - 15 / 3.

[6] الطبري: 240 / 3.

[7] واقعنا المعاصر: محمد قطب، 120.

[8] الطبري 18 - 179 / 6، و من المعلوم (ان الحسين بن علي عليه‏السلام کلم معاوية في امر ابنه يزيد و نهي عن ان يعهد اليه، فابي عليه معاوية حتي اغضب کل منهما صاحبه) شرح ابن‏ابي‏الحديد، دار احياء التراث العربي م 172 / 1.

[9] الطبري 18 - 179 / 6، و من المعلوم (ان الحسين بن علي عليه‏السلام کلم معاوية في امر ابنه يزيد و نهي عن ان يعهد اليه، فابي عليه معاوية حتي اغضب کل منهما صاحبه) شرح ابن‏ابي‏الحديد، دار احياء التراث العربي م 172 / 1.

[10] المصدر السابق 180 / 6.

[11] نفس المصدر 180 / 6.

[12] العقد الفريد 123 / 5.

[13] ابن‏الاثير 474 / 3.