بازگشت

تصور معاوية لمسألة الخلافة


و قد بدا كأن معاوية كان يعرض تصوره علي الامة في مسألة الخلافة، و كأنها امر متاح للجميع، حتي اولئك البعيدين عن الاسلام..، و قد اتيحت له هو شخصيا (بمشيئة خاصة من الله) كما رأينا من مضمون النصوص السابقة..، و كأنه بذلك كان يسخر من هذه الامة كلها، و كأنه كان يشمت برسول الله صلي الله عليه و آله و سلم شخصيا، كما شمت ابوسفيان من حمزة، و كأنه كان يتحدي القرآن و السنن الربانية بخصوص مهمات خلافة الانسان علي الارض وفق التصور الذي ارساه الله (جل و علا شأنه)، و اوضحته السنة الشريفة و وضعت لها الاحكام و التشريعات اللازمة، ان أي خروج علي المنهج الالهي الخاص بهذا الشأن، لا يعني الا خروجا عن الاسلام نفسه و استبعادا نهائيا له، يعني تجريده من قدرته علي قيادة الحياة و تسليم تلك القيادة لاناس يحكمون وفق تصورهم و فهمهم و علي أساس مصالحهم فقط، و ان رفعوا في الظاهر شعاراته و ادعوا الحرص عليه و علي وحدة المسلمين و مصالحهم، بعد سلبها من القادة الحقيقيين المعدين و المؤهلين لهذه المهمة الخطيرة.

ان الامر عندما يتم بهذه الصورة المتعمدة السافرة، و تحت شعارات اسلامية مزيفة يرفعها فقهاء الدولة المأجورون و وعاظها و محدثوها و مفسروها و قصاصوها، يشكل اكبر نكسة للاسلام، و يجعل المفاهيم الاسلامية في غمرة الخلط و الوضع المتعمد و الردي لأحاديث عن لسان الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، تضطرب و تتصارع في أذهان المسلمين و تجعلهم يتخبطون في حسم الاشكالات و الاحاجي التي يضعها هؤلاء أمامهم..، و للخروج من معمعة الوضاعين و المفسرين الدجالين و غيرهم، فليس هناك من حل سوي الرجوع الي المصدر الحقيقي الأول للاسلام، كتاب الله و سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم و نهج آله و سنتهم عليهم السلام، ففي ذلك الضمانة الوحيدة للخروج و الخلاص من كل التيارات المنحرفة التي نشأت نتيجة السعي المحموم للطامعين و العابثين و المخربين و الدجالين..، و الا فأية فائدة حققها المسلمون و جناها الاسلام في ظل القيادات المنحرفة و سلالاتها العابثة الخارجة عن الاسلام خروجا صريحا معلنا لا أثر فيه لأي تحرج أو خجل؟


وقد أفسح معاوية مجالا واسعا لانتشار هذه الأطروحات و الأفكار الغريبة عن الاسلام بين أوساط الأمة لكي يجعلها تتخلي عن مسؤولياتها، و تستسلم للخدر و تتكاسل عن التصدي لأي مظهر من مظاهر الظلم و الانحراف، و وضع مع محترفي الحديث الموالين له، أحاديث علي لسان الرسول صلي الله عليه و آله و سلم تؤكد علي (الجبر) الالهي المزعوم، لا سكات كل معارضة محتملة لحكمه و حكم بنيه من بعده.

(فمعاوية أول من قال بالجبر، و دافع عنه ليظهر أن ما يأتيه بقضاء الله، ليجعله عذرا فيما يأتيه، و يوهم أنه مصيب فيه، و ان الله جعله اماما و ولاه أمره) [1] .

(أما المرجئة فكانوا عونا و سندا لحكم معاوية، جاءت آراؤهم و معتقداتهم تبريرا لخلافته، و اقناعا للمسلمين بوجوب طاعته، و يري المرجئة في مرتكب الكبيرة التوقف في الحكم و ارجاء الامر له سبحانه. [2] .

(و يقولون بأن الايمان تصديق بالقول دون العمل) [3] .

(و كان حسان بن بلال المزني أول من دعا الي مذهبه بين أهل البصرة) [4] .

(فلقيت دعوته قبولا اذ وجد البصريون في الأرجاء ضالتهم المنشودة، لأنهم سئموا الحروب و آثروا السلامة) [5] .

فهل أن المسلمين لم يستفيدوا و حسب؟ و هل أنهم لم يتضرورا الي حد بليغ؟ و هل أن الضرر اقتصر علي زمن وقوع تلك الحوادث المدمرة المؤسفة؟ و هل أنها لم تمتد الينا نحن في عصرنا هذا، و نحن نبعد كل تلك المسافة الزمنية الهائلة عن ذلك الزمن الذي وقعت فيه، و قد تمتد لأجيال عديدة من بعدنا..؟


پاورقي

[1] اليمين و اليسار في الاسلام، أحمد عباس صالح ص 158.

[2] مقالات الاسلاميين، الاشعري، 141.

[3] تهذيب التهذيب، ابن‏حجر،46.

[4] حرکات الشيعة المتصوفين في العصر العباسي الاول، محمد جابر عبدالعال، 176 - 175.

[5] الائمة الاثنا عشر، عادل الديب، 119.