معاوية يتهدد الامام الحسين بالقتل
وقد ازعج معوية و أمضه كثيرا ان لا يستجيب الحسين عليه السلام فيبايع يزيدا، و ان لا ينحني امام سلطة الدولة الاموية القاهرة الطاغية التي بسطها علي الجميع.
(... فلما بايع أهل العراق و الشام سار الي الحجاز في الف فارس، فلما دنا من المدينة لقيه الحسين بن علي، اول الناس، فلما نظر اليه قال: لا مرحبا و لا اهلا، بدنة يترقرق دمها و الله مهريقه. قال: مهلا، فاني و الله لست بأهل لهذه المقالة، فقال بل و لشر منها، ثم دخل علي عائشة، و قد بلغها انه ذكر الحسين و أصحابه فقال: لاقتلنهم ان لم يبايعوا. فشكاهم اليها، فوعظته و قالت له: بلغني انك تتهددهم بالقتل؟ فقال: يا ام المؤمنين هم اعز من ذلك، و لكني بايعت ليزيد، و بايعه غيري. أفترين ان انقض بيعة قد تمت؟) [1] .
انه بجوابه هذا، و عدم انكاره انه كان يتهددهم بالقتل فعلا، حاول ان يجعل الجميع يتبنون سياسة الامر الواقع التي حاول اقرارها..، و ان الله مالك الملك قد شاء ان يهب ملكه ليزيد دون الامة، بعد ان اعطاه لمعاوية قبلا، و اعطاه لكثيرين غيره..، و هي مسألة ماكرة بدت (موفقة) بنظر معاوية، و من امتلك تصوراته، استطاع بها ان
يسكت الكثيرين أو يجبرهم علي السكوت امام منطقه الاعوج..، فامام الالتواء و الخصومة و اللجاج و الجدل، لا تجد الا ستقامة طريقا للغلبة في احيان كثيرة..، و قد لجأ معاوية حتي الي القرآن الكريم مستفيدا من بعض آياته الكريمة لاغراضه اللئيمة.
لقد استمعنا اليه و هو يستخدم هذا المنطق، الذي لجأ اليه يزيد من بعده، و لعله قد لقنه من قبل والده الذكي الاريب، و كان ذلك هو المنطق السائد لدي كل سلالات الخلفاء و الحاكمين فيما بعد، كما طالعتنا بذلك كتب التواريخ و السير.
قال معاوية لاحد الرجال و هو كاره للبيعة:
(بايع ايها الرجل، فان الله يقول: «فعسي ان تكرهوا شيئا و يجعل الله فيه خيرا كثيرا...) [2] .
و قال معاوية: (... والله انه للملك آتانا الله اياه) [3] .
و قال لاهل العراق في النخيلة:
(... ما قاتلتكم لتصوموا و لا لتصلوا و لا لتحجوا و لا لتزكوا و قد عرفت انكم تفعلون ذلك، و لكن انما قاتلتكم لأتأمر عليكم. فقد اعطاني الله ذلك و أنتم كارهون). [4] .
و قال: (اني لا احول بين الناس و السنتهم ما لم يحولوا بيننا و بين ملكنا) [5] .
و قال يوما و عنده وجوه اناس: (الارض لله، و انا خليفة الله، فما آخذ من مال الله فهو لي و ما تركت منه كان جائزا لي) [6] .
و قال يزيد في اول خطبة له بعد موت معاوية:
(الحمد لله ماشاء صنع. من شاء اعطي و من شاء منع، و من شاء خفض و من شاء رفع) [7] .
و قال: (ان معاوية كان عبدا من عبيدالله انعم الله عليه) [8] .
و قال: (فان معاوية كان عبدا من عباد الله، اكرمه الله و استخلفه و خوله و مكن له) [9] .
و قال: (اذا كره الله شيئا غيره، و اذا اراد شيئا يسره) [10] .
و قال عن الحسين عليه السلام:
(... انما اتي من قبل فقهه و لم يقرأ: قل اللهم مالك الملك) [11] .
و قال الضحاك بن قيس عقيب وفاة معاوية:
(ان معاوية الذي كان سور العرب و عونهم و جدهم قطع الله به الفتنة و ملكه علي العباد، و فتح به البلاد) [12] .
فمعاوية اذا قد ملك بمشيئة الله، حتي و ان كره الناس ذلك، فالله هو الذي رفعه و اعطاه و وضع غيره و منعه، و هو الذي اكرمه الله و استخلفه و خوله و مكن له و قطع به الفتنة و ملكه علي العباد و فتح به البلاد و أنعم عليه..، و قد يسر امره لانه اراده..، هكذا بمشيئة الهية خالصة و تدخل رباني مباشر..، فكأن لله فيه معجزة و حكما، اراد ان يريهما للبشر ليدلل علي عظمة هذا الخليفة المختار.
بهذه العقلية و هذا التصور اراد معاوية و من بعده يزيد ان تنظر الناس الي مسألة الخلافة الاموية، انها ملك.. و ان الخلافة و ربما حتي النبوة ليست سوي احد اسمائها فهي ملك، و خلافة و رئاسة، و سياسة و أمرة.
علي حد تعبير احد الذين مدحوا يزيد بعد استخلافه من قبل ابيه. لقد صوروا المشيئة الالهية و كأنها مرهونة بامره، و كأنها مكرسة لتعطي لامثاله و تمنع غيره، لانه الممثل الحقيقي لها، حتي لكأنه اراد تصوير الامر كأنه عبث اراد الصاقه بالمشيئة الالهية، و أراد تجريد الخلافة من معناها الحقيقي و ابرازها علي انها مجرد هبة أو منحة
يمنحها لشخص من عبيده يتصرف بها تصرف المالك المطلق، غير المقيد بدين أو قانون.
پاورقي
[1] ابنالاثير355 / 3.
[2] العقد الفريد 112 / 5.
[3] الطبري 186 / 6.
[4] ابنکثير 143 / 8.
[5] الطبري 187 / 6.
[6] مروج الذهب 53 / 3.
[7] العقد الفريد 146 / 5.
[8] ابنکثير 146 / 8.
[9] الطبري 188 / 6.
[10] العقد الفريد 116 / 5.
[11] ابنالاثير 483 / 3.
[12] ابنکثير 145 / 8، و الطبري 182 / 6.