بازگشت

تمهيد


مهد معاوية لحكم يزيد من بعده، و قد رأينا في الفصل السابق كيف تمت بعض فصول المهزلة التي تم فيها الامر و احكم، و كيف بدا و كأنه استجابة من معاوية لرجاء الامة و رغبتها الحقيقية في ذلك، و كأنه لم يكن بوسعه الا ان ينزل عند هذه الرغبة، و يوافقها في قرارها. كما رأينا ايضا ان معاوية لم يكن يصدق أو يتصور ان شيئا مثل هذا يمكن ان يحدث، حتي لقد فوجي ء و اخذه بهر، حتي جعل يتنفس في يوم شات كما اخبرنا، و اكدته لنا كتب التاريخ و السير.

ان ما لم يمكن تصوره حتي من قبل معاوية نفسه، قد حدث فعلا بعد ذلك، و وافقت الامة بعد ان استدرجت و اخضعت بشتي الطرق المدروسة، علي ان يكون يزيد خليفة و اميرا للمؤمنين بعد ان يموت معاوية، الذي راح في غمرة اطماعه و حرصه علي ان لا يفلت منه المكسب الذي ناضل من اجله بقوة، يمهد لذلك، بعد ان راقته الفكرة، و رأي انها ممكنة فعلا في ظل الاوضاع الجديدة للمجتمع، و المغايرة للاوضاع التي ارساها و وضع دعائمها رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، طوال سبع سنين و ربما اكثر من ذلك كما ذكرنا أو أقل كما ذكر الطبري أي سنة ست و خمسين.

(و فيها دعا معاوية الناس الي بيعة يزيد من بعده و جعله ولي العهد) [1] .

(فلم يزل يروض الناس لبيعته سبع سنين و يشاور و يعطي الاقارب و يداني الاباعد حتي استوثق له من اكثر الناس) [2] .

و قد رويت قصص عديدة عن بداية هذا الامر و سببه كما اوضحنا و منها ان معاوية اراد ان يولي سعيد بن العاص الكوفة بدلا من المغيرة بن شعبة، فاراد هذا الاخيران تكون له يد بيضاء عند معاوية، فدخل علي يزيد...


(فعرض له بالبيعة فأدي ذلك يزيد الي ابيه، فرجع معاوية المغيرة الي الكوفة و امره ان يعمل في بيعة يزيد، و أوفد في ذلك وافدا الي معاوية...) [3] .

و قد كتب معاوية بعد ذلك...

(الي مروان بن الحكم عامله علي المدينة ان ادع أهل المدينة الي بيعة يزيد، فان أهل الشام و العراق قد بايعوا) [4] .

ان هذه الأمة لم تكن تتصور - في وقت ما - ان معاوية يجرؤ علي الوقوف في وجه أميرالمؤمنين عليه السلام، الممثل الشرعي للامة و خليفة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، ينافسه و يقاتله و يدعي الخلافة لنفسه دونه،و مع ذلك فان هذا الامر قد حدث فعلا، و استتب الامر لمعاوية بعد مقتل أميرالمؤمنين و صلح الحسن عليه السلام، و ما كان ممكنا بالنسبة لمعاوية اصبح ممكنا ليزيد بعد ذلك، حتي ان عبيدالله بن زياد قد طمح الي الخلافة بعد وفاة يزيد و بايعه أهل البصرة علي ذلك.

ان الامر عندما يصل هذا الحد، فانه يعني ان العد التنازلي الذي يمهد لسقوط الامة نهائيا، كان يسير علي وتيرة منتظمة، و بدا كأن هذا السقوط المتسارع كان امرأ حتميا: لابد منه، و ان المسألة اصبحت مسألة وقت فقط، تجد فيه هذه الامة نفسها بعد ذلك و قد أبعدت عن الاسلام نهائيا و الي الابد.

و هكذا... (بايع الناس ليزيد بن معاوية، غير الحسين بن علي و ابن عمر، و ابن الزبير، و عبدالرحمن بن أبي بكر، و ابن عباس). [5] .


پاورقي

[1] الطبري 168 / 6.

[2] العقد الفريد 110 / 5.

[3] الطبري 160 / 6.

[4] العقد الفريد 112 / 5.

[5] الطبري 170 / 6.