بازگشت

حدث الثورة الحسينية يغطي علي بعض الجوانب المهمة في شخصية الحسين


ان حدث الثورة الحسينية في الطف كان هائلا، نسي الكثيرون منا معه، جوانب مهمة من حياة صاحب الثورة عليه السلام نفسه قبل الثورة (و لعل التعتيم علي تلك السيرة كان بفعل اموي مقصود)، و لم تبرز امامنا الا تلك المواقف التي وقفها خلال مسرحيات استخلاف يزيد من قبل معاوية، و خلال مسيره من المدينة الي العراق مرورا بمكة، و اصراره علي رفض الانحراف الذي بدا واضحا و معلنا بتتويج يزيد و صعوده علي كرسي الخلافة، و اعلانه الواضح للامة عن قبول الموت قتلا و هو الخيار الوحيد الباقي امامه، علي الا يستسلم للحالة التي استسلمت اليها و رضيت بها و استساغتها، و لقد هزتها تلك الوقفة الباسلة فعلا، و جعلتها تعيد النظر بمواقفها و تزن خطواتها و سلوكها، و تقف متأملة مدهوشة من ذلك الفعل و الاداء البطولي الفريد للحسين عليه السلام و اصحابه في معركة الطف، و هذا امر سنتحدث عنه ان شاء الله عند التطرق الي نتائج الثورة المباركة العظيمة في كتاب لاحق.


اننا ينبغي أن نعرف حقا القائم بتلك الثورة، ونلم بحياته، و لا نكتفي بالتلميحات التي تعرض علينا جوانب بسيطة من هذه الحياة الحافلة التي بدأها مع رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أمه الزهراء و أبيه أميرالمؤمنين و اخيه الحسن عليه السلام، الذين لم تكن حياتهم عادية، بل مزدحمة بالأحداث و الوقائع الجسام، مما جعل تجربته لمواجهة الانحراف الاموي، تجربة ناضجة حية، لا يمكن وصفها بأنها تتسم بالانفعال أو الحماس أو التطرف أو رد الفعل المفاجي ء، و ذلك ما حاول الكثيرون و في مقدمتهم معاوية الايحاء به، مما جعل آخرين يعتقدونه و منهم كتاب و مفكرون و مثقفون عند استعراضهم ثورته و حياته عليه السلام..، مع انه كان نسخة من أخيه و أبيه، و لم يكن سائرا الا علي النهج الذي اراده جده صلي الله عليه و آله و سلم لمواجهة الحياة و متغيراتها، و ما قد يواجهه المجتمع المسلم خلالها، و هو النهج الاسلامي الصحيح، لا الأوي المحرف المزور أو غيره.

ان علينا ان نلتفت الي اجماع المؤرخين الذين كتبوا عن سيرته متفقين علي أنه عمل كل ما يقربه الي الله تعالي، فكان كثير الصلاة و الصوم و الحج و الصدقة و أفعال الخير.

لقد كان يضع مثله الأعلي أمامه فلا يتصرف الا علي أساس رضا الله سبحانه و تجنب سخطه.

و هكذا فان علينا عندما نسمع أحد أصحابه يخاطبه، و قد رأي شدة عبادته و التزامه القوي بالاسلام: «ما أعظم خوفك من ربك...؟» ان نفهم جوابه عليه السلام: «لا يأمن يوم القيامة الا من خاف الله في الدنيا..» و نفهم أنه لم يكن ير أمامه الا الله، خالقه و بارئه و المنعم و المتفضل عليه، و قد أرادنا نحن ان نكون كذلك.

و هكذا كانت وصاياه و منهجه في تربية الامة، و قد وجدنا أن حياته كانت مصداقا لأقواله و هذا هو سر فعلها و قوتها و تأثيرها.

يقول عليه السلام:

(أوصيكم بتقوي الله، و أحذركم أيامه، و أرفع لكم أعلامه، فكأن المخوف قد أفد بمجهول وروده و نكير حلوله، و بشع مذاقه، فاعتلق مهجكم و حال بين العمل و بينكم، فبادروا بصحة الاجسام في مدة الاعمار، كأنكم ببغتات طوارقه فتنقلكم من


ظهر الارض الي بطنها، و من علوها الي سفلها، و من أنسها الي وحشتها، و من روحها وضوئها الي ظلمتها، و من سعتها الي ضيقها...).

(ان قوما عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، و ان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، و ان قوما عبدو الله شكرا فتلك عبادة الاحرار، و هي افضل العبادة...)

(و سأله رجل عن معني قول الله: (و أما بنعمة ربك فحدث) قال عليه السلام: أمره ان يحدث بما انعم الله به عليه في دينه).

(ان المؤمن اتخد الله عصمته، و قوله مرآته، فمرة ينظر في نعت المؤمنين، و تارة ينظر في وصف المتجبرين، فهو منه في لطائف و من نفسه في تعارف، و من فطنته في يقين و من قدسه علي تمكين).

(من حاول أمرا بمعصية الله كان افوت لما يرجو و أسرع لما يحذر) [1] .

و حق التشيع ينبغي فهمه علي هذا الأساس، الاقتداء بمحمد صلي الله عليه و آله و سلم و آل محمد صلي الله عليه و آله و سلم، و متابعتهم و الالتزام بنهجهم، لا مجرد التحيز اليهم و حبهم، هكذا فقط، دون معرفتهم، و معرفة الدوافع الكامنة خلف سلوكهم الفريد، الذي أنقذ الأمة من العديد من المواقف المهلكة التي جرت اليها بفعل القوي الطامعة و المرتدة و العددة، و قد حاول أئمة أهل البيت عليهم السلام في كل المراحل تربية الأمة علي أن تكون شيعة للاسلام و لرسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و بذلك تكون شيعة لهم لأن آل الرسول صلي الله عليه و آله و سلم هم أول شيعة للرسول و أول شيعة للاسلام، و أول معبر عنه بفعل حياتي حقيقي يجعل من الاسلام الشي ء الوحيد الجدير بالاتباع و النظر.

و قد روي ابن كثير ايضا:

(بل الناس انما ميلهم الي الحسين، لأنه السيد الكبير، و ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فليس علي وجه الأرض يومئذ احد يساميه و لا يساويه،و لكن الدولة «اليزيدية» كانت كلها تناوئه) [2] .

و بلغ من حبهم له و قناعتهم بمركزه السامي الفريد عند الله انه (لما وقع الطاعون


الجارف اطاف الناس بالحسين، فقال: ما احسن ما صنع بكم ربكم أقلع مذنب، و انفق ممسك) العقد الفريد 143 / 3.

كما ان اشد اعدائه عداوة له و هو عمرو بن العاص لم يستطع ان يخفي شهادته بحقه، فقال: بينما كان جالسا في ظل الكعبة و قد رأي الحسين مقبلا:

(هذا أحب أهل الارض الي أهل السماء) [3] .

و قد..

(حج الحسين بن علي خمسا و عشرين حجة و نجائبه تقاد بين يديه) [4] .

و قال من حسب نفسه منافسا له، عبد الله بن الزبير بعد استشهاده عليه السلام:

(أما و الله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه، كثيرا في النهار صيامه. أما و الله ما كان يستبدل بالقرأن القناء و المناهي، و لا بالبكاء من خشية الله اللغو و الحداء، و لا بالصيام شرب المدام و أكل الحرام، و لا بالجلوس في حلق الذكر طلب الصيد...) [5] .

و كان ذلك بمعرض المقارنة مع يزيد، الرجل الذي قبلته الأمة خليفة عليها.

و قد روي لنا المسعودي أن الامام علي بن الحسين، زين العابدين سئل عن ابيه الحسين عليه السلام:

(.. ما كان أقل ولد أبيك؟ قال: العجب كيف ولدت له؛ كان يصلي في اليوم و الليلة الف ركعة و متي كان يتفرقه للنساء [6] .

و بغض النظر عن مواقفه العظيمة من المناوئين للدولة الاسلامية خلال عهد والده عليه السلام، و مواقفه من الدولة الامئوية المنحرفة خلال عهد معاوية، و خلال ثورة اللطف، مما سنتعرض له بالتفصيل ان شاء الله تعالي في هذا الفصل، و التي كشفت لنا عن جوانب مدهشة من شخصيةهذا الامام العظيم، و قدرات هائله تمتع بها، فاقت كل تمتع به الآخرون، و ما كانت تتاح له لو لم يكن متمتعا بذلك القدر العالي من الشعور بالمسؤولية تجاه الامة و الذي أوصله لحد العصمة و عدم امكان الانحراف أو


الوقوع أو الانزلاق بين أحضان الظالمين، فان هذه الاشارات التي وردت عن هؤلاء المؤرخين الذين لا يمكن ان يوصفوا بالانحياز الي آل البيت عليهم السلام، أو (التشيع) و هي التهمة التي يوصف بها من ينظر بانصاف الي قضية آل البيت عليهم السلام، و التي لم يخالفهم فيها احد..، اذا ما اضفناها الي اشارات ابن عساكر و الحافظ الذهبي و البخاري و ابن خلكان و غيرهم، فاننا سنري ان امرا غير اعتيادي يظهر امامنا و يرسم لنا شخصية، لا نري بعد ذلك الوضوح ان يستمر الملمون علي الاختلاف بشأنها، بل ينبغي ان يقفوا منها موقفا حاسما، موقفا مواليا متحيزا متعاطفا، لأن موقفها كان حاسما و مواليا و متحيزا و متعاطفا مع الاسلام.

اذا فما الذي أجمع عليه المؤرخون، و من كتبوا سيرته و تحدثوا عنها، بعد أن رأينا و سمعنا كلام القرآن الكريم فيه و في أهله و ما ذكره رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم أيضا بشكل واضح جازم،

أفضل أهل زمانه في العلم و المعرفة و الكتاب و السنة،

حفظ عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم و روي عنه،

الناس كانوا يجتمعون اليه و يحتفون به يسمعون من العلم الواسع و الحديث الصادق،

الناس انما ميلهم الي الحسين لأنه السيد الكبير و ابن بنت رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، و كان مجلسه في جامع جده رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و له حلقة خاصة به..،

أعدل أهل زمانه في امامته و عدالته،

ليس علي وجه الارض يومئذ أحد يساميه،

أحب أهل الارض الي أهل السماء،

طويلا بالليل قيامه كثيرا في النهار صيامه،

صحب أباه و روي عنه و كان معه في مغازيه كلها،

كان معظما موقرا لم يزل في طاعة أبيه حتي قتل،

كان يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة،

حج خمسا و عشرين حجة ماشيا و نجائبه تقاد بين يديه..، الخ (تراجع المصادر السابقة).



پاورقي

[1] تحف العقول عن آل الرسول، الحسن بن علي بن الحسين الحراني، المکتبة الحيدرية، 1380 ه ص 177 / 170.

[2] ابن‏کثير: 154 / 8.

[3] نفس المصدر: 209 / 3.

[4] نفس المصدر: 209 / 3. و مروج الذهب: 125 / 3.

[5] نفس المصدور: 214 / 3.

[6] مروج الذهب: 125 / 3.