بازگشت

دور الامام الحسين امتداد لدور النبي الوصي


و لا يستطيع احد ان يدعي وجود أي اختلاف أو تناقض بين نظرته و تصوره للاسلام، و نظرة و تصور النبي صلي الله عليه و آله و سلم و الوصي عليه السلام، فهي امتداد لهما، بل انهما الرائدان الوحيدان و المصدران الاساسيان لها، تلقاها منهما مباشرة دون أية وساطة.

و اذا ما استعرضنا نظرة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم الي الدين الذي انزل عليه، و طبيعة ممارسته و سيرته الحافلة بالتضحيات في سبيله أو اذا ما استعرضنا الوضوح الخارق الذي اتسمت به نظرة أميرالمؤمنين عليه السلام بعده، و سلوكه المطابق لسلوك ابن عمه رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم، فاننا لابد ان نري نتاج ذلك، نظرة و تصورا مماثلين، يحملهما الائمة الاطهار عليهم السلام من بعدهما ابتداء من الامام الحسن عليه السلام و انتهاء بآخر الائمة عجل الله تعالي فرجه الشريف. [1] .

و لذلك فان اولئك الذين تقبلوا الصورة التي عرضت علينا لسيرة رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و سنته علي انهما مطابقان للقرآن، و لم يروا عليه أي مأخذ باعتبارهم مؤمنين به و بعصمته، عندما درسوا سيرة الاشخاص العاديين سواء الذين تولوا الخلافة منهم أو غيرهم رأوا في عدم قدرتهم علي السير بسيرة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم حجة علي أميرالمؤمنين عليه السلام، و من جاء بعده من الائمة عليه السلام، باعتبار ان سيرة الرسول المعصوم لم يكن يقدر عليها غيره، متناسن ما صرح به صلي الله عليه و آله و سلم بخصوص خلفائه ايضا، و في هذا تأكيد علي ان سيرتهم تطابق ما جاء في القرآن، و تطابق السنة النبوية، و هي تحمل نفس عوامل العصمة و التحيز التام للاسلام و الشعور العالي بالمسؤولية الذي جعلهم


لا يرون شيئا الا و يرون الله معه و فيه و قبله و بعده كما عبر عن ذلك أميرالمؤمنين عليه السلام. [2] .

لقد أعد رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم من قبل الله (جل و علا) لحمل و اداء و توضيح هذه الرسالة، و كانت مؤهلاته متفردة بلا شك، كما أن اوصياءه قد أعدوا للاستمرار بحمل هذه المهمة، التي لم يكن يراد لها ان تنقطع بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم مباشرة أو بعد سنوات قليلة أو حتي بعد مئات أو آلاف من السنين، و انما الي ان يرث الله الارض و من عليها، و كان لابد لها من اناس يفهمونها فهما دقيقا مستوعبا، لا يتأثر بالهوي أو المزاج أو التوجه البشري الارضي البحت، و كان لابد من مسحة الهية تطبع اولئك الذين اعدوا لأخطر مهمة، و هي مهمة قيادة الامة و تربيتها و اعادتها الي الصواب، كلما عن لأحد ان ينحرف أو يميل بها.

و مع ان التصريحات القرآنية المبينة، و اقوال الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم التي صدرت بذلك الكم الكبير بحق تلك الصفوة المختارة لهذه الادوار الاستثنائية الكبيرة، و التي بلغت من الوضوح و الكثرة ان متجاهلها ربما يعد كالمتجاهل بالقرآن و الكافر به رغم وضوح آياته، الا انها ينبغي ان تكون دافعا لدارسة حياتهم دراسة موضوعية جادة لتكتشف مدي تطابق تصرفاتهم و اوضاعهم مع تصرفات و اوضاع الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و هو مقياس لا يمكن ان يرقي الشك الي سلامته.

لقد أعد الائمة عليهم السلام لمهام خطيرة، و قد انجزوها باداء متكامل منسق، لا يحمل أي تناقض، رغم ما قد يبدو احيانا لبعض من لم يتعمقوا في الدراسة و البحث من تناقض ظاهري في سلوك الائمة و مواقفهم. حتي لكأننا أمام امام واحد عاش تلك الفترة كلها و كان يقوم بدور مناسب لكل حالة و لكل وضع مرت به الامة الاسلامية، و تعرضت له.


لقد كانوا بالتصاقهم بالاسلام، و جعله يستحوذ علي كل مشاعرهم و افكارهم و تصرفاتهم، معصومين عن الخروج عليه حتي بابسط الامور الجزئية العادية، لكي تبقي عصمتهم و تحيزهم التام له نموذجا مرموقا و مشارا اليه من قبل الامة كلها، و لكي تظل مواقفهم مثلا اعلي لكل فرد من ابناء الامة علي امتداد العصور، و لكي تكون استكمالا و امتدادا للخط الرسالي الاول لتنظيم متغيرات الحياة و متطلباتها و شؤونها.

(فعصمة الامام عبارة عن نزاهة في كل فكرة، و كل عاطفة و كل شأن. و النزاهة في كل هذا عبارة عن انصهار كامل مع مفاهيم و احكام الرسالة الاسلامية في كل مجالات هذه الافكار و العواطف و الشؤون). [3] .

و يحسن في هذا المجال ان نتمعن جيدا في معني الاحاديث الواردة بشأن الائمة عليهم السلام عن النبي صلي الله عليه و آله و سلم و نري مصاديقها في المسيرة الشخصية لكل امام و كل ما حفلت به حياتهم، و كل ما رافقها من احداث و ملابسات و ظروف.

و علينا ان نتساءل: مادامت الاحاديث و التأكيدات النبوية بشأنهم لم تنطلق من عاطفة مجردة أو ميل شخصي اليهم، مع اننا نلمس تلك العاطفة و ذلك الميل من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم لأقرب الناس اليه و كأنه امر الهي موصي به. و هو امر الهي موصي به فعلا كما صرح بذلك الرسول صلي الله عليه و آله و سلم باكثر من مناسبة، لعلنا لن نستطيع احصاء كل الاحاديث التي تؤكد علي ذلك بهذه الدراسة الخاصة، فاننا نجد حثا و تأكيدا علي انهم في مقدمة أهل الجنة، بل وسادتهم، و انهم الذين اذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا. و ان أميرالمؤمنين عليه السلام من الرسول صلي الله عليه و آله و سلم بمنزلة هارون من موسي. و ان من تولاه فقد تولي النبي صلي الله عليه و آله و سلم و من تولي النبي فقد تولي الله و انهم الثقل الاكبر و ان من تمسك بهم لن يضل ابدا و انهم اعلم الناس بالسنة و ان المهدي من ولدهم، و قبلها كانت تلك الشهادات الالهية الصريحة التي اكدت ان الله قد اصطفاهم و اجتباهم و اذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا و وعدهم بالجنة.

قال رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم:

(.. انا و علي ابوا هذه الامة، من عرفنا فقد عرف الله، و من انكرنا فقد انكر الله عزوجل، و من علي سبطا امتي و سيدا شباب أهل الجنة الحسن و الحسين، و من


ولد الحسين تسعة طاعتهم طاعتي و معصيتهم معصيتي، تاسعهم قائمهم و مهديهم) [4] .

و اخرج الصدوق في الاكمال ايضا بالاسناد الي سلمان، قال:

(دخلت علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم فاذا الحسين بن علي علي فخذه و هو يلثم فاه و يقول: انت سيد ابن سيد، انت امام ابن امام، انت امام ابوالائمة، و انت حجة الله، و ابن حجته، وابوحجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم) [5] .

و قال صلي الله عليه و آله و سلم:

(أنا و علي و الحسن و الحسين و تسعة من ولد الحسين مطهرون) [6] .

و قال صلي الله عليه و آله و سلم:

(ان الله عزوجل اختارني من جميع الانبياء، و اختار مني عليا و فضله علي جميع الاوصياء، و اخترا من علي الحسن و الحسين و اختار من الحسين الاوصياء من ولده ينفون عن الدين تحريف الغالين و انتحال المبطلين و تأويل الضالين).

و قال صلي الله عليه و آله و سلم:

(أنا مدينة العلم و علي بابها فمن اراد العلم فليأت الباب) [7] .

و قد نظر صلي الله عليه و آله يوما الي علي و فاطمة و الحسن و الحسين، فقال صلي الله عليه و آله:

(انا حرب لمن حاربكم، و سلم لمن سالمكم) [8] .

و قد اخرج ابن سعد (كما في ص 91 من الصواعق) عن علي:

اخبرني رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم ان اول من يدخل الجنة انا و فاطمة و الحسن و الحسين.

قلت: يا رسول الله فمحبونا؟ قال: من ورائكم). ص 41 الفصول المهمة.

و اخرج: (ابن حنبل و الترمذي (كما في ص 91 من الواعق) أنه صلي الله عليه و آله و سلم اخذ بيد الحسين و قال:

(من احبني و احب هذين و اباهما و امهما كان معي في درجتي يوم القيامة) [9] .


و قال صلي الله عليه و آله و سلم:

(انما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، و من تخلف عنها غرق).

و قال صلي الله عليه و آله و سلم:

(في كل خلف من امتي عدول من أهل بيتي، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين، و تأويل الجاهليت الا و ان ائمتكم و فدكم الي الله فانظروا من توفدون)] نقله ابن حجر في صواعقه، الفصول المهمة ص 176.

و قال صلي الله عليه و آله و سلم:

(الزموا مودتنا أهل البيت، فانه من لقي الله و هو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، و الذي نفسي بيده، لا ينفع عبدا عمله الا بمعرفة حقنا).

و قال عليهاالسلام صلي الله عليه و آله و سلم:

(معرفة آل محمد براءة من النار و حب آل محمد جواز علي الصراط و الولاية لآل محمد امان من العذاب). [10] .

فمادامت عشرات الآيات و الاحاديث الصحيحة قد وردت بحقهم بذلك الوضوح الخارق و تلك الصراحة، اليس من حق كل المسلمين ان يتساءلوا: اليس ذلك لأنهم قد كرسوا و اعدوا من قبل الله سبحانه و تعالي للعب ادوار استثنائية كبيرة في حياة الأمة، كما كرس رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و اعد من قبل؟ لماذا كان ذلك الاهتمام الالهي بهم؟ و لماذا كان ايضا ذلك الاهتمام الاستثنائي من قبل رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم بهم؟ الم يكن دور الامامة ضروريا لاستمرار دور النبوة للاخذ بيد هذه الامة التي قد تتقاذفها بل تقاذفتها فعلا امواج الفتن و الانحراف و المطامع؟ و هل قيل ما قيل فيهم دون سبب أو هدف معين، و لمجرد القول؟

لا شك ان الامر ليس كذلك، و علينا بالتأكيد ان نجعل تلك الشهادات الحقة الصادرة عن الله و رسوله صلي الله عليه و آله و سلم موضع تأمل و دراسة جديتين، و ان لا تنظر اليها بذلك الاهمال المقصود و النظرة المعادية التي اراد الامويون جرنا اليها، و كذلك من جاء بعدهم من طلاب الزعامة و الحكم بفعل مدبر مقصود، الي درجة انهم ارادوا تناسي


كل ذلك، و لو اتيحت لهم فرصة محو الآيات الصادرة بحقهم من القرآن الكريم لفعلوا، غير انهم ارادوا (تأويلها) و تفسيرها بما يتناسب و مصالحهم، ففعلوا ذلك، و لن نجد ان ذلك امرا مستغربا منهم و قد ذهبوا بعداوتهم الي ان جعلوا سب علي سنة يشب عليها الصغير و يشيب عليها الكبير، و فعلوا ذلك من علي منابرهم حوالي الف شهر، مع ان سب علي كان يعني سب الرسول صلي الله عليه و آله و سلم نفسه كما ورد عن ام سلمة (رض).

لقد ذهب معاوية بمغانمه و مكاسبه، و ذهبت دولته، و اعترف بذنوبه امام الناس قبل ان يعرض علي خالقه ليعترف بما لم نعرفه نحن و ما لم يشأ الاقرار به امامنا.

و ما كان معاوية في أي موقف من مواقف حياته متحيزا الي الاسلام أو الامة الاسلامية، بدافع أي شعور بالمسؤولية ترتبه عليه الرسالة الاسلامية بكل ابعادها و مضامينها، و ما كان الا راكضا و لاهثا وراء مصالحه و اغراضه الخاصة، فعلام نركض نحن و نلهث وراءه و نتحيز اليه، و نتبني آراءه و اطروحاته و مواقفه دون وعي أو تدبر لا لشي ء الا لأننا الفنا ذلك، و اصبحنا بحكم العادة و التميع و الفراغ و اللامبالاة و عدم الشعور بالمسؤولية، و التلقي اللاواعي لآراء و أفكار بعض (السلف) المعاصرين له و المتبنين مواقفه و العاملين علي دعم دولته، لا نكلف انفسنا عناء دراسة الظروف التي تبني فيها هؤلاء مواقفهم، و الغريب ان العديدين منا رغم ما يتمتعون به من قابليات ثقافية و علمية لا يجدون في انفسهم الجرأة علي اختراق الطوق المقدس الذي نصبوه لاسلافهم، فكأن ما جاء به أولئك الاسلاف كتاب منزل أو امر موصي به من الله تعالي.

لقد عرض معاوية نفسه علينا مكشوفا بأكثر من مناسبة، و كانت حياته كلها تمثل خرقا مستمرا للاسلام، فلماذا نحرص نحن علي ستر ما كشفه هو بنفسه و اشار اليه صراحة...؟

- حدثنا الزمخشري في ربيع الابرار ان معاوية قال:

(اما ابوبكر فقد سلم من الدنيا و سلمت منه، و اما عمر قد عالجها و عالجته، و اما عثمان فقد نال منها و نالت منه، و اما انا فقد ضاجعتها ظهرا لبطن و انقطعت اليها و انقطعت الي). [11] .


و مع ذلك فمازال فينا من بدا كأهل الشام في زمن معاوية، يتلقي الاسلام عن طريقه و ينظر اليه بعينيه.

ان اللامبالاة هذه الذي تتسم به نظرة بعضنا الي الامور، و هذا التحيز غير المبرر الي جانب من لم يكونوا معنا و في صفنا في أي وقت، من الاوقات، بل كانوا اعداء حقيقيين لامتنا، امر يبعث علي الدهشة والاسي معا، و الا فكيف نسيغ لانفسنا تناول امورنا المهمة بهذا الاهمال المتعمد، و هذه السذاجة الجديرة بشعب وثني متخلف لا بأمة تريد ان تستمر صلتها بماضيها المشرف، و تريد ان تقيم وجودها و حضارتها علي اساس من ذلك الماضي، و الذي لا تريد له ان ينقطع أو يكون مجرد ماض قديم، و انما وجود متجدد يطل بصفحته البيضاء علي حاضرنا ليطبعه بطابعه الحي الواضح... كيف نريد لأنفسنا ان نتواصل مع الاسلام، و نحمل اطروحات اعدائه و مخربيه؟

يقول الاستاذ محمد قطب في كتابه واقعنا المعاصر:

(و لقد كانت فتنة مقتل عثمان (رض) و ما تلاها من الحروب بين علي و معاوية، ازمة حادة ابتلي بها المسلمون وذالدولة ما تزال في نشأتها، و عداوات الارض قائمة من حولها، و لكن الناظر الي مجريات الامور يومئذ لم يكن ليشك في نهاية الازمة، فقد كان الخلاف علي كل عمقه و كل ما اثاره من فرقة في صفوف المسلمين خلافا علي من يتولي الامر ليمكن للاسلام في الارض، و ليس خلافا علي الاسلام ذاته، هل يكون هو قاعدة الحياة للمسلمين ام يكون شي ء آخر خلافه). [12] .

هل هذه هي المسألة بكل بساطة، مجرد فتنة نتج عنها صراع فيمن يتولي الامور ليحقق هو لا غيره ما تصبو الامة اليه و يمكن للاسلام في الارض، و لا شي ء غير ذلك؟ و طبيعي ان يدعي اطراف الصراع المحق منهم و المبطل الحرص علي الاسلام، و الا لما وحد حجة علي خصمه امام الامة، فهل كانت الدعاوي كلها صحيحة، و هل كانت دعاوي معاوية كدعاوي علي، و هل كان معاوية يحارب عليا ليكون الاسلام قاعدة الحياة للمسلمين.

اننا ننظر الي اعداء الاسلام كما ننظر الي انصاره بنفس النظرة الحيادية الغائمة


التي لا تدل علي موقف واضح حاسم، و الا فكيف كانت سلسلة الاخطاء الفظيعة التي قام بها معاوية مجرد (اجتهاد) عالم من علماء الاسلام الكبار، رغم انها تعدت المئات؟ فه اخطأ في امر واحد أو امرين حتي نتجاوز ذلك و نقول انه اجتهد و اخطأ؟ ام ان حياته كانت بفعل مقصود سلسلة اعتداءات علي الاسلام، و خروج عليه و انتهاك لحرماته؟ لقد بقي الاسلام حيا لأنه يملك مقومات الحياة رغم كل شي ء، لا لأن معاوية اراد له ذلك، و ليس لنا ان نتبجح و نقول ان الاسلام بقي حيا لأن كل (المتصارعين) ارادوا حياته، و الا فلماذا ذلك الصراع الشرس، لو كان من اجل الاسلام حقا لتنازل احد المتصارعين عن حقه مادام ذلك في صالح الاسلام؟

و هذا ما فعله أميرالمؤمنين عليه السلام بعد وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، و حتي خلافته، حينما وجد بعد ذلك انه لا يستطيع ان يتنازل لمعاوية، بل حتي ان يقره علي ولاية الشام، لانه لم يكن يتمتع و باعترافه هو حتي بمستوي آخر الخلفاء عثمان، و عند استشهاد أميرالمؤمنين عليه السلام و سيطرة معاوية علي الساحة و استعداده لاستئصال الاسلام، اذا ما وجد خطرا حقيقيا علي حياته و علي ملكه، هادنه الامام الحسن عليه السلام و تنازل عن حقه، حين ظهر معاوية امام الامة انه سيلتزم بكتاب الله و سنة رسوله صلي الله عليه و آله و سلم، اضافة لبعض الألتزامات الأخري التي اوضحناها، و بذلك ضمن التزامه الظاهري علي الاقل بالاسلام، و عدم الخروج المعلن عليه، لان معاوية جدير باثارة فتنة حقيقية و حرب صريحة ضد الاسلام، لو لم يفوت عليه الامام عليه السلام فرصة ذلك، و جعله يبدو امام الامة بمظهر الحريص علي دينها و وحدتها، و كان هذا حدا ادني امكن استخراجه من معاوية، بدلا من جعله يشهر سيفه صراحة و يبيد الطليعة الواعية من الامة و في مقدمتهم آل البيت عليه السلام.

انه ليس امرا عاديا ان ينزه القرآن الكريم و هو قول الله العزيز مجموعة معينة من البشر، هم الرسول صلي الله عليه و آله و سلم و آله عليهم السلام من الرجس و الدنس بعبارات واضحة جلية، و يخبرنا بعزم الخالق و ارادته علي تطهيرهم من كل ما يمكن ان يعبث بالنفوس البشرية العادية. و اذا ما كان رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم في مقدمة هؤلاء، و قد علمنا كيف كان سلوكه و كيف كانت سيرته، و اذا ما علمنا ان هؤلاء هم اهله و اقرب الناس اليه، و اننا لم نلمس منهم الا ما لمسناه منه صلي الله عليه و آله و سلم، و انهم قد سلكوا نهجه و طريقه، علمنا ان امامنا مهمة فهم هذه الصفوة و دراستهم و معرفة مناهجهم و أساليبهم و تصوراتهم علي ضوء منهج الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، لكي نقوم بتبنيها كما تبنينا نهج الرسول صلي الله عليه و آله و سلم.


و نسأل اولئك الذين لا يريدون ذلك و يرونه امرا خارجا عن المألوف؟ لماذا لا يريدون ان يقتنعوا ان دور تلك الصفوة من آل الرسول عليه السلام كان معدا من الله لاكمال مسيرة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، الذي كان دوره صلي الله عليه و آله و سلم معدا من الله بلا شك..؟

و لماذا نري ان ذلك امرا خارقا للعادة معهم و قد فعله الله مع رسوله في آخر الرسالات؟ هذا هو الامر الوحيد المنسجم مع العقل، لان وفاة الرسول صلي الله عليه و آله و سلم من شأنها ان تقطع منهج و اسلوب تلك القيادة العارفة و تتركها وفق تفكير البشر العاديين الذين امضوا شطرا كبيرا من حياتهم يعيشون اوضاع الجاهلية و تصوراتها، و من شأن ذلك ان يخل بمسيرة الاسلام كما اراد الرسول صلي الله عليه و آله و سلم، لقد كان وجود القادة الذين يحملون التصور النبوي النقي الذي لم يختلط أو يشوه بأي تصور آخر ضروريا لاكمال المسيرة لفترة طويلة من الزمن ريثما تعتاد الامة ذلك و تألفه، حتي لا تعود تري امامها الاشياء من خلال غبش و غبار و ضباب الجاهلية، و هو ما اراده الله سبحانه فعلا و خطط له رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم و أعد خليفته و وصيه من بعده، غير ان الأمور تغيرت و لم يسر كل شي ء بعد وفاته صلي الله عليه و آله و سلم كما اراد و خطط.

اننا سنتوصل الي قناعة اكيدة بان معرفة مناهج و اساليب و تصورات الائمة الكرام عليهم السلام سيجعلنا قريبين جدا من منهج الرسول الكريم صلي الله عليه و آله و سلم، و اننا لن نجد أي تقاطع أو تعارض بينها و بينه، حتي بأبسط الامور، بل لعلها السبيل الوحيد الي فهم ذلك المنهج الاول الذي ارسي دعائمه رسول الانسانية العظيم صلي الله عليه و آله و سلم، و من شأن ذلك تسهيل فهمنا للكثير من امور هذا الدين القويم و السير علي مبادئه و تشريعاته، بعيدا عما الصق به و نسب اليه من قبل محترفي الحديث و التفسير و الوضع و الكذب، الذين شوهوه و ارادوا علينا كنسخة مزورة تختلف عن الاصل اختلافا واضحا، و نجحوا في ذلك مع العديدين من الذين اقتنعوا بدجلهم و أكاذيبهم و تزويرهم بدافع المصلحة أو الجهل.


پاورقي

[1] أخرج الصدوق في الاکمال بالاسناد الي الامام الصادق عليه‏السلام: عن آبائه مرفوعا الي رسول الله صلي الله عليه و آله و سلم قال: ان الله عزوجل اختارني من جميع الانبياء، و اختار مني عليا و فضله علي جميع الاوصياء، و اختار من علي الحسن و الحسين، و اختار من الحسين الاوصياء من ولده، ينفون عن الدين تحريف الغالين، و انتحال المبطلين، و تأويل الضالين، المراجعات 213 و اخرج الصدوق في الاکمال ايضا بالاسناد الي سلمان: قال: دخلت علي النبي صلي الله عليه و آله و سلم: فاذا الحسين بن علي علي فخذه و هو يلثم فاه، و يقول: انت سيد ابن سيد، انت امام ابن امام، اخو امام ابوالائمة، و انت حجة الله و ابن‏حجته و ابوحجج تسعة من صلبک تاسعهم قائمهم، المراجعات 212.

[2] عن الرسول صلي الله عليه و آله و سلم قوله: (يا ايها الناس اني ترکت فيکم ما ان اخذتم به لن تضلوا: کتاب الله و عترتي اهل بيتي) و قال صلي الله عليه و آله و سلم: (اني ترکت فيکم ما ان تمسکتم به لن تضلوا بعدي: کتاب الله حبل ممدود من السماء الي الارض، و عترتي اهل بيتي، و لن يفترقا حتي يردا علي الحوض. فانظروا کيف تخلفوني فيهما). اخرجهما الترمذي و النسائي عن الجابر. و المتقي الهندي في اول باب الاعتصام بالکتاب و السنة من کنز العمال ص 44 ج 1. عن زيد بن ارقم و هو الحديث 874 من احاديث کنز العمال في ص 44 ج 1 و ورد الحديث بصيغ مختلفة عن طريق رواة ثقاة معتمدين، يراجع کتاب المراجعات 25 / 19.

[3] اهل البيت 75.

[4] المراجعات: 211.

[5] الاکمال، الصدوق: 299، 220، 213، 212.

[6] الاکمال، الصدوق: 299، 220، 213، 212.

[7] الاکمال، الصدوق: 299، 220، 213، 212.

[8] الاکمال، الصدوق: 299، 220، 213، 212.

[9] الفصول المهمة: (42، 41).

[10] نفس المصدر: (177، 174).

[11] اصل الشيعة: 93، و الطبري: 186 / 6.

[12] محمد قطب، واقعنا المعاصر، مؤسسة المدينة، ط 2، ص: 7 / 6.